مقالات

آلية إستخدام المادة 38 من الدستور / القاضي: فاضيلي ولد محد ولد الرايس

أنباء انفو – تبدي ماهية المادة 99 من الدستور الموريتاني للعيان الدور الحاسم والمركزي لرئيس الجمهورية في عملية المراجعة الدستورية.

فالقرار القاضي بعرض أي نص على الاستفتاء الشعبي يبقى اختصاصا حصريا لرئيس الجمهورية وخاضعا لسلطته التقديرية مما يعطيه حق تعليق مؤقت للنص المصادق عليه فإذا كان اختصاص رئيس الجمهورية مقيدا في المسطرة التشريعية العادية (المادتين 53 و70 من الدستور) فإنه يتمتع في مسطرة المراجعة الدستورية بسلطة تقديرية ضاربة يمكنه من خلالها حفظ وتعطيل مفعول التعديلات الدستورية المصادق عليها من طرف الغرف البرلمانية إلى حين.

ومن حق رئيس الجمهورية وفق سلطته التقديرية أن لا يعلن عن أسباب قبوله أو رفضه لهذه التعديلات ويتجلى هذا القبول أو الرفض ضمنيا من خلال نشر أو عدم نشر للمرسوم القاضي بدعوة الناخبين للاستفتاء وبعبارة أشمل تلخيصا يؤكد أهل الاختصاص أن رئيس الجمهورية يتمتع في مادة المراجعة الدستورية بحق المبادرة وحق تحريك أو دفع المبادرة.

رغم وضوح ترتيبات المادة 99 من الدستور الموريتاني وما تعطيه من دور مركزي لرئيس الجمهورية فإن المشهد يبقى ناقصا ما لم يتم ربط المادة 99 بالمادة 38 من الدستور الموريتاني.

تنص المادة 38 من الدستور على أنه “لرئيس الجمهورية أن يستشير الشعب عن طريق الاستفتاء في كل قضية ذات أهمية وطنية”.

وتجدر الإشارة، هنا إلى أن محرري المادة 99 من الدستور أثقلوا كاهلها بترتيبات تحريمية وقد شاغفهم السهو حتى نسو وجود المادة 38 من الدستور وما يترتب عليها من بعد قانوني ورهانات جسيمة وحاسمة.

وتشكل المادة 38 من الدستور في منظور النظام الرئاسي أصدق وأكمل تعبير عن العلاقات العضوية بين رئيس الجمهورية والشعب. استنادا على هذه المادة يمكن لرئيس الجمهورية دعوة الشعب مباشرة متجاوزا في ذلك ممثليه الطبيعيين وأحكام اختصاصهم النوعي من أجل البت جملة وتفصيلا في القضايا الوطنية التي يراها ضرورية. وفي هذه الحالة وطبقا لأحكام نظرية الوكالة فإن الشعب يسترجع ولو إلى حين دوره التشريعي الأصلي ويمارس سيادته نفسه بنفسه عملا بمقتضى المادة الثانية من الدستور التي تنص على أن: “الشعب يمارس سيادته عن طريق ممثليه أو الاستفتاء” وأكثر الفقهاء يرون هنا أن “أو” أداة تخييرية ليس إلا. ومنهم من ذهب أبعد من ذلك فرأى أن قواعد الشكل (الاختصاصات) التي تكتسي صبغة النظام العام والتي يعرض خرقها في الظروف العادية القرارات المتخذة للبطلان المطلق يجب تجاوزها ما انبرى الشعب وعبر عن إرادته.

هكذا يرى العميد الفرنسي “سيس” عندما يقول: “أيا كانت الطريقة والشكل اللذين أرادت بهما الأمة فيكفي أن تريد الأمة. كافة الأشكال مقبولة لأن إرادة الشعب ستبقى دائما هي القانون الأسمى”.

وفي هذا المنحى يقول “آندري هوريو” أستاذ القانون الدستوري “وحتى إذا لم يحترم الدستور في البداية فإن المصادقة الشعبية مطهرة لكافة العيوب الشكلية الأولية”.

