مقالات

هذه أسرار خطة السويد في نزاع الصحراء.. وهذا مهندسها

انباء انفو – اندلعت أزمة حقيقة بين المغرب والسويد على خلفية نية تجمع حزبي سويدي تقديم مقترح إلى البرلمان السويدي لتوجيه توصية إلى رئاسة الحكومة للاعتراف رسميا بالبوليساريو كدولة، وهو ما خلق استنفارا وسط الأحزاب المغربية، بإيعاز من أعلى سلطة سياسية، من أجل التحرك لدى نظيرتها في السويد لعلها تنجح في ثنيها عن رغبتها وما تتجه إليه إرادتها.

ورغم الحماس الذي أبداه الجميع، من إعلاميين وباحثين وسياسيين ومجتمع مدني، فإن لغة وموضوع الخطاب لم يتعد دائرة التعبير عن الغضب، ولم يتطرق إلى صميم وجوهر خطة السويد وجذورها ودواعيها وانعكاساتها ومدى انسجامها وتطابقها مع ميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي وعمل آليات الأمم المتحدة، التي تشرف على موضوع قضية الصحراء.

أولا: جذور اهتمام دولة السويد بنزاع الصحراء

بدأ اهتمام دولة السويد الفعلي بملف نزاع الصحراء بفوز الحزب الاشتراكي الديمقراطي بانتخابات شتنبر 2014، وتكوين حكومة ائتلاف تجمع القوى الديمقراطية وحزب اليسار والحفاظ على البيئة والحركة النسائية، وتزامن ذلك مع تراجع الحضور المغربي في الأممية الاشتراكية، باختفاء وجوه لها وزن ثقيل في تلك المنظمة وتتمتع باحترام دولي مشهود به.

وقد سبق للحزب الاشتراكي الديمقراطي أن حاول ذلك سنة 2012، في ظل رئاسة الحزب الديمقراطي المحافظ للحكومة، حيث أفلح في إقناع لجنة الخارجية بالبرلمان السويدي لإصدار توصية تدعو رئاسة الحكومة للاعتراف رسميا بالبوليساريو كدولة. ولأن تلك التوصية كانت تحتاج إلى مصادقة البرلمان عليها، فإن علم المغرب بها جعله يسارع، عبر وزارة الشؤون الخارجية والتعاون، للتدخل لدى السويد لاحتواء الأمر، وتم له ذلك فعلا، فاعتقد أن المشكل انتهى، والحال أنه نار ملتهبة تحت رماد.

في صيف هذه السنة، وبمناسبة أيام دراسية صيفية في السويد من تنظيم الشبيبة الاشتراكية وبحضور شبان من لاجئي مخيمات تندوف، حضر بعض أعمالها رئيس الحكومة السويدية، ستيفن لوفين، الذي عبر عن إعداد السويد لخطة لحل نزاع الصحراء، وهو التعبير نفسه الذي أدلى به وزير خارجيتها، واعتقد الجميع آنذاك أنها كلمات مجاملة وخطاب استهلاكي، تبين فيما بعد، ومن خلال ما أثير على هامش القمة السبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة من وجود مخطط لدى أحزابها لتقديم توصية للاعتراف بالبوليساريو رسميا كدولة، (تبين) أن الأمر جدي وليس بالهزل.

ثانيا: غايات وانعكاسات خطة السويد لحل نزاع الصحراء

1: الجذور وأصل بداية الحكاية

ارتبط اسم السويد في نزاع الصحراء باسم هانس كوريل (Hans corell)، المستشار القانوني السابق للأمين العام في الشؤون القانونية، وقد سطع نجمه على إثر الرأي القانوني الذي أدلى به لمجلس الأمن بتاريخ 29 فبراير 2002، وهو استشارة ذات علاقة باستغلال المغرب للثروات الطبيعية في أقاليم الصحراء. وقد انبرى فيما بعد هانس كوريل (الصورة)، إلى جانب كل من فرانك روبي الأمريكي والإسباني كارلوس رويث ميكيل، للدفاع عن البوليساريو عبر تأويل قواعد القانون الدولي بما يخدم تلك المصلحة.

وقد استغل السويدي هانس كوريل صفته السابقة وعلاقته السابقة بملف الصحراء، إضافة إلى ما قد يكون نسجه من علاقات مشبوهة ومريبة أثناء تكليفه من قبل مجلس الأمن لتقديم الرأي القانوني، بخصوص تقدير طبيعة استغلال المغرب لثروات الأقاليم الجنوبية في الصحراء في نظر القانون الدولي، حيث خلص إلى ربط شرعيتها بإنفاق الناتج المادي في تنمية الإقليم وفي صالح استفادة سكانه، وهو في ذلك يعطي وصفا غير مقبول لتواجد المغرب في ذلك الإقليم، وكأنه يعطي اليقين أن الأمر يتعلق بالاحتلال والاستعمار.

