مقالات

رحل أحمدو ولد الطيب .. بدر الليلة الظلماء

أنباء انفو- توفي يوم السبت 20 سبتمبر أحمدو ولد الطيب(رحمه الله) بمقاطعة كرو ضاحية “اشكيك” من غير سابق مرض ولا نصب… فكانت وفاته مفاجأة لم يصدق بها من سمع بها إلا بعد تردد و حيرة وتثبت… إذ لا أحد يتوقع وفاته ولا يسلم بها لأول وهلة .. والكل يتمني لو تخذله أذنه.. فالمصاب جلل والفراغ سحيق فوفاته تمثل” أم الخسائر البشرية” لساكنة كرو و لعصابة و الوطن عموما فقد ضرب الشاب مثلا عانق الثريا في الكرم و صنع المعروف و رفع سقف فضائل الأعمال…

حضر الصلاة عليه الآلاف من أولي الفضل من أصقاع المقاطعة أمهم الفقيه صاحب العلم المرفود و الورع المشهود محمد محمود ولد حمد و صدعت حناجر المصلين بما نطقت به قلوبهم و دمعت به أعينهم من خالص الدعاء للفقيد بالرحمة و الغفران و القبول في مصاف الصديقين و الشهداء و الصالحين و حسن أولئك رفيقا … و تواصل الدعاء و الثناء في موكب التشييع المهيب من كرو إلي” أشكيك”.

ووري الفقيد الثري بمقبرة “اشكيك” إلي جنب جده و العديد ممن سبقوه إلي القدر المحتوم من الأولياء و العلماء و العباد و الزهاد و صنعة المعروف و أهل البر و الفروسية و الإحسان .. ممن عرفت بهم هذه المقبرة التي أنبأ -من قبل ما يربو علي قرن- سليل أسرة العلم و الفضل و الذكاء الوقاد الشيخ محمد العاقب ولد أحمد بيه بأنها ستكون مدفن صفوة القوم من الأولياء و العلماء و الصالحين و أهل المروءة و الإحسان… و كان محمد العاقب نفسه أول دفين بها .. تقبلهم الله جميعا في فسيح جناته…

توفي المرحوم أحمدو ولد الطيب عن عمر ناف علي الأربعين سنة و قد نشأ في وسط علم و كرم و فروسية و “طموح إلي معالي الأمور”… فقد كان والده محمد ولد الطيب رحمه أحد رموز بطن “أهل محمد الصالح” أحد أرسخ بطون مجموعة”ارماظين” محتدا و نبلا و علما و كرما و ورعا و شهامة وشجاعة… كما كان أحد رجال القبيلة الذين يشار إليهم بالبنان في علو الهمة والذود عن مكارم الأخلاق في المهجر الإفريقي الذي قضي فيه سنينا تاجرا سمحا موفقا و داعيا إلي الله” بالقدوة الحسنة”.

و كان محمد رحمه الله جوادا بماله و خبرته و نفسه كما كان ثاقب البصيرة سابقا لزمانه ،آية ذلك حرصه بالإضافة إلي تعزيز قدرات المحاظر علي إنشاء مدرسة عصرية في مفتتح الستينيات بقرية “جوك” في ظل صدام مستمر و عناد ساخن أحيانا مع أعيان المجموعة حيث كان ينتزع من الأسر أبناءهم و يرسل من يأتي بهم من مضاربهم القريبة من جوك علي ظهور الخيل و العيس و الدواب إلي المدرسة فتكون بفضله جيل من أبناء الحي هو اليوم من خيرة السياسيين و المهندسين و الضباط و الاقتصاديين و المقاولين الخصوصيين،… علي المستوي الوطني جعل الله ذلك في ميزان حسناته إنه سميع مجيب…

نشأ المرحوم أحمدو في هذا الوسط المتميز و تربي علي علو الهمة في صنع المعروف فكان متميزا في دراسته شارك في مسابقة الإعدادية من السنة الخامسة و حاز الباكلوريا في الرياضيات و اختار المؤسسة العسكرية و كان أحد خيرة ضباطها علما وفهما و قدرات قتالية… غادرها اختيارا أو اضطرارا!!!

كان المرحوم أحمدو من مبتدئي رجال الأعمال أصحاب المقاولات المتوسطة حيث أنشأ منشأة متوسطة سنة 2007 لكن من سمع عن عطاياه و صنائعه حسبه جامعا بين ملك البنوك و المصانع و المقاولات الكبيرة … فقد كان معطاء يعطي عطاء من لا يخشي الفقر جوادا بالخير كالريح المرسلة و قد قلت لشقيقه النائب الخليل ولد الطيب معزيا إني لن أقول في المرحوم أحمدو إلا ما كنت أقول عنه في حياته لأصدقائي و خاصتي فالرجل من ضمن قلائل يمتلكون ” عنفوانا في ابتكار صنائع المعروف” و ما سابقهم أو غالبهم أحد في المعروف و المروءة إلا سبقوه و غلبوه رحم الله من قضي منهم نحبه و أطال في عمر من ينتظر.