ومن جهة أخرى فإن العبارة “في كل قضية ذات أهمية وطنية” الواردة في المادة 38 من الدستور مطلقة ولا تحتمل أي حصر أو تقييد لا من حيث الكم أو الكيف ولا في الزمان أو المكان ولا في الشكل أو المضمون. وهنا يكون الدستور الموريتاني قد أعطى لرئيس الجمهورية توقيعا على بياض بمقتضاه يحق له أن يستعين بالشعب مباشرة كلما رأى ذلك ضروريا لتذليل الصعوبات أو تحميل الشعب كليا مسؤولية القرار أو تجاوز المعارضة الحقيقية أو المحتملة للبرلمان.

كما أن القواعد الأصولية للتأويل القانوني تلزمنا بالقول عند غياب أي إرجاع أو رد أو إحالة متبادلة بين المادتين 38 و99 من الدستور أن جوهر المادة 38 يشكل وحدة منفصلة لا تقبل التجزئة مما يلزم العمل بها وتأويلها إيجابيا حتى تحدث الأثر القانوني المترتب عليها. وفي هذا الإطار تشكل المادة 38 مسطرة لمراجعة الدستور على غرار المادة 99 مع التباين الحاصل بينهما. وعندئذ يكون الدستور الموريتاني قد أسس بالتوازي لطريقتين لمراجعته: الطريقة البرلمانية (المادة 99 من الدستور) وطريقة الديمقراطية المباشرة أو طريقة الاستفتاء (المادة 38 من الدستور). هكذا تؤكد الفقرة السادسة من المادة 40 من الدستور الموريتاني.

ومن تبعات المادة 38 الجوهرية أنها أشمل وأعم من أن تكون مجرد أداة لمراجعة الدستور فقط بل هي أصل لإحدى الطرق الديمقراطية لسن الدستور: الاستفتاء التأسيسي.

وبعد الاستفتاء التأسيسي بالمقارنة مع الجمعية التأسيسية أكثر ديمقراطية لأنه يمكن الشعب من ممارسة سيادته ولهذا السبب نراه مناسبا وملائما لحالتنا الراهنة.

إن استقراء تاريخ الأمم الديمقراطية وما صاحبه من تفعيل لآلية الاستفتاء التأسيسي يؤكد أنه مهما تعددت الأسباب والظروف فإن الدافع الأساسي لرؤساء الجمهوريات على استخدام وسيلة الاستفتاء التأسيسي هو أولا وقبل كل شيء إرادتهم في التحرر من الالتزام احترازا من الانسداد والانزلاق. فالرجوع إلى الشعب وتحميله مسؤولية القرار يعد فكا لوثائق رؤساء الجمهوريات من أية مسؤولية تحسب عليهم وهكذا يقوم الاستفتاء التأسيسي عموما بدور التهوية لمؤسسات الجمهورية.

وللاستفتاء التأسيسي آثار قانونية يجب التذكير بها:

يعد الاستفتاء التأسيسي تحررا من الالتزام بالنسبة لرئيس الجمهورية من كل مبادرة مبينة أو غير مبينة وعند وقوعه يسترجع الشعب كامل سلطته التأسيسية الأصلية؛
في هذه الحالة تكون سلطة الشعب وصلاحياته مطلقة وغير مشروطة ويمكنه عند الاقتضاء الوقوف في جادة انقطاع كلي مع الدستور القائم تعبيرا عن حقه وحريته في الارتجال والتصرف. وفي هذا الصدد تجد عبارة الجنرال ديغول كامل معناها: المراجعة التأسيسية؛
تعتبر المراجعة عن طريق الاستفتاء التأسيسي ظاهرة ارتكاس أو ردة فعل يقصد بها عكس الدستور القائم ووضع دستور جديد محله. إن إلغاء مجلس الشيوخ مثلا يتطلب تقنيا تعديل 28 مادة من الدستور الحالي على الأقل الذي يتكون أصلا من 102 مادة. إن الحجم المعتبر لهذه التعديلات يضعنا في صورة بناء صرح جديد أو ما يقارب ذلك؛
إن البدء في تنفيذ عملية الاستفتاء التأسيسي لا يتوقف على إجراء قانوني محدد يلزم رئيس الجمهورية بل يتم تفعيله بمجرد نشر مرسوم لاستدعاء هيئة الناخبين، لكن الظروف السياسية والاجتماعية الخاصة والملابسات المعقدة قد تتطلب نوعا من تعبئة الجهود والذكاء حتى تتم العملية وفق إخراج محكم وسلس ومثمر؛
في هذا السياق المعقلن يجب تفعيل آلية العقد التي تمكن من تعديلات دستورية ناتجة عن وفاق وطني بين القوى السياسية الحرة والراغبة في ذلك بدلا من آلية المنح التي تتطلب مبادرة مباشرة من طرف رئيس الجمهورية الأمر الذي يعارض النص الدستوري.