2: جوهر الخطوط العريضة للخطة

بعد وقوفنا على الاحتكاك المباشر للسويد في نزاع الصحراء، فإنه من الضروري ومن المفيد جداً التوقف عند ما تملكه دولة السويد من مفاتيح وخطة لديها، ويتحدث عنها ساستها وفقهاء القانون لديها لإنهاء نزاع الصحراء الذي امتد لأربعين سنة وينيف، لم تنفع معه الحرب ولا القانون ولا السياسة، وهنا أجد نفسي مضطرا للرجوع إلى ما يقترحه القاضي السويدي هانس كوريل.

ذلكم أن القاضي هاني كوريل لم يبق وفيا لآرائه القانونية، إذ عمد، بعد انتهاء تكليفه مع الأمم المتحدة، إلى تقديم مقترحات فضولية غير مطلوبة منه إلى مجلس الأمن، أولاها تحويل بعثة المينورسو لتكون على غرار الإدارة الأممية الانتقالية في تيمور الشرقية قبل إجراء استفتاء 30 غشت 1999، وثانيها توجيه مجلس الأمن أمرا لإسبانيا لاسترجاع واجبها كقوة مديرة ومسؤولة في الصحراء أو اعتراف مجلس الأمن “بالصحراء الغربية” كدولة ذات سيادة.

هذه الخطة، وبتعبير مبتكرها، ولئن تتلائم والقانون الدولي، فهي مقترحات متطرفة، مادام المقترح الأول والثاني يلازمهما حتما في الأخير تنظيم الاستفتاء. بينما المقترح الثالث، ودائما بنظر الفقيه هانس كوريل، فإن مشاكله أعوص لأنه مرتبط بالأمن وقد ينتج عنه دولة فاشلة وسيتسبب ذلك في قلاقل لدول الجوار، ويرى أن توفير الدعم والمساندة سينجح الحل.

3: غايات وأهداف إشهار خطة السويد

ولأن السويد لا تملك من عضوية داخل مجلس الأمن، سواء كدائمة أو مؤقتة، على الأقل حاليا، ولفرض الخطة، فإنها استغلت هامش تنظيم الجمعية العامة للأمم المتحدة التي يحضرها قادة ورؤساء الدول أو من يمثلهم، ومن كل القارات، لإشهار نية اعترافها بالبوليساريو كدولة، وذلك تحقيقا لغايات ظاهرة تتمثل في جلب ولفت الانتباه والاهتمام الدوليين للنزاع وتحسيس المجموعة الدولية به، وإجراء ضغط وتأثير على مجلس الأمن والأمين العام ومبعوثه الشخصي للإسراع في الحل وفي طبيعته، التي هي الاعتراف بالبوليساريو كدولة جديدة.

4: انعكاسات ورقة حل السويد

من حيث المبدأ، فإن تصرف وسلوك السويد، ولئن نقدره كمغاربة باعتباره عدوانيا لحرصنا على سلامة ووحدة البلاد، فإنه سيادي في نظر السويد، فهي حرة أن تعترف بمن تشاء ما دامت لا تكترث ولا تقيم وزنا لنتائج فعلها، وبالمقابل فإن ما يواجه المغرب به ذلك القرار من تصرفات، من قبيل أشكال التعبير عن احتجاجه، تعتبر بدورها قرارا سياديا مغربيا. ومع ذلك فمن حق المغرب أن يبحث عن أسباب ومسببات نية وتلويح السويد الاعتراف الرسمي بالبوليساريو. ومن يدري فقد تكون السريرة صادقة والنية سليمة لكن الإرادة اعتراها عيب من عيوب الرضا من قبيل الوقوع في الخطأ أو التغرير أو التدليس أو الإكراه المعنوي، وهنا مجال عمل الدبلوماسية، التي أظهرت مرة أخرى عجزا بينا وتهاونا غير مقبول وإهمالا مرفوضا ورعونة تستوجب المساءلة والمحاسبة.

وإن كان سوء النية هو القائم وسوء القصد هو الكائن، والإرادة غير معيبة، فإلى ماذا ترمي السويد من أهداف وخلفيات التلويح والإشهار لنيتها؟، لا شك أن لذلك، وبالإضافة إلى ما أثرناه في باب “غايات وأهداف إشهار خطة السويد”، فهي قد تكون تصبو إلى إحداث ضرر وأذًى غير قابل للترميم والإصلاح بموقف ومركز المغرب وإحراجه، وقد تكون بمثابة من يبحث عن زعامة وقيادة قافلة الدول الغربية للاعتراف بالبوليساريو، ولأنها توفقت في اعترافها بدولة فلسطين، فإن في نيتها الاعتراف بالبوليساريو تحقيق غايتين اثنتين: الأولى الإيحاء بأن وضع الصحراء لا يختلف في شيء عن الوضع في فلسطين، والثاني إيجاد مبرر لها في مواجهة إسرائيل بكونها مع الشرعية الدولية. وهما طبعا وضعان لا يشبه ولا يتشابه ولا يشتبه أحدهما بالآخر.

