مقالات

عن أي ” مفكر” تتحدثون !؟ /محمد الأمين بن الفاظل elvadel@forislam.com

لقد كانت المصيبة ” العظمي ” التي ارتكبها المجلس الأعلى للدولة ، هي رفضه للوساطة القطرية بحجة رفضه للتدخل الأجنبي وقبوله للوساطة الليبية التي سمحت “للمفكر ” أن يسخر منا ومن رؤسائنا ومن وطننا ومن مذهبنا المالكي بل ومن ديننا الإسلامي علي أرض المرابطين وبمناسبة ذكري مولد سيد البشرية محمد صلَّّي الله عليه وسلم.
لم يشفع لأمير ” قطر ” بأنه ليست له نظرية “عالمية ” يبشر بها ، ولم يشفع له بأنه في سجله وساطات ناجحة أدارها بشكل راق ومتوازن وهو أسلوب سمح له بأن ينجح في ملفات معقدة وشائكة جدا كالملف اللبناني والسوداني .
ولم تشفع لهذا الأمير واقعيته التي جعلته أكثر من مرة يعترف بأنه يقود بلدا صغيرا يستمد ثقله ووزنه من خلال النجاح في الوساطة بين الأشقاء ، الشيء الذي قد يفسر ذلك الجهد الكبير والخارق الذي يبذله الأمير القطري مع كل وساطة يقوم بها .
ولم يشفع للأمير بأن شره مأمون وبأنه ـ في أسوأ الأحوال ـ لن يزيد الملف تعقيدا ولن ينحاز لطرف علي حساب طرف ولن يتحدث بكلمة واحدة تسوء أي مواطن في هذا البلد .
ولم يشفع للأمير بأنه ليس في قلبه حقد دفين علي التجربة الموريتانية الرائدة وأنه لن يستغل وساطته من أجل تعقيد الأزمة حتى تفشل نهائيا تلك التجربة التي أغاظت ـ كثيرا ـ ” القائد الملهم “وهي لم تزل في بدايتها .
رغم تلك الميزات فقد اختار المجلس الأعلى وساطة ” المفكر” الذي تفتقت “عبقريته ” ـ هذه المرة ـ عن موريتانيا الجديدة التي تدعوا الجميع إلي المشاركة في انتخابات السادس من يونيو ولقد فات هذا ” العبقري ” بأنه لو كان الشعب الموريتاني يتفق علي هذا الحل الأحادي لما كانت هناك أزمة ولما كانت هناك أطراف أخري بل ولما كانت هناك ـ أصلا ـ وساطة ليبية بتكليف من مجموعة الاتصال التي طالبت بحل توافقي تشارك فيه الأطراف الثلاثة للأزمة .
الطريف هنا أن ” القائد ” كان أكثر تشددا من أنصار ” التصحيح ” الذين قالوا ـ بعد رحيل ” القذافي ” ـ بأن تاريخ السادس من يونيو ليس بالتاريخ النهائي ردا علي “القذافي ” الذي جعله تاريخا مقدسا .
لقد خسرت موريتانيا كثيرا بسبب وساطة وزيارة ” الأخ القائد ” ، ولقد خسر المجلس الأعلى كثيرا ـ رغم نشوة الانتصار الوهمي ـ لأنه وضع بيضه كله في سلة واحدة وتركها في يد ” حكيم ” إفريقيا الذي تتضاعف تلقائيا أعداء من يصادقه والذي يتقلب مزاجه كثيرا ولن يكون من المستغرب أن يُطِل علينا غدا بنظرية “عالمية ” جديدة تقول بأن رئيس المجلس الأعلى الذي يتشابه اسمه مع اسم أشهر خليفة أموي لا يصلح للدولة الفاطمية التي يريد ” الثائر المسلم ” أن يبعثها ـ من جديدـ في شمال إفريقيا .
المؤسف حقا أننا لم نسمع من وزير التوجيه الإسلامي الذي شاهدناه يصغي لخطاب الملعب ولا من رئيس رابطة العلماء الذي شاهدناه يصغي لخطاب قصر المؤتمرات لم نسمع لهما بل ولم نشاهد علي ملامحهما أية غيرة علي المذهب المالكي وهما من الذين عُرفوا بغيرتهم المفرطة والزائدة ـ في بعض الأحيان ـ علي المذهب المالكي .
لقد تجاوز ” القذافي ” في خطبته المذهب المالكي بل وتجاوز كل مذاهب أهل السنة والجماعة دون أن يقتصر مع ذلك علي المذهب الشيعي بل ودون أن يكتفي بالدعاية للدولة الفاطمية التي لم تكن هي أفضل نموذج لتلك الطائفة ، لقد تمادي “القذافي ” ليختار من تلك الدولة بعض الطوائف التي خرجت من هذا الدين وأصبح لها كتابها الذي تقدسه أكثر من القرآن بل وأصبحت تبشر بأنبياء غير النبي محمد صلي الله عليه وسلم الذي يدعِّي “القذافي” بأنه جاء ليحتفل بمولده ، وليصلي صلاته الجامعة المرفوضة عربيا والمثيرة للجدل فقهيا والتي شهدت أخطاء كثيرة في التلاوة وشهدت تواجد “حارسات ” بزي غير محتشم زاد من عدم الخشوع الذي ظهرت به تلك الصلاة التي لم تسلم من الضحك ـ علي الأقل ـ في الصف الأول .
