ماذا يعنى ان يوجه رئيس الجمهورية خطابا بالإنابة ..؟
وجه الرئيس المخلوع سيدي ولد الشيخ عبد الله مساء الخميس خطابا إلى الموريتانيين قرأه نيابة عنه الناطق الرسمي باسمه السيد أحمد ولد صنب ، بحجة أن ولد الشيخ عبد الله تعرض لاهانات لاتليق بمستواه ، جعلته يعود إلى قرية مسقط رأسه “لمدن ” .
الخطاب الذى قرأه ولد صنب يتحمل أكثر من قراءة ، فبغض النظر عن ما حام حوله من شائعات منذ عدة أيام ، وأنه سرب عبر البريد الإلكتروني ، أو غيرها من الشائعات الكثيرة التى وصلت لحد أن أحد المواقع الإلكترونية نشره منذ يومين ، وبغض النظر عن عدم اشتماله على سبب غياب صاحبه عن إلقائه وتكليف شخص آخر بالقائه مكانه ، بغض النظر عن ذلك كله وغيره من القضايا الشكليه التى يمكن تأويلها لأكثر من مجال ، نظرة سريعة على الخطاب نجده بيانيا بلغة أدبية رصينة تثير الحماس وتعد بالتحدي، لكنه مع ذلك يبقى استاتيكيا ، لا يحتوى على قرارات تؤكد للمتلقى أن الخطاب فعلا هو خطاب رئيس جمهورية ، حتى ولو كانت قرارات ، جزئية ومحدودة .موقع “أنباء” وقد يعود للخطاب بمزيد من القراءة والتحليل يعيد نشره كما قرأه السيد أحمد ولدصنب:
نص الخطاب:
“بسم الله الرحمن الرحيم
السيد رئيس مجلس الشيوخ
السيد رئيس الجمعية الوطنية
السادة الوزراء
السادة النواب
السادة الشيوخ
السادة رؤساء الأحزاب السياسية
السادة العمد
السادة رؤساء النقابات الوطنية
السادة رؤساء منظمات المجتمع المدني
السادة والسيدات الحضور
مواطني الاعزاء
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
شكرا لكم على تنظيم هذا التجمع الجماهيري الحاشد، المعبر عن تشبثكم بالشرعية ومناهضتكم للظلم والتعسف، رغم المضايقات والاستفزازات التي تتعرضون لها من قبل السلطات الانقلابية.
شكرا للجبهة الوطنية للدفاع عن الديموقراطية.شكرا للاحزاب السياسية والنقابات العمالية ومنظمات المجتمع المدني والشخصيات الوطنية المستقلة على الوثبة النضالية الرائعة التي واجهتم بها انقلاب 6 أغسطس منذ اليوم الاول وشكرا لكم على الكفاح المستميت والمتواصل من اجل استعادة الشرعية، ووضع حد لمعاناة شعبنا جراء استمرار الحالة الانقلابية المؤلمة في البلاد.
شكرا لكم أيها المناضلون من أجل حرية موريتانيا وكرامتها وسلامة مسارها الديمقراطي ..شكرا لمن يناضلون على الأرض ، يقاومون الإغراء والتهديد والقمع، ويثبتون أن الموريتانيين يرفضون التفريط بمكتسباتهم الديموقراطية، مهما كانت الضغوط والتحديات.
شكرا لكل مناضلينا الشرفاء الذين حملوا من الداخل والخارج رسالة موريتانيا التي تتشبث بالديمقراطية وترفض العيش تحت الحراب وفي ظل الأحكام القسرية.
شكرا باسمكم جميعا للدول والمنظمات والشخصيات، وسائر القوى الإقليمية والقارية والدولية التي وقفت الى جانبكم بحزم في نضالكم من أجل استعادة الشرعية وسد الباب أمام المغامرات الهادفة الى الاستيلاء على السلطة بقوة السلاح ومصادرة حقوق الشعوب في اختيار قادتها بالأساليب الديمقراطية.
أيها الجمع الكريم،
لا يسعني وقد شاهدنا على مدى ثلاثة أسابيع حمام الدم النازف في غزة الصامدة، على مرآى ومسمع من العالم ، بفعل الآلة العسكرية الإسرائيلية الآثمة، إلا أن ان اتقاسم معكم مشاعر الغضب ةالحزن التي تملؤ انفسكم في هذه الايام.
