
أنباء انفو- بينما تغرق موريتانيا في أزمات مالية ومعيشية متلاحقة، يتحول ميناء نواكشوط المستقل (ميناء الصداقة)، الشريان التجاري الأول للبلاد، إلى مسرح يومي لعبث إداري وفساد ممنهج، دون أن ترفّ للحكومة جفن، أو يصدر عن الأجهزة الرقابية أي موقف يضع حدًا لهذا الانهيار الصامت.
مدير بلا كفاءة.. وسلطة مطلقة بلا مساءلة
يدير الميناء منذ فترة سيدي محمد ولد محم، خريج معهد للدراسات الإسلامية، لا يُعرف عنه سوى إتقانه للغة العربية، ويُطرح اسمه اليوم كمثال فاقع على ظاهرة تعيين المقربين لا المؤهلين، حيث تُمنح مناصب اقتصادية حساسة في البلاد لأشخاص يفتقرون للحد الأدنى من الكفاءة في الإدارة، والمحاسبة، واللغات، وملفات التجارة والنقل البحري.
وفي هذا السياق، تتردد بقوة فرضية انتماء ولد محم إلى أحد أقوى اللوبيات داخل الدولة، يقوده الوزير الأول الحالي المختار ولد اجاي، وهو لوبي بدأ صعوده في عهد الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز. ومن المثير أن العناصر الأساسية لهذا التيار لا تملك من الكفاءة سوى الخطابة الحماسية والشعارات الدعائية التي قرّبتهم من دوائر النفوذ. ولا تزال مقولاتهم تتداول إلى اليوم، من قبيل ما قاله ولد اجاي بأن “الموريتانيين لن يناموا تحت الأضواء إذا غاب عنهم ولد عبد العزيز”، أو ما قاله رفيقه ولد محمد بأن “ولد عبد العزيز هو أطعم من جوع وآمن من خوف!”.
تحصين الفساد.. وشراء الصمت
تفيد مصادر مطلعة من داخل الميناء بأن ما يحدث هناك ليس مجرد سوء تسيير، بل هو تأسيس فعلي لمنظومة فساد محمية من أعلى المستويات، حيث يتم التلاعب بالعقود والتوظيفات والصفقات دون حسيب أو رقيب، تحت غطاء “الولاء السياسي” وشراء الذمم الإعلامية.
وليس من المستغرب، وسط هذا المناخ، أن تتردى خدمات الميناء، وتتعطل حركة البضائع، وترتفع التكاليف، ويتحمل المواطن في النهاية ثمن هذا التسيب الممنهج، سواء عبر فواتير الغلاء أو فقدان الثقة في المرافق السيادية.
الرسالة الأخطر: الميناء خارج الدولة
ما يجب الوقوف عنده بجدية هو الرسالة السياسية التي يوجهها استمرار هذه الحالة الشاذة: أن بعض المرافق في موريتانيا لم تعد تخضع لمنطق الدولة، بل تُدار كإقطاعيات، محمية بحلف معقد من المصالح السياسية والإعلامية، وأن من يديرها ليس مضطرًا لتقديم كشف حساب لأحد، طالما أن “السكوت” هو العملة المتداولة بين الفساد والحماية.
أين الحكومة؟ أين الرقابة؟ وأين الرئيس؟
أسئلة كبرى تفرض نفسها أمام هذا الوضع المتردي:
هل تعلم الحكومة بما يجري في الميناء؟
لماذا يُترك مرفق بهذه الأهمية تحت إدارة فردية بلا مؤهلات اقتصادية؟
أين محكمة الحسابات، ومفتشية الدولة، وهيئات مكافحة الفساد؟
ولماذا يغيب الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني عن المشهد، وهو الذي وعد بحوكمة رشيدة ومحاربة الزبونية؟
إن ما يحدث في ميناء نواكشوط ليس مجرد خلل إداري، بل انعكاس صريح لغياب الإرادة السياسية في الإصلاح، وضعف الرقابة، وتحكم “دولة المديرين”، التي تنمو في الظل وتُنهك الاقتصاد الوطني.
هنا نتساء قبل أن نختم، هل نحن أمام دولة مؤسسات؟ أم مجرد مؤسسات داخل الدولة، تدار بقرارات فردية وعلاقات فوق القانون؟.



