دحان ولد أحمد محمود يستقيل من حزب الفضيلة
أعلن اليوم الإثنين السيد دحان ولد أحمد محمود وزير الشؤون الإسلامية السابق في بيان حصل موقع “أنباء” على بنسخة منه استقالته من حزب الفضيلة الذي يرأسه وزير الشؤون الإسلامية والتعليم الأصلي في حكومة ولد لغظف الحالية السيد عثمان ولد الشيخ أحمد أبي المعالي، وهذا نص بيان الإستقالة كما وصل إلينا :
لقد كنت أحلم بأن يشكل حزب الفضيلة نقلة نوعية في الممارسة السياسية، تكون بداية مرحلة جديدة من التعاطي الإيجابي مع قضايا الوطن والأمة، والقطيعة النهائية مع أساليب الأحزاب التقليدية واهتماماتها في البلد، وأن يصبح هذا الحزب بوتقة تنصهر فيها التيارات الوطنية بمختلف مشاربها، وتلتقي المدارس الفكرية بتنوع عطائها لتكوين مدرسة سياسية جديدة، سمتها التنوع في إطار الوحدة، وهدفها الإصلاح والتجديد، تمتاح من معين هذه الروافد الثرية، وتقتبس من خلاصة تلك التجارب الرائدة، لتنتج مشروعا حضاريا على مستوى عراقة هذه التيارات وخبرة رموزها، مدرسة تحمل لواء الدفاع عن مرجعية هذه البلاد العقدية والفقهية والسلوكية، وانتمائها العربي، وحق شعبها المشروع في التنمية، وتمد جسور التواصل مع كل من يناصر هذه التجربة حيثما كان، وتستجيب للتحديات التي تواجه وطننا وأمتنا في القرن الواحد والعشرين، بما يثري الساحة السياسية التي تشكو منذ زمن طويل من انعدام مشروع حضاري وطني يستقطب النخبة، ويكون أساسا للتنمية التي ننشدها
إن السياسة ـ في نظري:
ـ علم يقوم على تصور سليم للبرامج، ورسم دقيق للأهداف والإستراتيجيات، ثم تنفيذ صارم لما رسم قدر الإمكان، ومتابعة مستمرة وتقويم دائم له، وليست عمليات ارتجالية، أو نشاطا موسميا يربك السير ويمنع الحركة، ويبدد الطاقة ويبعثر الجهود، ويشغل الناس عما هو أهم لهم في الدين والدنيا، وهي إدارة بالأهداف، لا تستغرقها اللحظة الآنية، ولا تشغلها إدارة الأزمات وحل المشكلات الصغرى بالوقوع في مشاكل أكبر عن ما هو أهم وأبقى، ألا وهو استشراف المستقبل والاحتياط له.
ـ وهي فن يحتاج إلى لمسة إبداعية تجعل الناس تعشق العمل وتتفانى فيه، وتتعلق بالقيادة احتراما لها وتقديرا
ـ وهي قبل ذلك كله أخلاق تفرض انسجام الأفعال مع الأقوال، وربط الأفراد بأواصر الثقة المتبادلة التي هي الشرط الأول في نجاح العمل الجماعي، على أساس الصدق والصراحة والوفاء، وكبح جماح الطموح الفردي تغليبا لمصلحة الجماعة، حتى لا تكون المواقف السياسية مطية لاقتناص المآرب الشخصية على حساب المصالح العامة.
إن الأحزاب السياسية في تصوري جزء لا يتجزأ من النظام الديمقراطي، فبصلاحها يصلح، وبفسادها يفسد، إنها وسيلة لتنمية المجتمع ونشر الوعي، وبث ثقافة الديمقراطية، وترسيخ العمل المؤسسي الذي يمثل الخطوة الأولى على درب التخلص من التخلف في التفكير والممارسة، وتحقيق عملية التواصل السلس بين الأجيال، وليست غاية في حد ذاتها، وإذا عجز حزب ما عن تحقيق الهدف الذي من أجله أنشئ، أو كان هذا الحزب لا يحقق إلا نقيض أهدافه المرسومة في بيانه السياسي، فإنه يفقد مبررات وجوده كغيره من الوسائل التي نستعملها في حياتنا اليومية ثم نتخلى عنها عندما تفقد وظيفتها الحضارية
ذلك أن الأحزاب السياسية إذا لم تجعل المنتمين إليها يتحركون في الاتجاه الصحيح، فإنها تشل حركتهم نهائيا أو تجعلهم يسيرون في اتجاهات خاطئة، تبعدهم عن الهدف إن تحركوا، وتجعلهم خارج الدورة الحضارية إن بقوا في أماكنهم.