ان ما جرى في غزة من فتك وتدمير وقتل همجي للأبرياء من الأطفال والنساء والشيوخ العزل، يتجاوز حد الوصف ويستفز الضمير الإنساني.
إنني أدعو باسمكم أشقاءنا العرب زعماء العالم، وخاصة الدول الكبرى والقائمين على المنظمات الدولية، أن يستجيبوا لنداء الضمير، وأن يغيثوا أطفال غزة ونساء غزة وجرحى غزة، وأن يتعاونوا لحمل إسرائيل على الانسحاب من غزة، ولمنعها من استئناف غزوها الهمجي وغاراتها الوحشية على هذا القطاع الصامد.
إنني لأجدد باسمكم تضامننا الكامل مع أهلنا في غزة المنكوبة، وترحمنا على أرواح شهدائها وتعازينا القلبية لذويهم، وإنني لادعوكم للوقوف لتلاوة الفاتحة ترحما على أولئك الشهداء الأبرار.
مواطني الاعزاء،
لقد انخرطت بلادنا ما بين عامي 2005 و2007، في مسار ديمقراطي تعاقدت القوى الوطنية والمجموعة الدولية على الالتزام به باعتباره شرطا لازما للتنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة.
لكن الانقلاب العسكري الذي استهدف يوم 6 أغسطس الماضي النظام الشرعي المنتخب قد عطل هذا المسار، في نقض صارخ للعهود والالتزامات التي قطعناها على أنفسنا تجاه بعضنا وتجاه الآخرين.وهكذا تعرضت تجربتنا التي حازت إعجاب العالم إلى انتكاسة كبيرة بعد مدة لا تكاد تتجاوز خمسة عشر شهرا من تاريخ تنصيب الرئيس المنتخب.
مدة قصيرة حقا، لكننا استطعنا بحمد الله أن نرسم فيها لموريتانيا صورة ذهبية في أذهان الناس عبر العالم..
مدة قصيرة لكننا وظفناها بجد واجتهاد لفتح آفاق عظيمة، وانطلاق في ورشات كبرى،واعدة، بينها برنامج استثمار عمومي بغلاف مالي يربو على أربعة مليار ات دولار، وبرنامج للتدخل الخاص كنا به أسرع بلدان المنطقة استجابة لتحديات أزمة الغذاء والغلاء العالمية، وحملة وطنية لتنمية الإنتاج الغذائي كنا نرمي من خلالها إلى تحقيق اكتفاء وطني من الحبوب في أفق عام 2012..
مدة قصيرة حقا، ولكنها بالعمل الجاد كانت كافية لتصبح موريتانيا قبلة للمستثمرين، ولتنجح في الالتحاق ببرنامج تحدي الألفية MCC الذي كان يتوقع أن يتيح للبلد فرصة الحصول على تمويلات مجانية من البرنامج الأمريكي بمئات ملايين الدولارات ، تستفيد منها في المقام الأول قطاعات الصحة والتعليم.
مدة قصيرة لكننا جعلنا منها ربيعا للحرية ، واستطعنا أن نضع فيها الأسس السليمة لتغيير سياسي عميق وهادئ قوامه فصل اكبر بين السلطات، وإرادة صلبة لتغيير القيم والممارسات السياسية : رفضا للزبونية ، وانفتاحا على الجميع، وإشراكا للقوى السياسية التي عانت طويلا من التهميش.
خمسة عشر شهرا، هي فعلا مدة قصيرة ، لكننا عززنا فيها أواصر وحدتنا الوطنية بالمصادقة على القانون المجرم للرق، وبالخطاب الذي وجهته إلى الشعب في 29 يونيو 2007، وبما تبعه من إجراءات عملية.
مواطني الأعزاء،
لست أرمي إلى وضع حصيلة للخمسة عشر شهرا التي سبقت الانقلاب ، فالحصيلة أكبر مما ذكرنا رغم قصر المدة.. وانما أردت فقط التذكير ببعض ما سجلناه من أهداف في تلك المدة الزمنية القصيرة.لكنني مع ذلك لا أتجاهل المصاعب ولا العثرات والأخطاء التي لا تخلو منها أي تجربة بشرية خصوصا اذا كانت تجربة تأسيسية. لقد واجهتنا كما يعلم الجميع ظروف دولية ضاغطة، تمثلت على الخصوص في الارتفاع الصاروخي لأسعار المواد الغذائية المستوردة ، وفي تفشي ظواهر الغلو والعنف المنظم التي لم يسلم منها بلدنا. وكان علينا فضلا عن ذلك ، أن نتعامل مع صعوبات داخلية ناتجة عن تراكمات طويلة من سوء التسيير وضعف التخطيط. وكان علينا بشكل خاص ان نبني نظاما جديدا بتقاليد ادارية وممارسات سياسية جديدة. وكنا بحاجة إلى وقت وجهد لامتصاص الريبة والقلق الذي تواجه به الطبقة السياسية ومراكز النفوذ التقليدية أسلوبا في الحكم لم يتعودوا عليه.
