حول القمة العربية بانواكشوط / إسلمو ولد سيدي أحمد
في مقال سابق، بعنوان: “العمل العربيّ المشترك على المحكّ”، قلتُ إنّ مؤسسات العمل العربيّ المشترك، وعلى رأسها جامعة الدول العربية، لم تُوفَّق في التصدي لما تعرضت له بعض البلدان العربية من تهديد للأمن القوميّ العربيّ، ولم يحالفها الحظ في رأب الصدع وتسوية الخلافات العربية قبل استفحالها
وخروجها عن السيطرة.
من ذلك-على سبيل المثال لا الحصر- ما يأتي:
1-لم تستطع أن تحل الخلافات العراقية الكويتية في مهدها حيث تركتها تزداد حدة وتتفاقم إلى أن وصلت إلى احتلال الكويت، ثم تدمير العراق(دولة ومؤسسات وبنى تحتية)، والزج بمواطنيه في أتون حرب أهلية لا تبقي ولا تذر ولا أحد يستطيع التنبأ بنهايتها ولا بتداعياتها على أمن المنطقة، بصفة خاصة، وعلى الأمن العربيّ والدوليّ، بصفة عامة.
2-لم تتمكن هذه المؤسسات من معالجة الأوضاع التي تفجرت في أقطار عربية أخرى، والتي أدت تداعيات بعضها(مثل: ما حدث في ليبيا) إلى تدخل جيوش أجنبية، وما ترتب على ذلك من تدمير البلد وترك مواطنيه يتصارعون على السلطة، مثل ما حدث في العراق، الأمر الذي يدل على أنّنا لم نستفد من الدرس العراقي.
3-لم توفق في إيجاد مخرج من الحرب المدمرة في سورية، على الرُّغم من خطورة الوضع وانسداد أيّ أفق للحل.
4-إخفاق مؤسسات العمل العربيّ المشترك، ومن بينها اتحاد المغرب العربيّ، في تنقية الأجواء بين الدول الأعضاء في هذا الاتحاد، ولا أدلّ على ذلك من أن الحدود مغلَقة بين عضويْن مهميْن من أعضائه (المغرب والجزائر)، ممّا يحول دون المزيد من التعاون والتكامل والاندماج المغاربيّ.
واليوم ونحن نستعد لعقد قمة عربية ببلادنا، في أواخر شهر يوليو/ تموز 2016م، يسرني أن أعود إلى الحديث عن العمل العربيّ المشترك، مقتصرًا هذه المرة على قمة انواكشوط.
أود في البداية أن أشير إلى أنني لا أتفق مع الرأي القائل بأنّ موريتانيا تسرعت في قرارها عندما وافقت على احتضان هذه القمة، في وضع عربيّ أقل ما يقال عنه إنه غير مريح…وضع يتسم بحدة الخلافات في وجهات النظر العربية حول بعض الأوضاع المتفجرة في عدة أقطار عربية، الأمر الذي يجعل من الصعوبة بمكان-بل من المستحيل-الوصول إلى قرار عربيّ متفَق عليه لمعالجة هذه الأوضاع بالطرق المناسبة. ومع ذلك، فلا بد من التشاور من أجل تفادي الأسوء.
ولا شك أنّ الاجتماع من أجل الاجتماع، ليس هدفا في حد ذاته، لكنه قد يساعد على وضع تصورات جديدة لمعالجة بعض القضايا الملحة التي لا تحتمل التأجيل، وذلك من خلال تبادل وجهات النظر واقتراح الحلول الممكنة للمشكلات المستعصية على الحلّ. ثم إنّ الاتصالات الجانبية (الرسمية وغير الرسمية)، تستطيع أن تذلِّل الكثير من الصعوبات بطريقة قد لا تخطر على بالنا (عمل ما وراء الكواليس). ولعلّي أركِّز، في هذا المجال، على أهمية التشاور بين الأشقاء العرب-على جميع مستوياتهم من المسؤولية-حول ضرورة وجود آلية لتنقية الاجواء السياسية العربية.
وبحكم انتمائي إلى أحد بلدان هذا الجناح الغربيّ من الوطن العربيّ (موريتانيا)، فلا يسعني إلّا أن ألتمس من المسؤولين المغاربيين كافةً، أن يغتنموا هذه الفرصة من أجل اتصالات أخوية مكثفة على هامش القمة-وربما قبلها أو بعدها- بهدف تعزيز التعاون بين دول اتحاد المغرب العربي…هذا ما تصبو إليه شعوب دول المنطقة، ولا يجوز أن تكون الشعوب في وادٍ والمسؤولون السياسيون في وادٍ آخرَ.
وأشير، بخصوص القمة، إلى أنه لا يجوز أن نُحمِّل موريتانيا (البلد المضيف) مسؤولية القرارات التي ستصدر عن القمة، فمسؤولية البلد المضيف لا تتجاوز-مبدئيا-توفير الظروف الملائمة المتعلقة بالأمن والاستقبال والضيافة ومواكَبَة الاجتماعات وتأطيرها بشريًّا وتغطيتها إعلاميًّا، والسهر على راحة المشاركين…أمّا القرارات فهي قرارات الدول العربية مجتمعة، سواء أعُقدت القمة بالقاهرة (مقر الجامعة) أم عقدت في إحدى مُدن الدول العربية الأعضاء.
ولا بد من التذكير هنا بأنّ موريتانيا بلد عربيّ، عضو في جامعة الدول العربية، ولا يجوز أن تتخلى عن واجبها في احتضان القمة عندما يحين دورها حسب الترتيب الألفبائيّ للدول الأعضاء. ثم إنّ البلد أصبح لله الحمد يتوفر على حد مقبول من الإمكانات التي تساعده على تنظيم هذا النوع من المؤتمرات. وكما يقال: “إنّ الضِّيقَ في الصُّدُورِ، لا في الدُّورِ”.
ويسرني، في ختام هذه الخواطر، أن ألتمس من جميع الموريتانيين-موالاة ومعارضة ومستقلين-أن يتجنّدوا-كل من موقعه-من أجل أن تتكلَّل أعمال القمة بالنجاح التام، وأن يُثبِتوا-وإن كان الأمر لا يحتاج إلى إثبات-أنّ الشعب الموريتاني ما زال يحتفظ بعاداته العربية الأصيلة التي من ضمنها إكرام الضيف والتفاني في خدمته، مهما كانت الوسائل المتاحة.
وبعد توديع ضيوف الجمهورية الإسلامية الموريتانية، من الطبيعي أن يعود السياسيون إلى حيث يتخندقون.
والله وليّ التوفيق.