والمؤسف أيضا أن جامعة نواكشوط ـ التي كان من المفترض أن تكون أكثر غيرة وأكثر نضجا ـ منحت للمفكر العالمي درع الحكمة والسلام وهو “المفكر” الذي استهزأ ـ وسط موجة عارمة من التصفيق الساذج ـ ببلدنا وبكل رؤسائه وبنظام الحكم الذي اخترناه جميعا والذي يجب علينا جميعا أن ندافع عنه حتى ولو أخطأنا كثيرا في تطبيقه .
والغريب أن وزير الإعلام الذي وصف الجبهة بعدم المسؤولية بسبب خروجها عن القاعة قد فاته بأن بث الإذاعة والتلفزيون لذلك الخطاب الطائشالذي يجرح مشاعر كل موريتاني أصيل بأنه عمل مشين ومخجل وغير مسؤول .
أما خروج قادة الجبهة من القاعة فهو تصرف في منتهي المسؤولية وإن كنا نلومهم علي تأخرهم في اتخاذ ذلك الموقف المشرف .
والغريب أكثر أن يستغرب بعض النواب خروج قادة الجبهة من القاعة ولا يستغربون بقاءهم هم في تلك القاعة التي يهان فيها بلدهم وتهان فيها ديمقراطيتهم التي يدعون بأن انقلابهم لم يأت إلا لتصحيحها وبعثها من جديد .
والغريب أكثر من ذلك أن من عُرف بحساسيته المفرطة من التدخل الأجنبي هو الذي كان يبالغ في التصفيق للقذافي وهو يسخر من رؤسائنا واحدا بعد واحد بعد أن سخر ـ عمليا ـ من أمننا وجيشنا وسخر من تناوبنا الانقلابي والانتخابي علي السلطة وهو تناوب سيبقي في كل الأحوال ـ وبشقيه الانقلابي أو الانتخابي ـ أفضل بكثير من النظام الغريب الذي يفرضه “القذافي” علي الشعب الليبي والذي مكنه من البقاء في السلطة أربعة عقود من الزمن محطما بذلك الرقم القياسي و موهما شعبه الطيب بأنه لا يهتم بالسلطة رغم أنه يعمل اليوم جاهدا لكي يورثها لابنه .
ولو أن ” القذافي ” تحدث بتلك السخرية الجارحة في ” القاهرة ” أو في “تونس ” أو في “صنعاء ” أو في أي عاصمة عربية أخري لسمع شيئا آخر غير ذلك التصفيق البائس الذي أصبح ـ للأسف الشديد ـ هو الفعل الوحيد الذي يتقنه أحفاد المرابطين .
ليعلم ” القذافي ” بأنه إذا كان هناك شعب بحاجة لمن يحدثه عن أخطاء رؤسائه فلن يكون ذلك الشعب هو الشعب الموريتاني، فنحن نتحدث عن تلك الأخطاء في كل حين ودون أن نخاف من أن يُبطش بنا ، والشعب الذي يحتاج لذلك المعروف هو الشعب الليبي الذي يولد فيه المواطن ـ بالمناسبة أنا أعتز بأني لست من مواليد الفاتح ـ ويتعلم ويتزوج ويخلف الأولاد ثم يرحل من هذه الدنيا دون أي يستطيع ـ ولو لمرة واحدة ـ أن ينتقد رئيسه الأبدي الذي أخطأ كثيرا في حقه .
لم يعد أمام الشعب الليبي المغلوب علي أمره إلا التنكيت علي ” الخيمة ” و”الناقة ” التي أحدثت مسخرة لأول مرة في اندنوسيا في الثمانينات من القرن الماضي أو التنكيت علي الكتاب الأخضر أو كتاب علبة “السجائر” كما يسميه الليبيون الذين يتعجبون كيف تحول هذا الكتاب الذي لا يملأ علبة سجائر إلي ثلاثة أجزاء يقال أنه كتبها المرحوم أبو بكر كرار السوداني للقذافي أو التنكيت علي تسمية الجماهيرية نفسها التي كانت آخر إضافة لها هي كلمة “عظمي ” التي أطلقها “القذافي ” بعد غارة “لوكريي “عندما قال في خطابه الشهير آنذاك نحن دولة عظمي مثل أمريكا ونقول طز في أمريكا ، اختفي الأرز الذي يحبه الليبيون كثيرا كما اختفت مئات المواد الأخرى بفعل الحصار فليبيا ـ للأسف ـ لا تنتج شيئا ، يومها كان الليبي يردد عبارته المشهورة : لقد أبدلنا الرز الأمريكي بطز “القائد ”
