مقالات

هل اختلطت علينا الأوراق ؟ / شيخنا ولد الناتي

أصدرت المنسقية العامة لحراك لمعلمين مؤخرا وثيقة مطلبية ،

بينوا فيها الظروف التي مرت بها الشريحة أزيد من نصف قرن من عمر

الجمهورية الإسلامية الموريتانية .إلا أن هذه الوثيقة لاقت تجاوبا لا يتناسب

مع ما تحتويه صفحاتها من قراءة متبصرة وصريحة لواقع لمعلمين ،

بل تجاوز الأمر حتى اعتبرها بعض المعنيين بالتعليق عليها بأنها تسعى

إلى تفكيك اللحمة الوطنية للمجتمع وقد كان هذا الحكم قبل الإطلاع عليها وقراءتها وإبداء الملاحظات عليها .

لهؤلاء أذكرهم بأن لمعلمين جزء لا يتجزأ من هذا المجتمع العربي

الذي يسكن موريتانيا ، وعليه فإن تغييبه عن كل الأدوار في بلده لا يخدم السلم الأهلي للمجتمع ،

بل يولد الشرارة بين أفراد المجتمع . كذلك عدم التجاوب مع مطالبهم ودراستها

وإقناعهم بما هو حق لهم وما لا يستحقون الحديث عنه و غلق الأبواب والمنابر

الإعلامية عنهم هو الآخر لا يخدم الوحدة الوطنية .

با لله عليكم ماذا يضر الوحدة الوطنية لو أن الدولة استجابت للمطالب التالية

أو على الأقل ناقشتها مع أصحابها والتي وردت في وثيقتهم المطلبية .

أولا : في المحور الاجتماعي

– تجنيد الوسائل الإعلامية والمنابر الدينية لتصحيح الصورة النمطية التي بنى المخيال الجمعي

عن الشريحة من خلال الخرافات المغلفة بغلاف الدين

– إقامة منتدى وطني للحوار حول كيفية دمج هذه الفئة ومسايرتها للحياة الاجتماعية والنشاط الاقتصادي.

– تشجيع المبادرات الهادفة إلى زيادة الحوار والنقاش حول ضرورة التجانس بين مكونات المجتمع.

* الجانب الاقتصادي:

– وضع الآليات القانونية المناسبة لتنظيم مهنة الصناعة التقليدية

من أجل أن تكون منتجاتها قابلة للتنافس ومدرة للدخل، ويتعلق ذلك أساسا بمجالات

التسويق والمقاييس النوعية والملكية الفكرية ومنح الصناع التقليديين أحقّية تسيير المشاريع الخاصة بهم.

– إقامة مراكز تدريب مهنية من أجل تأطير الصناع التقليديين لتطوير خبراتهم وجعلها منفتحة على

التقنيات العصرية دون أن يؤثر ذلك على الطابع التراثي والقيمة الفنية للصناعة التقليدية.

– العمل على فتح قرض للصناعة التقليدية على غرار القرض الزراعي

والبحري واعتماد الشفافية والتسيير التشاركي في تسييره.

– خلق طبقة رجال أعمال من فئة لـمْعَلْمينْ بتوفير فرص استثمار من خلال منح رخص الصيد ورخص المعادن.

– تنظيم معارض وطنية للصناعة التقليدية وتشجيع مشاركتها في

المعارض الدولية مع مراعاة أحقيتهم في التمثيل أكثر من غيرهم.

ثانيا : مسؤولية العلماء والمثقفين

إن تفعيل كل الآراء والمقترحات التي أوردناها سابقاً سيكون بدون جدوى

ما لم يتبنَّ من قبل القوى الحية في بلادنا، ويعول في هذا المجال كثيراً على

دور علمائنا الأجلاء في الحثِّ على التقيُّد بالتعاليم الإسلامية الصحيحة،

لما لها من دور في الحدِّ من النظرة الدونية المتجنيّة على بعض فئات مجتمعنا،

وكذا معالجة الأمراض الاجتماعية التي ظهرت نتيجة لذلك لدى هذه الفئات، فتبيين

نظرة الإسلام الصحيحة في بنيان وتشكل المجتمع على أساس من الإخاء والتراحم والتسامح

في ظل العدل والمساواة كفيل بمحو كثير من الدعاوَى الباطلة ذاتِ الطبيعة الجاهلية.

