السياسة.. اشكال القيام ووهم الاشكال/ الولي ولد سيدي هيبه
أنباء انفو – “ينقسم الفاشلون إلى نصفين: هؤلاء الذين يفكرون ولا يعملون، وهؤلاء الذين يعملون ولا يفكرون أبداً” ابراهيم الفقي
لا شك أن الآفة الخطيرة، التي تنخر جسم الأحزاب و الجماعات السياسية في هذه البلاد و تسبب الأذى الكبير لأنظمتها و تجعل من المستحيل عليها كلها تجاوز ما يعتريها من إخفاق
و يصيبها من فشل، تتجسد في السعي المنهجي الذي يرمي إلى التغطية على تلك الإخفاقات، وعدم الاعتراف بها، أو التقليل من أهميتها في مسيرتها العامة، أو من خلال زعم أنها حققت تقدما كبيرا لا ينكره أو يغض عنه الطرف إلا الحاقدون أو المتآمرون. و مما لا شك أن نتيجة هذا النوع من التعاطي مع الإخفاقات و العثرات و الفشل ما يؤول إليه الأمر من إبعاد أصحابها عن الطريق الكفيل بمعالجة جذورها، وتجنيب نفسها أخطار معاودتها. هذا ما هو واضح للعيان من خلال الممارسات و التداعيات، و لكن الآفة الأخطر و التي يُبعدُها عن الأنظار و يحجبها عن الأذهان مطلقا غيابُ التأريخ السياسي الجاد و المحايد أمام الأحداث و ضبط تسلسلها من ناحية، و ضُمُورُ علم الاجتماع الذي يصاحب مسار تحول المجتمعات بإرشادته و توجيهاته بعدما يضع الأمور في نصابها قراءة و تجريدا و فحصا و إفصاحا حتى تستلهم الدروس و تصحح الخطى؟
و إن أي من المؤرخ السياسي و الباحث الاجتماعي لا بد أن يلحظ من مجرد النظرة الأولى أن التجاذبات السياسية و لغة البيانات التي تلف كل المشهد البلد السياسي هي نفسها التي لا تنقطع في مَدِهَا و لا تجدي نفعا في جَزْرِها. هو واقع سياسي لا ينتهي هذيانُه و لا يشفي غليل المتعطشين إلى رؤية النور في طرف نفق الخلاف السياسي المظلم حتى يطمئنوا إلى إمكانية بداية منطق جديد للفعل السياسي المعتل في صيغة الفعل الصحيح المُفتقد.
بلى إنه واقع يَصْدُقُ كل من يصفه البعيد بكل فاعليه من أحزاب أغلبية متكئة على دعمها النظام و معارضة كل قوة ضعفها كامن في ثنائية التعارض و التلاقي بخلافاتها على ما هي متحدة فيه من عداء للنظام و حب في الحكم. هو إذا إشكال ما إذا كانت السياسة إشكالا قائما في حد ذاته على أرض تحتمله أم أنها مجرد”وهم” ليس منه على أرض الواقع إلا ما ينسجه خيال من لا يزالون رهن معتقل “السيبة” الفكري إن جاز ذاك الوصف لتعارض مفهومي السيبة و الفكر اللهم بـ”مجازية” سلبيته، واقعين تحت نفوذ سطوتها و في شباك مَقالبها المحفورة في صفحة زمنها الجامد، البعيدين كل البعد عن استحضار أو فهم أن ما يحيطهم من الهدوء إنما هدوء عدم نضج الشعب الشامل الذي ما زال مانعا بشدة دون انفلات الأمور إلى ساحة المحاججة الكبرى و رفع الأمر إلى درجة غليان الوعي المُدرك لبجاحة الواقع و ظلمه من ناحية و إسراف الوعي اللا مُدركِ لخطورة الانزلاق إلى متاهات العنف الذي يضر بالمرحلة الوليدة من ناحية أخرى؟
هي إذا التجاذبات السياسية التي لا تنكرها العينان على ما هي مصابة به إحداهما من:
– رمد و عمش لِتُغفل واقع تركيبة البلد الاجتماعية و التباين الشديد بين أوضاعه المنطبعة على أرض الوقع من حيث حالة الفقر البارز سمة على غالبية أهله و هو البلد الغنى بمصادره و خيراته الوفيرة المتنوعة من جهة،
ـ و عمى الألوان الدالتوني (Le daltonisme) في عينها الأخرى عن حراك التململ يعززه صمم لافت عن صخب المطالبات بالحقوق و المساواة و رفع ستار الماضي الذي يحجب الرؤية عن واقع التركيبة الظالمة للمجتمع في تراتبيتها المذلة البغيضة و اقصائيتها العنيدة من قلة مهيمنة على كل أحوال السياسة منذ رماها المستعمر الفرنسي سترة و قناعا على “السيبة” و أسس لدولة بمعياري الحداثة في الظاهر و الإبقاء على القوالب في الصميم حتى تظل تحت نيره، و هي الفئة القليلة التي تهيمن مع تكييف الوسائل و الأسلحة و المنهجية على السلطة و المال العام من خلال مناصب القرار و التسيير و من الهيمنة السياسية في قوالب حزبية ظاهرها المتسم بالحراك الجاد و الخطاب العادل الشجاع الذي يبدو و كأنه تجسيد للديمقراطية، و لكنها القوالب التي في باطنها مرونة إلى حيازة النصيب من النفوذ و المال.
فإن لم تكن الحقيقة كذلك فمن أين لكل الأحزاب الحاضرة في المشهد بقوة، و ما هي عليه كذلك في بناء ذواتها دون البلد بسعة من المال و قدر من الحضور في مخرجات ضعف التسيير و هوان الدولة على أطرها و مُسيريها على حساب قوة هذه القوالب التي ينتظمون فيها كما ينتظم في الطوائف و النحل حتى حين تفرزهم و ترفعهم إلى تلك المناصب و تثبت لهم ذلك الحضور.