نواكشوط أغلقت السفارة فما الثمن؟
(الشرق الاوسط اللندنية ) يحاول قادة الانقلاب في موريتانيا منذ الصيف الماضي، عندما استولوا على الحكم عنوة وقضوا على النظام الشرعي للبلاد، يحاولون الحصول على اعتراف دولي بهم وتعامل مع نظامهم، وقد باءت معظم محاولاتهم بالفشل. سعوا، منذ الأسبوع الأول، إلى إعلان الحرب على تنظيم القاعدة لتبرير وجودهم بأنه ضد الإرهاب وانتقاما من قتل السياح الفرنسيين. كانوا يأملون بمساومة جهودهم ضد الإرهاب بطمعهم في السلطة، ثم بدأوا حملاتهم ضد الأحزاب الإسلامية المحلية للغرض نفسه. أخيرا، قرروا قطع العلاقة مع إسرائيل وطرد البعثة الإسرائيلية من البلاد. الأكيد أن المجلس العسكري الانقلابي ليس مسؤولا عن تأسيس علاقة وفتح سفارة لإسرائيل في موريتانيا. عمل في أساسه غير مبرر، فلا السفارة كانت ضرورة لموريتانيا ولا تخدم القضية الفلسطينية، بل تعطي فقط مبررا لانتشار التطرف في البلاد. وإذا كان الانقلابيون ليسوا من أسّس العلاقة مع الدولة اليهودية فإنهم يحاولون اليوم المقايضة عليها، ففي بداية استيلائهم على الحكم تجاهلوا الانتقادات التي طالبتهم بطرد البعثة الدبلوماسية الإسرائيلية، وعندما وجدوا أن تركها مفتوحة لا يعزز وضعهم دوليا يحاولون اليوم المتاجرة بإغلاقها محليا وعربيا.
إن الاستيلاء على حكم شرعي جريمة كبرى لا يغسلها أي عمل سياسي جيد، سواء كان إغلاق السفارة الإسرائيلية أو ملاحقة القاعدة أو بناء مصانع، أو إطلاق سراح مساجين. ونحن شاهدنا من قبل أنظمة انقلابية حاولت صنع شرعية لنفسها أولا عبر بناء خطاب سياسي ينتقد ممارسات الحكم الشرعي المنقلب عليه، ويعد بشرعية أكثر صلاحا، ويمنّي الناس بمشاريع أكثر نماء. وقد شهدت هذه الدول كيف أن الانقلابيين عادة يعيشون في الحكم مسكونين بالخوف من انقلاب مضاد، أو مساءلات شعبية، لأنهم يعلمون أن الناس تعرف أنهم حكم بلا شرعية. موريتانيا حالة نادرة، ليس في الانقلابات وحكم العسكر التعسفي، بل في انتقال البلاد من الفوضى إلى الانتخاب، والغريب أنها تمت برعاية عسكرية كانت أمينة في نقل السلطات، حتى جاء الضابط محمد ولد عبد العزيز، فألغى الشرعية بقوة السلاح وراح يتخبط في الإمساك بالحكم، بإطلاق الوعود للدول الأجنبية والقوى المحلية. اكتشف أن السلاح أعطاه الكرسي لكن لم يمنحه الشرعية، ولم يحصل على الاعتراف الكافي لتأمين سلطاته، واكتشف أن سهولة استخدام السلاح لإرضاخ الموريتانيين لم يفلح في إجبار العالم على منحه المساندة، رغم أن قلة من الدول العربية احتفت به ضمن لعبتها السياسية التنافسية إقليميا. ولا يستبعد أنها من شجعته على تخريب الحكم الموريتاني والقيام بانقلابه على الشرعية. والحاكم العسكري الحالي يعرف أنه بلا تأييد خارجي كبير لن يدوم له الحكم، وسيظهر عسكري آخر يدعي أنه يريد تنصيب الشرعية وتصحيح الأخطاء، وهكذا ..
عبد الرحمن الراشد