ذكاء إيراني وقصور عربي / عبد الباري عطوان
الدبلوماسية الايرانية نشطة هذه الأيام، ويتحرك مهندسوها بشكل مدروس وذكي، ويحققون المكاسب تلو الأخرى، سواء على صعيد كسب الوقت من خلال مفاوضات مع الغرب لاكمال خطط تخصيب كميات كافية من اليورانيوم لانتاج رؤوس نووية، او استمالة الرأي العام العربي والاسلامي، من خلال علاقات تقوم على المصالح، مصالح الشعب طبعاً.
بالأمس قام السيد منوشهر متقي رئيس الدبلوماسية الايرانية بزيارة خاطفة الى نواكشوط عاصمة موريتانيا، لتوثيق العلاقات مع حكومتها وشعبها في آن، حيث اجتمع مطولاً مع رئيس المجلس العسكري ولد عبد العزيز، ونظيره الموريتاني محمد محمود ولد محمدو، بحضور وفد ايراني تقني يضم وكلاء وزارات الزراعة والصناعة والطاقة والصحة والشؤون الاجتماعية.
مهمة وزير الخارجية الايراني واضحة، وهي تتلخص في كسر العزلة عن النظام العسكري الحاكم حالياً، وضمه الى محور الممانعة السوري الايراني، وتوثيق العلاقات مع موريتانيا من خلال اتفاقات تعاون في شتى المجالات، كرد على قطع المغرب العلاقات مع طهران بحجة نشرها للمذهب الشيعي.
السيد منوشهر اقدم على خطوة تكشف عن ‘دهاء’ ايراني مشهود له، وذلك عندما قام بزيارة الى مستشفى للأمراض السرطانية تولت الحكومة الاسرائيلية بناءه في الزمن الذهبي لعلاقاتها مع موريتانيا، اي عندما كان مؤسس هذه العلاقات الرئيس معاوية ولد الطايع يتربع على كرسي الحكم، ووعد الوزير الايراني الضيف بتجهيز هذا المستشفى تجهيزاً كاملاً بالمعدات الطبية اللازمة، وبعدد من المتخصصين، والانفاق على تدريب الطاقم الصحي الموريتاني المرشح للعمل فيه.
وربما يجادل البعض بأن هدف ايران الحقيقي من هذه المكرمة هو تعزيز جهودها لنشر المذهب الشيعي، وربما تنطوي وجهة النظر هذه على بعض الصحة، ولكن هناك من ينتقد في المقابل صمت المروجين لها عن الجهود الاسرائيلية الرامية الى التغلغل في موريتانيا من خلال بناء مثل هذا المستشفى، ام انه حلال على اسرائيل حرام على ايران المسلمة؟
ثم اين العرب السنّة، ولماذا لم تتحرك دول الاعتدال العربية المتخمة بالعوائد النفطية مثل المملكة العربية السعودية ودول الخليج لتجهيز هذا المستشفى او غيره بما يمنع استغلال ايران لمثل هذه الثغرة؟
الحكم في موريتانيا ليس ديمقراطياً، ووصل الى السلطة عبر انقلاب عسكري، ولا جدال في ذلك، ولا نعتقد ان عدم تحرك دول الاعتدال لمساعدة موريتانيا مادياً يأتي لهذا السبب، اي عسكرية النظام. فجميع دول هذا المحور غير ديمقراطية دون اي استثناء، وسجلاتها على صعيد الحريات وحقوق الانسان هي من بين الاسوأ عالمياً.ايران تكسب الرأي العام العربي، او قطاعاً واسعاً منه، لأنها تتبنى القضايا الوطنية وتنتصر للمقاومة، وتسخر امكانياتها لخدمة الشعوب، وبما يفيدها انسانياً وخدماتياً، ويحسن ظروفها المعيشية، بينما تفعل دول محور الاعتدال عكس ذلك تماماً للأسف الشديد.