وبالرجوع إلى بعض تفاصيل العمل السياسي لحزب الفضيلة، بإمكاني أن أسجل بعض الملاحظات الجزئية التي لا يفسد نشرها للود قضية
ـ إن من يؤمنون بمشروع سياسي واحد لا بد أن يظهر ذلك في تعاطيهم مع الشأن العام، وإلا لتعدد المشروع بتعدد من يؤمنون به، ولهذا فإنني بقدر ما سررت بتعيين رئيس الحزب وزيرا للشؤون الإسلامية والتعليم الأصلي حتى يواصل البرنامج الذي كنت أنوي تطبيقه في مجال الشؤون الإسلامية، بما في ذلك الإشراف على إتمام إجراءات الإحصاء الذي هو الوسيلة الوحيدة لضبط سياسة القطاع، وزيارة الشيخ القرضاوي لبلادنا التي كان لي شرف توجيهها إليه، وقبوله هو لها قصد تهيئة المناخ الملائم للسياسة الجديدة التي كنا ننوي تطبيقها في القطاع، بقدر ما تأسفت لتخلي أخي وصديقي عن جوهر ذلك البرنامج.
ـ وبما أن أسلوب التعامل مع القضايا السياسية لا بد أن تحكمه ضوابط ومعايير لا تتأثر بتغير أحوال الطقس، فإنني بقدر ما فرحت بتلك الجهود التي بذلها حزب الفضيلة للتقريب بين وجهات نظر الفرقاء السياسيين قبل 6 أغشت 2008 بقدر ما تأسفت عن التخلي النهائي عن هذا الدور بعد أن تأزم الوضع السياسي وصارت الساحة أكثر حاجة إلى القيام بجهد مضاعف من أجل مصالحة وطنية.
ـ وبقدر ما سررت بالتفاف العلماء والفقهاء حول حزب الفضيلة عند نشأته ابتداء، بقدر ما ساءني عدم احتضان الحزب لهؤلاء العلماء .
ـ وبقدر ما سررت بالمجهود الذي بذلناه جميعا في حزب الفضيلة احتجاجا على الصور المسيئة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، بقدر ما تأسفت على أن الحماس أو الجهد لم يكن بذلك المستوى ولا قريبا منه في نصرة غزة، ومعارضة بقاء العلاقة المشينة مع الكيان الصهيوني، وجوهر المسألتين واحد.
وانطلاقا من هذه الملاحظات، وانسجاما مع هذه الرؤية التي أشرت إليها أعلاه، والتي كنت قد عبرت عنها في الخطاب الذي ألقيته غداة ترشحي للانتخابات الرئاسية 2007، والتي من أجلها انخرطت في العمل السياسي خدمة للمشروع الحضاري الذي أومن به، وبعد أن تبخر ذلك الحلم الجميل الذي كنت أعلقه على حزب الفضيلة، فقد قدمت استقالتي لرئيس الحزب مكتوبة يوم 30 ـ 1ـ 2009 واحتفظت بحلمي الجميل ريثما أجد إطارا آخر يمكن أن يتحقق فيه ذلك الحلم ، فيتعانق التيار الإسلامي مع التيار القومي في إطار مشروع واحد حي متحرك قادر على تحقيق التنمية، وحماية الثوابت الوطنية. وها أنا أعلن استقالتي من حزب الفضيلة للرأي العام الوطني، الذي هو قبلة الساسة، ومحور السياسة، ومصدر السيادة مع تمسكي بعلاقات الأخوة والصداقة مع أخي رئيس حزب الفضيلة ومع سائر قادته ومنتسبيه، وتمنياتي للجميع بالتوفيق، داخل الحزب وخارجه، في خدمة الوطن والأمة.
والله ولي التوفيق وهو حسبي فنعم المولى ونعم النصير
دحان أحمد محمود
نواكشوط بتاريخ 9 ـ 2ـ 2009