أخبار

تقارير : بوركينا فاسو مفتوحة علي مخاطر اولها الانهيار

انباء انفو- قليل عدد من كان يتصور ان تؤول الاحداث في بوركينا فاسو الي ماكانت عليه قبل الانقلاب العسكري الذي قاده الحرس الجمهوري .

اقل ما يقال عن الذي حدث انه مفاجأة من العيار الثقيل قلبت الأوضاع فى ذلك البلد الافريقي الفقير ” رأسا على عقب وعادت بالقطار السياسى إلى الوراء، إثر قيام سلاح الحرس الرئاسى فى بوركينا فاسو بمحاولة الانقلاب السابعة فى تاريخ البلاد قبل أقل من شهر على إجراء أول انتخابات ديمقراطية رئاسية منذ الإطاحة بالرئيس المخلوع بلييز كومباورى فى أكتوبر الماضي.

واستهدفت هذه المحاولة نفوذ الحكومة الانتقالية التى يقودها الرئيس المؤقت ميشيل كفاندو احتجاجا على إقصاء رموز النظام السابق من المشاركة فى العملية الانتخابية المرتقبة بعد إقرار قانون الانتخابات الجديد فى أبريل الماضى الذى يحظر مشاركة كل من له صلة بمحاولة العام الماضى الرامية إلى مد فترة بقاء الرئيس المخلوع كومباورى فى السلطة.

وبعد أن كانت الانتخابات الرئاسية التى كان من المقرر إجراؤها الشهر المقبل تمثل طوق النجاة الأخير الذى علق عليه الشعب البوركينى آماله فى إرساء الديمقراطية والاستقرار، جاء الانقلاب فى النهاية ليمثل انتكاسة لأحلامهم، إلى أن تحول هذا الانقلاب إلى خطوة “مؤقتة” سريعا بعد نجاح الوساطة الأفريقية فى التوصل إلى اتفاق يرضى طرفى الأزمة تعود بموجبه الحكومة الانتقالية المدنية إلى السلطة لحين إجراء الانتخابات التى لم يتم الإعلان عن موعدها بعد.

وتنديدا بالقانون الجديد الذى أثار الضجة، رفض حزب “المؤتمر من أجل الديمقراطية والتقدم” الحزب الحاكم سابقا أن يتم إقصاؤه من السباق الرئاسى والبرلماني، وتقدم بشكوى إلى محكمة العدل، معتبرا أن القانون يمثل انتهاكا واضحا لحقوقهم. وكان قادة الحرس الرئاسى قد احتجزوا الرئيس الانتقالى ميشيل كوفاندو وإسحاق زيدا رئيس الوزراء وعددا من الوزراء فى القصر الرئاسى بالعاصمة واجادوجو، وأعقبت تلك الخطوة اشتباكات دموية بين الجنود ومعارضى الانقلاب أسفرت عن إزهاق أرواح عدد من القتلى والجرحى وإغلاق الحدود وفرض حظر التجول الذى تخلله أعمال عنف، ثم إعلان قادة الحرس الرئاسى تولى الجنرال جيلبرت دينديري، الحليف المقرب للرئيس المخلوع كمباوري، مقاليد السلطة فى البلاد، وحل الحكومة من أجل إرساء الديمقراطية واستقرار البلاد على حد قولهم، وكرد فعل طبيعى ومتوقع توالت الإدانات الدولية والتهديدات بفرض عقوبات على البلاد ومنع المساعدات وحظر السفر على قادة الانقلاب وأمهل الاتحاد الإفريقى قادة الانقلاب ٩٦ ساعة لإعادة الحكومة المؤقتة وإلا سيعلق عضوية البلاد كنوع من الضغط لحل أزمتها السياسية فى أقرب وقت، إلى أن نجحت المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا، وفى مقدمتها بنين والسنغال فى إجراء مفاوضات مضنية مع أقطاب الحياة السياسية والمدنية فى بوركينا فاسو انتهت بالتوصل إلى اتفاق أعاد مؤقتا الأوضاع إلى ما كانت عليه لحين إجراء الانتخابات الرئاسية منعا لإراقة الدماء. وعلى الرغم من تحذير مجموعة الأزمات الدولية فى بيان لها فى يونيو الماضى من أن القانون الجديد الذى سعت الحكومة الانتقالية فى بوركينا فاسو إلى إقراره سيساعد على زعزعة استقرار البلاد، واصفة إقرار القانون بـ”دس السم”فى بلد تم تركيبه على أساس التعددية الحزبية والحوار، بالإضافة إلى تحذير الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقى من نشوب أى توتر فى الفترة الانتقالية لحين