كما يعول كذلك على الدور الهامِّ الذي يجب أن يلعبه المثقفون في توجيه المجتمع

حول ضرورة نبذِ المفاهيم والعقليات البائدة والمُعيقة للتنمية، والعمل على إيجاد

مساحة للحوار والنقاش حول واقع الفئات المغلقة، وكيفية معالجته، والوعي

بأهمية إشراك الجميع كل من موقعه في بناء الوطن.

وتبرز الحاجة هنا ملحّة إلى تبني قادة الرأي العام الوطني لهذه المهمة وبصفة

خاصة المؤسسات الرسمية والفعاليات السياسية وهيئات المجتمع المدني

والصحافة والمنظمات والهيئات الحقوقية والشخصيات الاعتبارية.

أولا: محورية دور الدولة في عملية رد الاعتبار لشريحة لـمْعَلْمِينْ

لا شك أن بوسع الدولة – التي تملك جميع أوراق اللعبة السياسية –

إحداث تمييز إيجابي لشريحة مَّا أو مكون مَّا متى ما ملكت الإرادة.

ولهذا نضع بين يدي صانعي القرار الوطني جملة من المقترحات نحسبها في

حالة التعامل معها إيجابيا كافية لإصلاح الخلل وإحداث التمييز الإيجابي

المطلوب نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر :

1. الأخذ بمنطق الدولة الحديثة التى تشرك جميع أبنائها في الوظائف السامية وفق معايير منطقية.

2. تشجيع ولوج أبناء شريحة لـمْعَلْمِينْ لجميع الوظائف السامية والسيادية بما فيها رئاسة الحكومة .

4 . إشراك المناضلين السياسيين من فئة لمعلمين في عضوية الهيئات القيادية للأحزاب، لضمان ولوجهم لقبة البرلمان والمجالس البلدية.

5. استحداث وزارة خاصة بالصناعة التقليدية تعمل على ترقية القطاع والنهوض به،

بُغية تحويله إلى قطب اقتصادي أُسوةً بالجارة المملكة المغربية التي نجحت في إحداث

ثورة حقيقية في قطاع الصناعة التقليدية حتى حولته الى وجهة سياحية

ومفخرة للشعب المغربي لا مصدر سُبّةٍ ومعاناة.

6. اشراك المرأة “لمْعَلْمَه” في (كوتا) المرأة الموريتانية البالغة 20%

بنسبة 20% من هذه الكوتا الخاصة بالمرأة، التي لم تستفد منها أية امرأة من بنات هذه الشريحة.

7. إشراك نخب الشريحة في القرارات المصيرية والمتنتديات والأيام التشاورية.

8. إشراك لـمْعَلْمِينْ في إدارة المؤسسات الإعلامية وفي برامجها السياسية والدينية وتعيين صحفيين من أبناء الشريحة.

9. الإيعاز للعلماء والفقهاء والمثقفين بتناول إشكالية لـمْعَلْمِينْ وتبيين حكم شرع الله في من ينال من أعراضهم.

10. اشراك لـمْعَلْمِينْ في إدارة بعض المجالس كالمجلس الدستوري والمجلس الأعلى للقضاء والمجلس الاقتصادي والاجتماعي…

ثانيا: دور الاحزاب السياسية ومؤسسات المجتمع المدني

يعتبر دور الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني دوراً

أساسياُ ومكملاُ لدور الدولة في أية عملية تهدف إلى إشراك مكوّن

مَّا في العملية السياسية من خلال انتهاج سياسات ومقاربات غير إقصائية.