ثالثا: تقدير ورقة السويد من وجهة نظر القانون الدولي

يعتبر مقترح بعض الأحزاب السويدية خروجا عن المقاصد والمبادئ الواردة في ميثاق الأمم المتحدة، وعن إعلان مبادئ القانون الدولي المتصلة بالعلاقات الودية والتعاون بين الدول وفقا لميثاق الأمم المتحدة، الذي يحث على واجب تنمية وتعزيز التعاون الدولي فيما بين الدول، وليس مع مجموعات أو جماعات انفصالية.

علاوة على ذلك، فان ما تنوي الحكومة السويدية الإقدام عليه يشكل نشازا واستثناء وخروجا عن الموقف الجماعي للاتحاد الأوروبي الداعم للتسوية السياسية السلمية التي تشرف عليها منظمة الأمم المتحدة ولقراراتها ذات الصلة، والتي حدد إطارها مجلس الأمن منذ سنوات في البحث عن حل سياسي متفق ومتوافق عليه.

السويد إن جنحت إلى ما تلوح به، فقد خرجت عن مبدأ الحياد، ولا تصلح للمرافعة في تقديم المقترحات ولا التوصيات، ولا حق لها في المساهمة في صناعة الحل، كما أنها بقرارها هذا وبإعلانه تحاول التأثير في عمل مجلس الأمن والضغط على الأمين العام للأمم المتحدة ومبعوثه الشخصي، وهي محاولة لتغيير جوهر وطبيعة الحل السياسي الذي تبحث عنه الأمم المتحدة مع الأطراف، ووضعت نفسها في مأزق حقيقي بخرقها السافر لميثاق الأمم المتحدة وتدخلها في عمل من صميم الهيئة الأممية التي تباشره منذ مدة، كما أنها بتصرفها هذا تكون في موقف يشجع المس بسلامة أقاليم وسيادة دولة المغرب، العضو النشيط في الأمم المتحدة، التي تساهم وتنخرط مع المجموعة الدولية في استتباب الأمن والسلم العالميين وتعزيزهما.

وسيمتد خطأ السويد إلى أبعد من ذلك، لأنها، بعملها هذا، كمن ينفث في جسد هامد غير موجود أصلا، فالاعتراف الدولي كركن رابع لقيام الدول لا يأتي إلا بعد استجماع ثلاثة أركان أساسية، وهي الإقليم والسلطة السياسية والشعب، فلا وجود لدى البوليساريو للإقليم ورقعة ترابية، ولا وجود لشعب، بل لاجئين تحت مسؤولية دولة الجزائر، ولا وجود لسلطة سياسية شرعية، بل عصابة مستبدة من صنع جهة عدائية للمغرب تتمثل في قادة الجزائر.

ولذلك، فدولة السويد، بهكذا موقف، لا تنتهك فقط ميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي، المتصل بالعلاقات الودية وتعزيز التعاون بين الدول، بل إن خرقها يطال ويمتد إلى ضرب الأعراف الدولية، وقواعد القانون الدولي لحقوق الإنسان، خاصة اتفاقية اللجوء 1951، التي لا تعطي صفة شعب للاجئين، وأكثر من ذلك فهي تهدد سلامة وسيادة المملكة المغربية والمنطقة ككل، وتعرض السلم والأمن العالميين للخطر.

رابعا: سبل معالجة الأزمة وتفادي الأسوأ

نعم للحماس، نعم للغيرة الوطنية، نعم لإظهار الإجماع الوطني! نعم لحب الوطن! لكن لا للتهور. ونعم للتعقل ونعم للرصانة والرزانة ولا للغباء، نعم للنوع ولا للكم، نعم للأنجع والأجدى. ونعم للحوار وللمرافعة الدالة المقنعة، ولا لأشكال احتجاجية بالمقاطعة، ونكون ضحية المقاطعة المضادة، لا لفقدان حبل التواصل مع السويد، ونكون فيما بعد في حاجة لوسيط معها، لا لرد فعل غير محسوب يعزلنا عن عالم ما أحوجنا إليه، نعم للدبلوماسية الذكية ولا للدبلوماسية العقيمة وغير المنتجة.

– صبري الحلو : محام وخبير في القانون الدولي، الهجرة وشؤون نزاع الصحراء/ المصدر : هسبريس

مواضيع مشابهة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button