واني لأذكر في هذا السياق اعتراض الكثيرين منكم واعتراض آخرين يقفون اليوم في الصف الاخر، على ما طبع عملنا في تلك الفترة الوجيزة من مرونة وتسامح التزمنا بهما، في سعي منا للحكم بأسلوب آخر، وفي توجه صادق الى إرساء دعائم نظام ديمقراطي حقيقي سواء فيما يتعلق بممارسات مؤسسات الدولة أو فيما يتعلق بممارسات المواطنين.
مواطني الاعزاء،
لقد انحرفت بلادنا ، منذ انقلاب 6 أغسطس ، عن مسارها الديمقراطي والتنموي الواعد، لتجد نفسها اليوم في قلب أزمة سياسية واقتصادية ودبلوماسية خانقة ، تمثل حصيلة ستة أشهر من السياسات الهوجاء للانقلابيين.
ستة أشهر تم فيها تعطيل الدستور وخرق القوانين ونسف المكتسبات الديمقراطية ، وتراجعت فيها الحريات العامة ، وجندت فيها وسائل الإعلام العمومية للدعاية الكاذبة والتضليل المتعمد ، وانقسمت فيها الطبقة السياسية على أسس ظرفية في مشهد سياسي مشوه وغريب.
ستة أشهر من التصرف الإداري القائم على استغلال موارد الدولة في شراء الذمم وتصفية الحسابات مع الخصوم السياسيين. اذ لا يزال الوزير الأول يحي ولد أحمد الوقف ووزراء آخرون وشخصيات سامية في السجن بسبب مواقفهم الشجاعة من الانقلاب بعد أن وظف القضاء في تلفيق التهم ضدهم دونما حياء.
ستة أشهر توقفت فيها برامج التنمية الطموحة التي أطلقناها ، وتدهورت فيها الأوضاع الاقتصادية ، رغم الظرفية الدولية التي هيأت في الأشهر الأخيرة لانخفاض الأسعار في العالم كله ، خاصة بعد تراجع أسعار الطاقة إلى نحو ربع ما كانت عليه قبل شهور، وانخفاض أسعار المواد الغذائية….
ستة أشهر من مصادرة خيار الشعب والاستخفاف بمؤسساته والإساءة إلى قواتنا المسلحة وقوات أمننا التي استغلت واجهة لتمرير نزوات فردية وتصرفات ثأرية لا تنتمي إلى العصر ولا إلى قيم الدولة والمجتمع الحديث.
ستة أشهر من العزلة الدولية غير المسبوقة والتهديد الحقيقي بالعقوبات المتنوعة .
ستة أشهر من الانحراف الأخلاقي واستباحة الحرمات وانتهاك الإعراض وامتهان الكذب، أسلوبا لمخاطبة الجماهير.
ستة أشهر لم يقدم فيها الانقلابيون من علاج لمشاكل البلاد سوى لعبة الأيام التشاورية التي أظهرت فشلها بعد أن اتضح أن الهدف منها هو تكريس الانقلاب عبر تنظيم انتخابات رئاسية محسومة النتائج سلفا، طبقا لما توقعته القوى الوطنية التي رفضت أصلا المشاركة في هذه المهزلة.
مواطني الأعزاء،
إن الانسداد الحالي والانعكاسات المتوقعة للازمة على التنمية والديمقراطية والانسجام الاجتماعي والوئام الوطني في البلاد، تدعونا جميعا إلى التأمل في عواقب ما يمكن أن تؤول اليه الاوضاع من تدهور ينذر بمخاطر يصعب على البلاد تحملها.