طبعا ما إن تأكدت من وفاة المرحوم أحمدو -و المرحوم في مقام أخي و أهله أهلي- حتي سارعت ضمن العديد من الإخوة كبار و وجهاء القوم إلي السفر إلي “اشكيك” حيث مكان التعزية منا من مكث أيام التعزية و منا من زاد و رغم حرص عائلة أهل الطيب و خصوصا النائب الخليل ولد الطيب أعظم الله أجره و جزاه جزاء الصابرين… علي اتباع السنة في عدم تجاوز أيام التعزية فقد مكثنا أسبوعا و نحن نستقبل كل يوم علي حين غرة معزين قادمين من مختلف أصقاع موريتانيا و الخارج منهم من نعرف و منهم من لا نعرف قاسمهم المشترك أنهم يذكرون في المرحوم من المعروف و الإحسان ما يوجب عليهم السفر و لو من الخارج لمواساة عائلته الصغيرة و الكبيرة.

رحم الله أحمدو عاش سيدا و مات سيدا قدمت التعزية في مصابه موريتانيا كل موريتانيا .. موريتانيا الرسمية و غبر الرسمية :العلماء و الأولياء و الأمراء و شيوخ القبائل و مشاهير الشعراء و أعلام الفن و بسطاء الناس… كل منهم يذكر في تعزيته مكرمة مباشرة أسداها إليه المرحوم أحمدو حتي أقسم قائل منهم أن لو كان في عصر حاتم لفاقه..!!

و لعل ما استوقفني هو قدرة الرجل علي صنع المعروف لكل طبقات الناس فقد سمعت مباشرة خلال أيام التعزية من أولياء و عباد لله صالحين و علماء و وجهاء و رموز مجتمعية و وطنية مشهود لها بالاستقامة و الكبرياء و وزراء و ضباط سامين و شعراء مجيدين و فنانين لامعين و بسطاء مطمورين مآثر عن المرحوم تطاول في حجمها و نوعها و تكرارها أعمال مشاهير الكرم و السخاء في عصور العرب المتلاحقة.

و من مناقبه رحم الله أنه مر ذات يوم قرب بلدة الغائرة علي رجل بدوي مسن يتحسر علي مصاب في غنمه التي قتلت منها صاعقة رعدية 80 رأسا من الغنم و قد اجتمع عليه أقاربه و جيرانه مواسين و مخففين فتوقف المرحوم أحمدو و سأل أحدهم فقص عليه مصاب الرجل فما كان منه إلا أن استدعاه و أجلسه معه في سيارته و ذهب به إلي غنم يملكها و قال له اختر 80 رأسا من الغنم و احرص علي أن تكون أجود من غنمك و إياك أن تقص القصة علي أحد لكن ذلك الرجل الوفي أبي إلا أن يقص القصة و يوفي المرحوم أحمدو حقه من الثناء و المديح.

و حدثنا رجل أنه استكتمه علي راتب شهري يبلغ 200000أوقية كان يعطيه له كل شهر و قص إمام المسجد العتيق بالغايرة تكفله بترميم و تأثيث المسجد كما حدث آخر من أقاربه أنه كلفه الليلة التي سبقت وفاته بإحصاء الأسر التي لا تملك بقرات حلوب بكامور و الغايرة واعدا بأن يوفرها لها عاجلا كما حدثني ابن عمه العمدة السابق لبلدية الغايرة محمد العاقب ولد أحمد أنه كان ينوي إنشاء مؤسسة خيرية لمساعدة فقراء الغايرة تبيع لهم المواد الأساسية بسعر التكلفة و حدث آخرون عن أسر عديدة بالغايرة لا يعلمها إلا هو كانت تتقاضي رواتب شهرية مجزية…

و من المتواتر أنه كان في فترة الخريف يجلس طيلة النهار عند نقطة تفتيش الدرك “يتوسل” المارة من الطريق الرابط بين نواكشوط و النعمة المقام عنده ولو لساعات كما يتحري عابر سبيل أو من به حاجة فيقضيها له.!!

المرحوم أحمدو من الخالدين و سيذكره قومه من أهله و قبيله و وطنه كلما جد الجد فهو البدر الذي يفتقد في الليلة الظلماء ..و مهما قيل فيه فلن يوفي حقه و هو الذي صنع كل هذا المجد و اختطفته المنية و لما يكمل عقده الخامس.

رثاه أمير الشعراء الشاعر الكبير و الأخ العزيز سيد محمد ولد بنب و الأديب القدير سدوم ولد أيدة و الشاعر و الأديب المجيد محمد الزين ولد امخيطير و آخرون …

توفي أحمدو رحمه الله عن خمسة أولاد ثلاثة أبناء و ابتنين رحمه الله رحمة واسعة و بارك في عقبه و ألهم ذويه الصبر و السلوان و القوة و الوحدة و الأمان و أحسن الله العزاء للنائب و المناضل العنيد و السياسي القدير الخليل ولد الطيب و أعطاه جزاء الصابرين ..

– المختار ولد داهي

مواضيع مشابهة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button