و لقد رأينا خلال الانتخابات التشريعية والبلدية الماضية كيف أن الأحزاب الوطنية

عزفت جميعُها عن ترشيح مواطنين ينتمون إلى شريحة “لـمْعَلْمِينْ” على رأس لوائحها الانتخابية،

ما شكل لنا خيبة أمل حقيقية، وتناقضاً صارخاً بين الخطاب السياسي لتلك الأحزاب وممارستها الفعلية.

ولتلافي تكرار ذلك مستقبلا وتثميناً لدور أحزابنا السياسية نقدم التصورات والمقترحات التالية :

1. تبني قضية تهميش أبناء شريحة لـمْعَلْمِينْ ضمن برامج الأحزاب الانتخابية وخطاباتها السياسية.

2. ترقية بعض المناضلين في صفوف الأحزاب والمنتمين لشريحة لـمْعَلْمِينْ إلى مراكز قيادية في أحزابهم.

3. ترشيح بعض المناضلين الحزبيين المنتمين للشريحة على رأس بعض

اللوائح الانتخابية وفي دوائر تتمتع فيها أحزابهم بثقل ديموغرافي مما يضمن لهم

الفوز وبالتالي ولوج أبناء هذه الشريحة الكريمة للبرلمان والمجالس البلدية.

4. دعم نضال شريحة لـمْعَلْمِينْ في معركتها السلمية لنيل حقوقها السياسية والاقتصادية والاجتماعية …

نحو مجتمع يزن بميزان دين الله :

تقع مسؤولية تنقية شرع الله مما علق به من مزاعم على عاتق علمائنا

الأجلاء وبمؤازرة وتوجيه من الدولة الموريتانية من خلال :

1. استصدار فتاوى صريحة وواضحة من المجلس الإسلامي الأعلى ترد

على تلك الأكاذيب المسيئة لمجموعة من المسلمين انتصاراً لدين الله وللمستضعفين في الأرض.

2. فتح المنابر الإعلامية للعلماء للتطرق لهذه لمسائل وتناولها دون خجل والرد عليها وتبيين حكم الشرع فيمن يفتي بها.

3. منح عناية خاصة لعلماء لـمْعَلْمِينْ بشكل خاص ومنحهم فرصة الظهور على وسائل الإعلام الوطنية.

4. تعيين إمام من شريحة لـمْعَلْمِينْ يتصف بالعلم والورع

والكفاءة إماما وخطيبا للمسجد الكبير الجاري بناؤه في المطار القديم.

ثالثا : المحور الثقافي

1. يجب الإيعاز لوزارة الثقافة بتلافي هذا الغبن الخطير وتصحيحه من خلال انتهاج مقاربة فعالة ومنصفة.

2. يجب الإيعاز لوزارة التهذيب الوطني ووزارة التعليم العالي والبحث العلمي

وجامعة نواكشوط والمعهد التربوي الوطني بأهمية تلافي هذا

الغبن الخطير والعمل على تصحيحه من خلال انتهاج مقاربة حازمة وفعالة.

3. يجب إلزام الباحثين والمؤلفين الموريتانيين بإعادة النظر في

مسألة الغبن الثقافي لشريحة لـمْعَلْمِينْ في حالة إعادة طبع أعمالهم.

4. يجب استحداث يوم وطني لتثمين وتمجيد دور الصانع التقليدي الموريتاني في صناعة تاريخ موريتانيا وصيانة تراثها.

5. إبراز دور الصانع التقليدي الموريتاني في مقاومة المستعمر من خلال إنتاجه نماذج فعالة من الأسلحة والذخيرة.

رابعا : المحور المهني

الحلول المقترحة:

تتطلب تنمية قطاع الصناعة التقليدية والرفع من مستوى أداء القائمين عليه

وضع خطة عمل متكاملة تعتمد على عدة محاور يدعم بعضها البعض وتستجيب

لمتطلبات المستفيدين (الصناع التقليديين) وإخراجهم من الوضعية المزرية التي يعيشونها اليوم.

وعلى كل محور من هذه المحاور أن يحدد المستفيدين ويوضح الأهداف وكذا

الإجراءات والتدابير الأساسية لبلوغه بطريقة تمكن من إيجاد مخطط

تنموي للصناعة التقليدية يكمل الاستراتيجيات متعددة القطاعات للتنمية الوطنية.