كيف نلائم بين ضرورة الإصلاح الدستوري الشامل واحترام اليمين الرئاسي؟

جاء في المادة 29 من الدستور والمتعلقة باليمين الرئاسي ما نصه: “وأقسم بالله العلي العظيم أن لا أتخذ أو أدعم بصورة مباشرة أو غير مباشرة أية مبادرة من شأنها أن تؤدي إلى مراجعة الأحكام الدستورية المتعلقة بمدة مأمورية رئيس الجمهورية وشروط تجديدها الواردة في المادتين 26 و28 من هذا الدستور”.

من الناحية الدينية والأخلاقية يطرح هذا القسم بالنسبة لرئيس الجمهورية إشكالات فيما يتعلق بالقيام أو دعم أية مبادرة مقدمة تتعلق بالمساس بمضمون المادتين 26 و28 من الدستور، بيد أنه من الناحية القانونية لم تأت صيغة اليمين الرئاسي بما يسد الباب أمام المبادرة غير المبينة.

وتكون المبادرة غير مبينة عند أهل الاختصاص إذا كانت عامة وناتجة عن توافق سياسي معتبر وحاصلة على الأغلبية المعبر عنها من الأصوات ساعة الاستفتاء.

وهل تشكل مجرد الدعوة إلى الاستفتاء عن طريق مرسوم رئاسي مبادرة مباشرة أو غير مباشرة من طرف رئيس الجمهورية أم أنها تفعيل آلية دستورية مجردة يجب القيام بها طبقا لأحكام المادة 24 من الدستور التي تجعل من رئيس الجمهورية حكما من أجل ضمان السير المضطرد والمنتظم للسلطات العمومية؟

والجواب على هذا السؤال يتوقف على معرفة ماهية النظام القانوني للتحكيم الرئاسي، هل يندرج تحت مظلة السلطة التقديرية أم أنه يخضع للآثار القانونية للاختصاص المقيد.

يكون الاختصاص مقيدا إذا كان القائم على السلطة ملزما بتنفيذ ما تمليه النصوص عند توفر الشروط المصاحبة لذلك. تشكل المادة 53 من الدستور مثلا حيا لماهية الاختصاص المقيد. تقول المادة:” للبرلمان أن يعقد دورة فوق العادة إذا طلب رئيس الجمهورية ذلك أو أغلبية أعضاء الجمعية الوطنية حول جدول أعمال محددة…”.

تطبيقا لأحكام هذه المادة يكون رئيس الجمهورية ملزما بنشر المرسوم الداعي للدورة الاستثنائية كلما توفر الشرط وهو الطلب المكتوب والموقع من طرف أغلبية أعضاء الجمعية الوطنية. إن امتناع رئيس الجمهورية من إصدار المرسوم المنصوص عليه في المادة 53 من الدستور يعرضه للمتابعة بتهمة الخيانة العظمى.

وعلى العكس من ذلك فإن السلطة التقديرية تمنح صاحبها حرية وحق الاختيار المطلق بين مختلف الحلول المتاحة له.

إن المادتين 24 و27 من الدستور تجعلان من رئيس الجمهورية شخصية محايدة تمارس وظائفها وفق متطلبات المصلحة العامة مما يعطيه صفة وصلاحيات الحكم. وعلى غرار قاضي الحكم يكون الحكم في أحسن ظروفه إذا واجهته الأطراف بصلح جائز شرعا. فكما يجب على قاضي الحكم وضع الصيغة التنفيذية على الصلح المشروع فإن الحكم إذا كان رئيسا للجمهورية يكون ملزما هو الآخر بتفعيل الآلية الدستورية دون أن يكون طرفا في المبادرة بصفة مباشرة أو غير مباشرة ومهما يكن من أمر فإن مصادقة أغلبية الأصوات المعبر عنها حين الاستفتاء مطهرة لكافة العيوب الشكلية.

 

مواضيع مشابهة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button