البنية الهيكلية للإدارة الإقليمية الموريتانية / الحاج ولد المصطفي
الجمهورية الإسلامية الموريتانية دولة “نامية ” تأسست علي أرض واسعة(1،170كلم4) ومترامية الأطراف: من الصحراء إلي المحيط الأطلسي ،ويبلغ عدد سكانها 3،796مليون نسمة 2012م .وتضم فئات اجتماعية ومكونات عرقية مختلفة ؛وحدها الدين الإسلامي ورسخت الجغرافيا والتاريخ
عري الأخوة بينها ..وقد عملت المجموعات السكانية علي المشاركة الفاعلة في تأسيس الدولة والحصول علي مواقع مناسبة داخل البنية الهيكلية لنظام الدولة الحديثة ..فماهى معايير هيكلة الإدارة الإقليمية في الدولة الموريتانية؟
يورد المرحوم الأستاذ المختار ولد داداه الصعوبات التي واجهته في مجال مرتنة القيادة الإدارية الإقليمية للبلاد من خلال استعراض آراء المجموعات الإجتماعية والعرقية كالتالي: – (” نحن النبلاء المحاربين أسياد هذا البلد الحقيقيين قبل الاستعمار، لن نرضى بأن يحكمنا فرد من الطلبه الذين “لا يستطيعون العيش إلا تحت ظلنا”)
– ( “نحن الطلبه نفضل بقاء احتلال الكفار أرضنا وكفهم عنا شر المحاربين الجبابرة الجشعين غالبا)
– ( “نحن السود الموريتانيين أنبل وأكثر حرية من البيضان المستعبِدين، ولن نقبل بقيادتهم إيانا. فهذه البلاد بلادنا قبل أن تكون بلادهم، ونحن حريصون على البقاء فيها أحرارا، ونخشى إذا أفضت السلطة إلى البيضان أن يعاملونا كعبيد لهم.)
ويضيف -مؤسس البلاد- إلي هذه التصنيفات أبعادا جهوية برزت هي الأخري، من أهمها النزاع الخفي بين (المنحدرين من الشرق والمنحدرين من الغرب)
– (“وما ذا حل بنا نحن سكان المناطق الشرقية، إننا لا نقبل البقاء تحت سيطرة أهل الغرب الموريتاني، فإذا كانوا قد التحقوا بالمدرسة الفرنسية قبل أن يلجها أبناؤنا فإننا لا نقبل أن يتخذ ذلك ذريعة لأن نستعمر ثانية من لدن مترجميهم ووكلائهم ومعلميهم وممرضيهم)
– (” نحن سكان الغرب الموريتاني الأكثر تعلما، والأكثر تضلعا من الثقافة العربية، ونحن الذين كان فينا قبل دخول الاستعمار الفرنسي كذا وكذا من المحاضر)
ثم يطرح الأستاذ المرحوم قضية كبري تتعلق بالمعيارية في اختيار القيادات الإدارية في ظل تلك التراكمات الخطيرة علي وحدة البلاد وانسجامها .ويحدد معيارين أساسين :
الأول : عدم الإنتماء للمنطقة (حكام المقاطعات والولاة)
الثاني:العمل علي أن يتولي المنحدر من ثقافة معينة الحكم في مناطق الثقافة الأخرى…. ويعترف مؤسس الدولة الموريتانية : أن القيادات الوطنية قلدت أسلوب الحكام الفرنسيين في التجبر والضغط العنيف حتي يظهروا بمظهر السلطة القوية القادرة علي إدارة البلاد:(وكان على هؤلاء أيضا أن يفرضوا إرادتهم على من يتبعونهم إداريا).
أما التقسيم الإداري الذي أعتُمد فقد كان من مخلفات العهد الاستعماري الذي استجاب للنفوذ القبلي والولاء للمستعمر وتقبُل سياساته …
ولم تتمكن الحكومة المدنية الوطنية الأولي من الخروج عن قاعدته وخلفياته وأضافت إليها مناطق جديدة تتبني نفس المعايير ….
وسوف نناقش علي ضوء هذا الإستعراض لجهود مؤسس البلاد في تذليل الصعوبات أمام هيكلة ناجعة للإدارة الإقليمية وتسيير بنَاء للشؤون المحلية :
– إن أهم المقاربات المتبعة حديثا تنقسم إلي نهجين رئيسين :
الأول : أنتجته الأنظمة الملكية وتبناها الإستعمار الغربي ورسختها ممارساته وورثها للأنظمة التي أنشأها لتحل محله ..ويقوم هذا النهج علي معيار وحيد وهو موافقة الشخص للحاكم وقدرته علي خدمة أهدافه الخاصة وتسخير الإمكانيات المتاحة لذلك ويسمي الشخص في الأنظمة الملكية ب(عامل الملك علي الإقليم ) …
– الثاني: هوالمفهوم الحديث الذي أنتجته الديمقراطية ويقوم علي معايير الانتخاب ويدخل ضمن مجال اللامركزية والحكم المحلي ، بحيث يختار السكان بناء علي معايير موضوعية وواعية: من يتولي تسيير أمورهم ومقدراتهم الخاصة بعيدا عن نفوذ المركز وفي تناغم تام مع سياسة الدولة.
وإذا عدنا إلي التخطيط المتبع في تسمية الولايات والمقاطعات ،فإننا سنقف علي فوضي وتلاعب ،أنتج لحد الآن مزيدا من التخلف لمناطق كثيرة من البلاد وأدي إلي تبذير لمقدرات الشعب وغبن وتفاوت ملحوظ بين المناطق تبعا لانتماء الرئيس أو الحاكم …
إن القرارات الأخير للنظام الحالي خير دليل علي هذا الأسلوب المتخلف والذي يُعيدنا من جديد إلي السنوات الأولي لتأسيس الدولة مع فارق مستوي الوعي والظروف المُحيطة .