لقد أوصلت عبثية “القائد” وتهوره ليبيا التي هي دولة نفطية شاسعة المساحة إلي أسفل لائحة الدول العربية النفطية من حيث مؤشرات التنمية البشرية بل أنه توجد دول عربية غير نفطية تتفوق عليها وذلك بعد أن أهدر” القائد” موارد بلده في برامج وخطط فاشلة لم يحقق من ورائها إلا عزلة كبيرة حتى في العالم العربي بل وحتى في المغرب العربي ويكفي هنا أن أشير إلي تلك الصفعة القوية التي وجهها الرئيس السوري والرئيس المصري لهذا “القائد ” الذي ظل يتشبث بصداقتهما ومع ذلك رفضا دعوته الأخيرة للتصالح في ليبيا وقررا ـ إمعانا في الاستهزاء به ـ أن يتصالحا في الرياض وبوساطة من ألد خصوم ” القذافي” .
ولو أن الشعب الليبي أجري قرعة في العام 1969 واختار أي مواطن ليبي غير “القائد ” ليقود ليبيا أربعين سنة لكان حال ليبيا غير حالها اليوم ، وهي لن تكون في أقل تقدير أقل تطورا أو أقل نموا من الدول الخليجية النفطية التي تتميز عنها ليبيا بمساحتها الشاسعة ، لقد أنعم الله علي ليبيا بالنفط ولكنه ابتلاها بالقائد المفكر ، فارس الصحراء ، ملك ملوك إفريقيا الذي بَذَّر نفط بلاده ، فمرة يبذره في تفجير الطائرات ومرة في التعويض لضحايا تلك التفجيرات، ومرة يبذره في منشآت نووية ومرة أخري يبذره في تدمير تلك المنشآت .
نحن ـ أيها “المفكر العبقري ” ـ لا ننكر بأننا شعب فقير ولكننا رغم فقرنا ورغم أخطاء قادتنا التي لا نستحي من ذكرها ، ولا من المجاهرة بها، ولا نحتاج لمن يحدثنا عنها ، لم يزل لدينا علماء هم من أشهر علماء العالم الإسلامي ولم يزل لدينا شعراء يتربعون علي إمارة الشعر مع كل موسم ، ولم تزل لدينا أسماء معروفة في كل مجال في الوقت الذي غابت فيه الأسماء الليبية عن كل المحافل الأدبية والعلمية والثقافية في عالمنا العربي والإسلامي وذلك لا يرجع إلي نقص في الإنسان الليبي ـ معاذ الله ـ وإنما يرجع إلي حصاد أربعة عقود من الدكتاتورية التي تقتل المواهب وتبلد العقول ولا تسمح بالإبداع .
********************
لقد كنت من الذين كتبوا عن زيارة ” الأخ القائد ” ولقد حاولت أن لا أتحدث بما يسيء لضيف موريتانيا بل أني رحبت به لأنه ضيف بلدي ولأنه جاء من بلد شقيق ولأنه جاء لهدف نبيل ، لقد كنت أعتقد أن الضيف هذه المرة لن يتصرف بشكل غير لائق ولن يحشر نفسه في ” مطبخنا ” ولا في طريقة إعدادنا للطعام .
ولم أكن أعتقد بأن الضيف سيستغل ـ وبصورة بشعة ـ هذه المرحلة الحرجة التي تمر بها موريتانيا ليسخر منها ومن رؤسائها ومن نظامها الذي اختارته بجبهتها وتصحيحها وتكتلها .
ولكن ” الضيف ” تجاوز حدوده كثيرا وسخر منا كثيرا وتحدث عن موريتانيا وعن نظامها السياسي بطريقة لم نقبلها في الماضي ولن نقبلها في الحاضر ولا في المستقبل .
لقد كتبت عن “القذافي” منذ عامين مقالا أرد فيه علي سخريته السابقة وهو مقال أزعج بعض الموريتانيين وتسبب في ردود قاسية وصفتني بأسوأ الأوصاف وأشنعها ، كما أن هذا المقال أزعج كثيرا سفارة ليبيا في انواكشوط .
لذلك فقد سحبت فقرات كثيرة من ذلك المقال احتراما لمشاعر كل أولئك ولقد كتبت حينها بأن ذلك لا يعني ـ إطلاقا ـ بأني لن أرد علي من يسخر ببلدي .
لم تكن لدي رغبة في الكتابة من جديد عن “القذافي ” لأنه لدينا من هموم الوطن ما يشغلنا عن ” القذافي ” ولكن ” القذافي ” عاد ليسخر منا وبطريقة في منتهي الاستفزاز استجوبت الرد.
لن نقبل من أي كان أن يسخر منا ، فذلك ـ بالنسبة لتا ـ خط أحمر، أحمر ، أحمر ، شديد الاحمرار .

محمد الأمين بن الفاظل
رئيس مركز ” الخطوة الأولي ” للتنمية الذاتية

elvadel@forislam.com
www.autodev.org

مواضيع مشابهة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button