إرهاب الكاميرا الخفية
أنباء اينفو ـ ما الذي بقي من أفكار جهنمية لمهندسي الكاميرا الخفية في البلدان العربية لإتحافنا به؟ وأين يمكن أن تقف حدود الاٍرهاب الحقيقي الذي يتعرض له ضحاياهم في كل عام؟ وهل يبرر إضحاكنا ونحن في بيوتنا جلد هؤلاء المساكين وترويعهم، والوصول بهم إلى اللحظة التي تسبق انهيارهم وإصابتهم بالسكتة القلبية؟
أعتقد أن ما وصل إليه الحال هذا الموسم قد تجاوز كل الحدود، وضرب كل القيم، وحوّل هدف الكاميرا الخفية من مجرد ابتسامة هادئة وطريفة، إلى ترويع الناس واستفزازهم أخلاقياً وسياسياً وإنسانياً، وامتحان أعصابهم، بهدف فضحهم أمام ملايين متسمّرين أمام شاشاتهم كل ليلة، ينتظرون قصة لتداولها صباحاً في الإدارات النائمة، كما الحال في رمضان.
غير أنّ ما جادت به علينا قناة تونسية، ليل أمس الثلاثاء، تجاوز كل الحدود، عندما عمد منتج الكاميرا الخفية إلى إيقاع المطربة نوال غشام في شرَك برنامجه، بعدما تمّ إيهامها بأنّ زوجها بصدد إهداء فتاة خاتمها الخاص بأحد المقاهي، في تونس العاصمة.
وتحوّلت نوال إلى المقهى بعد مكالمة من صديق، ووجدت زوجها بالفعل مع الفتاة ومعه الخاتم، وكادت المسكينة تنهار، ودخلت في عراك مع العشيقة الموهومة التي بذلت كل جهودها لاستفزاز المسكينة، وعندما قربت من الانهيار التام فاجأها السادة منتجو البرنامج بأن المسألة لا تعدو أن تكون كاميرا خفية، ووقفت نوال مذهولة بين فرحتها بأنها فعلاً كاميرا خفية وليست حقيقة، وبين دموعها على ما أصابها.
وبغض النظر عن ما جال بأفكار منتجي البرنامج عندما فكروا في مكيدة كهذه، كان الاستغراب من الزوج الذي اقتنع بالفكرة وساهم في الإيقاع بزوجته بهذه الطريقة التي تختبر أهم ما بين الزوجين.. الوفاء. والسؤال، ماذا ربحنا من حلقة كهذه؟ فنحن لم نضحك ولا هم يحزنون، بل يحزنون وأكثر.. وهل جفت ينابيع الإلهام لننخرط في الإيقاع بين الأزواج؟
ولم يكن حال القناة الجديدة “التاسعة” بأفضل حالاً، مع أن صاحبها معز بن غربية هو من أفضل منتجي الكاميرا الخفية، وأنجحهم في السنوات الأخيرة، وأكثرهم احترافا وإتقانا للعبة، ولكن فكرة الطيارة التي تواجه خطر السقوط، ثم تحط اضطرارياً في مطار ليبي، وتشهد صعود بعض المسلحين، وإن كانت متقنة، فإنها شكلت أيضا مجازفة كبرى، عندما بالغ الصحافي فوزي جراد، المرافق لضيوف الحلقة، من الإيهام بتعرضه لأوجاع قلبية، وهو ما ألقى بالمساكين في وضعية لا يحسدون عليها.
وبغض النظر عن بعض إيحاءاتها السياسية في علاقة تونس بليبيا، فإن كاميرا بن غربية في السنوات الماضية وبرامجه الأخرى ومسلسلاته في قناته الجديدة، تعتبر أكثر نجاحاً وطرافة وتنوعاً.
وينسحب الأمر ذاته على بقية القنوات التي تحاول بكل الوسائل أن تسخر من ضيوفها، وأن تصل بهم إلى أقصى درجات الاستفزاز في حلقات تبلغ أحيانا درجة تصفية حسابات. وستشهد حلقات هذا العام، ككل عام، قضايا في المحاكم، واعتراضاً على بث بعض الحلقات، وخصومات بين بعض الشخصيات المشهورة وهذه القنوات، ليعود السؤال من جديد: هل نسينا وظيفة الكاميرا الخفية البريئة، أن نبتسم وكفى؟
العربي الجديد