محاور الخطة:

إن هذا العمل يعتمد من وجهة نظرنا على عدة محاور

أساسية تتكامل فيما بينها بغية تحقيق الأهداف التي تم وضعها.

* يهدف المحور الأول إلى خلق إطار تنظيمي مؤسسي وقانوني

يضمن للصناع التقليديين ومؤسساتهم المشاركة الفعلية في تسيير وتنظيم قطاعهم بشكل مستقل ودائم.

* يرمي المحور الثاني إلى تنمية المصادر البشرية بالتكوين المهني

والفني الذي يعتبر شرطا أساسيا لتنمية بشرية مستديمة. وكل نقص في

التكوين وتنمية الخبرات والمهارات لدى الصانع التقليدي يقلل من احتمال

قيامه بأنشطة مدرة للدخل وبالتالي يعرقل تطور القطاع بشكل عام.

إن هذا المحور سيكون له الأثر البالغ على المدى البعيد في التغيير

الإيجابي لنمط وسلوك الإنتاج لدى الصانع التقليدي وكذلك تحسين ظروفه المادية والمعنوية.

* يتجه المحور الثالث نحو خلق ظروف ملائمة للصانع التقليدي باختزال الزمن الإنتاجي

عن طريق توفير التجهيزات واللوازم الضرورية التي تمكنه من الاستفادة بشكل موضوعي

من تحسين إنتاجه، كمّاً وكيفاً، وذلك بغية مسايرة الركب الحضاري والمساهمة في الحد من الفقر.

* يتعلق المحور الرابع بخلق نمو متسارع للإنتاج من خلال توفير فرص تمويلية جديدة

لأنشطة الصناعة التقليدية وترقية وتطوير الهيئات والمؤسسات التمويلية القائمة حاليا.

* يسعى المحور الخامس إلى توفير المواد الأولية لمتوجات الصناعة التقليدية واكتشاف

أسواق وآليات جديدة لتسويق هذه المنتوجات باعتبار ذلك هو الضمان الأساسي لترقية

وتطوير هذا القطاع والدفع به إلى المساهمة بشكل فعلي في عملية التنمية الوطنية الشاملة .

* أما المحور السادس فيلتمس خلق محيط أمني وصحي ملائم يقلل

من احتمال تعرض الصانع التقليدي للأخطار المهنية أثناء ممارسة نشاطه.

وخلاصة القول؛ أن إهمال قطاع الصناعة التقليدية (بمفهومها التراثي)

من الخطط والبرامج التنموية في البلد وامتناع الممولين الخصوصيين عن الاستثمار فيه،

وكذا مزاحمته من قبل الحرف العصرية والمهن غير المصنفة هي عوامل تجعل هذا الجزء

الهام من هوية البلد وتراثه الحضاري عرضة للتلاشي. وما لم توجد إرادة صادقة

وجهود جبارة لانتشال الصناعة التقليدية والواقع المزري الذي آلت إليه فان ذلك التلاشي سيكون حتميا.

دعم الصناعة التقليدية الوطنية يجب أن يمر فقط من بوابة دعم الصناع التقليديين

أنفسهم عبر تحسين ظروف عملهم ومدهم بالوسائل والآليات الحديثة بغية النهوض

بهذا القطاع وتحويله إلى قطب اقتصادي جاذب للسياحة والاستثمار، مع إقامة معاهد

متخصصة تخرج شبابا ينحدرون من مختلف الشرائح الاجتماعية، على أن يتم تشجيعهم

على العمل في نفس القطاع عبر تقديم حوافز وامتيازات مغرية لهم، ما سيؤدي في النهاية

إلى نفي الصبغة الفئوية عن هذا القطاع وتخليصه بالتالي من الحمولة السلبية اللصيقة به،

على غرار تجربة المملكة المغربية الشقيقة التى تعتبر بحق مثلا يحتذى في هذا المجال.

مواضيع مشابهة

تعليق

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button