إن تقديري للمصلحة العليا للبلاد ولحجم المسؤوليات الملقاة على عاتقي ، يستوجب مني الصرامة ازاء الانقلاب العسكري فلا خلاص لبلادنا، ولا تنمية، ولا استقرار إذا هي عادت الى حضن الاحكام العسكرية التي ولى عهدها.
وبالمقابل فان حرصي على تجنيب بلدي وشعبي مخاطر الوضع الذي أقحمه فيه الانقلابيون ، يحملني على فتح باب واسع أمام تحضير مسار وطني جامع لا سبيل الى انتهاجه تحت ظل حكم عسكري مغتصب للسلطة.
وأسجل في هذا المقام ارتياحي لما تضمنته مبادرة رئيس الجمعية الوطنية السيد مسعود ولد بلخير من أهداف ومقترحات تنبع من نفس الاهتمامات وتسعى إلى نفس الأهداف.
وبصفتي رئيسا للجمهورية وحاميا للدستور وتمشيا مع القسم الذي أديت أمام الأمة ، فان واجبي يقتضي العمل، في جو من الصرامة والمسؤولية والتسامح ، على رسم طريق تمكن من إيجاد حلول للخروج من الأزمة التي تمر بها البلاد.
وفي هذا السياق فإنني أدعو جميع الفاعلين السياسيين الوطنيين إلى الشروع في عقد مشاورات جادة تفضي إلى إنهاء الحالة الانقلابية الراهنة وإعادة البلاد إلى نهج الديمقراطية والتنمية.
إن استحضار أوضاع البلاد وآفاق تطورها المحتملة واستلهام العبر من تجارب بلدان أخرى يستوجب من الجميع التحلي بالمسؤولية والاسترشاد بالعقل.
ومن هذا المنطلق وحرصا على عدم إطالة أمد الأزمة وسعيا إلى تخفيف تبعاتها وعواقبها على شعبنا فإنني أدعو جميع الموريتانيين إلى السير معا على طريق البحث عن حل توافقي للازمة الحالية يتمحور حول النقاط التالية:
1 إنهاء الحالة الانقلابية وإبعاد الجيش عن المشهد السياسي، وتوظيفه في مهامه الأساسية المتمثلة في الدفاع عن الحوزة الترابية وضمان الأمن والمساعدة في تطبيق القانون.
2 استعادة المؤسسات الشرعية المنبثقة عن انتخابات 2006 و 2007 لمهامها الدستورية باسترجاع رئيس الجمهورية لكامل صلاحياته وممارسة وظائفه طبقا لأحكام الدستور.
3 اعتماد المرجعية الدستورية في معالجة مختلف القضايا الوطنية .
4 وبمجرد تحقيق النقاط الثلاث السالفة فإنني سأعمل من موقعي كرئيس للجمهورية على تهيئة الظروف المناسبة لتطبيق ما يمكن أن تتوصل إليه الطبقة السياسية من مقترحات بما فيها تنظيم انتخابات تشريعية ورئاسية سابقة لاوانها.
وسأعمل بالتشاور مع كل المهتمين على تخاذ الإجراءات والترتيبات الضرورية لحسن سير الانتخابات إذا ما تم تبنيها، طبقا للدستور والتشريعات وبالصيغ التي تضمن الدقة والنزاهة والشفافية الكاملة، آملين أن نصل في ذلك إلى كلمة سواء تحظى بقبول كل الأطراف السياسية الوطنية الراغبة بصدق في الخروج من الأزمة كما تحظى بضمان المجموعة الدولية ودعمها.
وإني إذ أدعو جميع القوى السياسية الوطنية إلى التعاون في التمهيد لهذا المسار وفي انتهاجه ، لالتمس كذلك من القوى القارية والإقليمية والدولية المعنية مؤازرتنا في مسعانا هذا للخروج بالبلاد من المأزق الذي تواجهه ،
ولايسعني أن أنهي كلمتي هذه دون أن أجدد لكم الشكر أيها المناضلون من أجل الديمقراطية ، وأدعوكم إلى مواصلة نضالكم النبيل والمسار الديمقراطي الذي نصر على استعادته وترسيخه هو مسار يتطلب الصبر والمثابرة والتضحية والثبات ورفض بيع الضمير والوطن في مزاد الأحكام العسكرية كما يتطلب القبول بالآخر والانفتاح على الوطن والوطنيين الصادقين مهما تنوعت اجتهاداتهم واختلفت مواقفهم.
والله يعلم المفسد من المصلح..
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته”.