دعوة رئيس موريتانيا إلى مسؤولي الدولة بقضاء العطل داخل البلاد: رسالة رمزية أم اختبار للولاء؟

أنباء انفو-، وجّه رئيس موريتانيا محمد ولد الشيخ الغزواني، في ختام اجتماع مجلس الوزراء مساء الأربعاء 25 يونيو 2025 , دعوة مباشرة لأعضاء حكومته وكبار المسؤولين لقضاء عطلتهم الصيفية داخل البلاد واصفًا سفرهم وعائلاتهم خارج البلاد خلال العطل بأنه “سلوك غير مناسب” يعطي صورة سلبية عن الوطن.
وأشار الرئيس إلى أن تكرار هذه الظاهرة يعكس وكأن موريتانيا تفتقر إلى ما يستحق الزيارة أو الاستكشاف، وهو ما اعتبره غير لائق، خاصة في ظل الجهود المبذولة لتحسين صورة البلاد وتعزيز الانتماء الوطني. ودعا المسؤولين إلى أن يكونوا قدوة للمواطنين، من خلال تمضية العطلة مع ذويهم وفي أماكن إقامتهم الأصلية.
لماذا مثل هذه الدعوة الآن؟
لقد جاءت دعوة الرئيس الآن ، في توقيت حساس يتسم بعدة أبعاد:
- اقتصاديًا: البلاد تمر بفترة اقتصادية دقيقة، وتشجيع الإنفاق المحلي من قبل النخب قد يحمل رمزية داعمة للاقتصاد الوطني، خصوصًا في قطاع السياحة والخدمات.
- سياسيًا: وسط حديث متداول لدى بعض الأوساط، أن الرئيس فقد نفوذه و التوجيهات السامية أصبح مصدرها الوزير الأول. المختار ولد أجاي ، وهو بهذه الدعوة الآن ، يسعى لتعزيز صورة القائد القريب من الشعب، ولكسر الصورة التى يحاول بعضهم ترويجها أنه معزول عن الواقع.
- اجتماعيًا: يتزايد الحديث عن الفوارق بين السلطة الحاكمة وبقية الشعب، وهو ما قد تحاول الرئاسة معالجته بإجراءات رمزية ذات طابع شعبي.
دعوة ولد الغزوني تستحضر عهد ولد الطايع
هذا التوجه يعيد إلى الأذهان خطوة مشابهة اتخذها الرئيس الأسبق معاوية ولد سيد أحمد الطايع في تسعينيات القرن الماضي، حين دعا كبار المسؤولين إلى قضاء عطلهم داخل البلاد. وقد لاقت دعوته حينها استجابة واسعة، فُسرت وقتها على أنها تعكس هيبة الرجل وسطوته داخل مؤسسات الدولة.
ولم يقتصر الأمر وقتها على العطل، بل طلب ولد الطايع من المسؤولين بناء منازل في مناطقهم الأصلية، وقد استجاب الكثيرون بالفعل، فظهرت مساكن فاخرة في مدن وقرى داخلية لم تكن تضم قبل ذلك سوى منازل بسيطة أو مهجورة.
ويطرح هذا التشابه اليوم سؤالًا جوهريًا:
هل سيتمكن الرئيس الغزواني من فرض توجهه؟ وهل يتمتع بنفوذ كافٍ داخل النخبة السياسية والإدارية لتغيير سلوك راسخ منذ سنوات؟
ففي الوقت الذي كانت استجابة المسؤولين في عهد ولد الطايع شبه تلقائية، فإن اختبار الغزواني قد يكون أكثر تعقيدًا، في ظل تعدد الولاءات وتغير نمط العلاقة بين الحاكم والنخب في العصر الحديث.
إلى ذلك كله لايمكن اعتبار دعوة الرئيس الغزواني لقضاء العطلة في الداخل مجرد توصية، بل إنها قد تحمل أبعادًا أعمق تتعلق بقدرته على فرض الانضباط السياسي، وتعزيز الثقة بين النظام والمجتمع.
الأيام القادمة كفيلة بالكشف عمّا إذا كانت هذه الرسالة ستُترجم إلى التزام فعلي، أم ستبقى مجرّد دعوة بروتوكولية عابرة!.