إجراء الانتخابات الرئاسية، فإن الرئيس المؤقت ميشيل كفاندو ضرب بعرض الحائط كل هذه التحذيرات وبدلا من استخدام الحوار كسبيل لحل التوترات المتزايدة والنزاعات بين أعضاء الحرس الرئاسى وإسحاق زيدا -الرجل الثانى فى وحدة الحرس الرئاسى فى عهد الرئيس المخلوع – حيث طالب الحرس بعزل زيدا نظرا لسعى الأخير إلى حل وحدتهم وتقليص نفوذهم، بادر كفاندو فى أول الامر بتجريد رئيس الوزراء من وزارة الدفاع فى إطار تعديل حكومى بعد محادثات أجراها مع منظمات المجتمع المدنى .

كما حظر الرئيس المؤقت على جميع أعضاء الحزب الحاكم السابق ، حزب المؤتمر من أجل الديمقراطية والتقدم “سى دى بي” من الدخول فى الانتخابات الرئاسية المقبلة، كما أصدر بيانا دعا فيه إلى حل الحزب.

وعند التمعن فى الإجراءات الأخيرة التى اتخذها الرئيس المؤقت كفاندو، سيتضح لنا أن الحكومة الانتقالية مثل غيرها من الحكومات الانتقالية الأخرى كانت تواجه تحديات الانتقال السياسى للسلطة دون بناء توافق مسبق فى الآراء ودون احتواء المعارضة سياسيا من أجل التوصل إلى تسوية سياسية ترضى الجميع ومن بينهم نخب النظام القديم.

وبمعنى آخر أدق، كانت الحكومة المؤقتة بين نارين : تطهير المؤسسات الراسخة التابعة للنظام القديم، وهو ما طالب به المجتمع المدني، أو محاولة إرضاء النخب المؤيدة للنظام السابق لمنعهم من تحدى السلطة الحالية.

وفى تقرير أعده مراسل لهيئة الإذاعة البريطانية “بى بى سي” حول تداعيات الأوضاع فى بوركينافاسو، كشف المراسل من خلال حوارات أجراها مع عدد من أفراد الشعب أن المواطنين الذين أيدوا الإطاحة بكومباورى يؤيدون الآن فكرة ضرورة تفكيك وحدة الحرس الرئاسي، حيث يعتقد البعض منهم أن كومباورى الموجود حاليا فى منفاه فى كوت ديفوار يدعم وبقوة الانقلاب الذى كان من المرجح أن يمهد السبيل أمام عودته إلى السلطة مجددا. والأجمل فى الأمر هو موقف الشعب البوركينى واضح المعالم تجاه ما حدث, إذ بادر عدد من سكان العاصمة واجادوجو بإقامة متاريس فور حدوث التطورات الأخيرة، ونظموا المظاهرات المؤيدة للحكومة الانتقالية والرافضة لمحاولة الحرس الرئاسى زعزعة استقرار البلاد.

وعلى الرغم من أنه من السابق لأوانه تقديم أى تكهنات حول مستقبل الديمقراطية فى بوركينافاسو بعد اتفاق المصالحة الأخير، فإن الأحداث التى جرت فى الأيام القليلة الماضية تعلمنا أمرين مهمين، الأول أن التحولات السياسية السلسة تعتمد على ضرورة التفاعل مع مؤيدى النظام القديم، وهو أمر لا مفر منه، ولكن قد تنتج عنه عواقب وخيمة، وثانيا أن المجتمع المدنى النشط والموحد والمتعاون والبعيد عن الشبهات هو عامل حاسم فى كثير من الأحيان للسير فى اتجاه الاستقرار.

وبينما تنتظر بوركينافاسو فى الأيام القليلة القادمة ما سيحدث لها على أرض الواقع، فإن الأوضاع تؤكد أن الأمور لم تهدأ بعد بالكامل، لأن الأزمة لا تزال قائمة رغم عودة الحكومة المؤقتة، فهناك ثمة مخاوف من إحلال الفوضى مع دخول الأطراف فى عملية التحدى التقليدية التى تعقب مثل هذه المصالحات، وهو ما قد يجعل بوركينا فاسو أيضا هدفا سهلا الآن للإرهابيين الذين ينشطون فى مالى وأماكن أخرى فى المنطقة، مستغلين حالة الفوضى السياسية والأمنية المتوقعة.. فهل تبتعد بوركينا فاسو سريعا علي حافة الحرب الاهلية والفشل.

مواضيع مشابهة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button