مقالات

أسرار الإنقلاب العسكري في موريتانيا

يا فرحة ما تمت .. هذا أصدق وصف يمكن التعبير به عما تشهده موريتانيا حاليا ، فلم يكد يمر عام على أول تجربة ديمقراطية تنعم بها في تاريخها الحديث ، إلا وداهمتها مجددا الانقلابات العسكرية ، حيث فوجيء العرب والعالم في 6 أغسطس 2008 بأنباء الإطاحة بنظام الرئيس المنتخب سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله . هذا التطور جاء بعد ساعات قليلة من إعلان الرئاسة الموريتانية عن إقالة الجنرالين القويين في المؤسسة العسكرية ، وهما الجنرال محمد ولد عبد العزيز قائد الحرس الرئاسي والجنرال محمد ولد الغزواني قائد الجيش ، كما جاء في أعقاب انسحاب 48 من أعضاء مجلسي النواب والشيوخ من حزب العهد الوطني للديمقراطية والتنمية الحاكم (عادل) الذي يقوده رئيس الوزراء يحيى ولد أحمد الواقف، مما أفقده الأغلبية البرلمانية التي كان يتمتع بها. وكان المتحدث باسم النواب المستقيلين سيدي محمد ولد محمد قد برر تلك الخطوة بأن العملية الديمقراطية انحرفت عن مسارها الطبيعي وتحولت إلى وسيلة لاختلاس الأموال العامة وانحرفت عن أهدافها في التنمية والبناء ، مشيرا إلى أن البلد يعيش حالة من الفساد وسوء التسيير لا نظير لها، حيث استحكمت في كل مفاصل الدولة في غياب إجراءات الرقابة على المال العام وانعدام خطة وطنية لمكافحة الرشوة، في حين ظلت الحكومة عاجزة عن مواجهة كل هذه المشاكل، كما باءت الإجراءات النادرة التي قامت بها بالفشل. وفي المقابل ، نفى القيادي في الحزب الحاكم أبو بكر ولد أحمد أن تكون تلك هي الأسباب الحقيقية للانسحاب، مشيرا إلى أن هناك أسبابا شخصية، وحتى طموحات سياسية ، وهذا ما أشارت إليه أيضا بعض مصادر المعارضة التي اعتبرت خطوة نواب الحزب الحاكم المستقيلين احتجاجا على تهميشهم، وعدم التشاور معهم في تشكيل الحكومات الثلاث المتعاقبة منذ تولي ولد الشيخ عبد الله الرئاسة ، وليس الحرص على المصلحة العامة كما يدعون . أيضا محمد المصطفى ولد بدر الدين رئيس الكتلة البرلمانية لحزب اتحاد قوى التقدم المشارك في الحكومة اتهم النواب بالتمهيد لانقلاب أعده وخطط له العسكر ، مشيرا إلى أن العسكريين رأوا أن الرئيس بدأ يشب عن الطوق ويخرج عن سيطرتهم وهو ما لا يحتملونه، ولذلك قرروا تنفيذ انقلاب عليه. الجميع في قفص الاتهام ويكاد يجمع المراقبون أن الرئيس والعسكر والنواب كلهم مخطئون ومسئولون عما وصل إليه الحال في موريتانيا ، ولا ننسى أيضا تأثير العوامل الخارجية وتحديدا الضغوط الإسرائيلية والأمريكية . فالتجربة الديمقراطية الوليدة حوصرت بصراع على المناصب داخل الائتلاف الحكومي ، وبصراع على السلطة بين الجيش والرئاسة ، وبين الحكومة والمعارضة ، هذا بجانب تصاعد دعوات الرأي العام الموريتاني للرئيس بتنفيذ وعوده الانتخابية بمراجعة العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل وتلكؤ الرئيس في الإقدام على تلك الخطوة بسبب الخوف من الانتقام الأمريكي ورفض العسكر لمثل هذا الأمر. لقد كانت الآمال والطموحات كبيرة تجاه نجاح تجربة موريتانيا وإمكانية تكرارها في الدول العربية ، إلا أن الرئيس أخطأ عندما سارع فور تسلمه منصبه الرئاسي في إبريل 2007 إلى تشكيل حكومة غير متجانسة وغير مؤهلة اعتمدت في الغالب على التحالفات القبلية والسياسية ، ولذا فشلت في تحقيق المأمول منها وخاصة ما يتعلق بالأوضاع الاجتماعية والاقتصادية ، ووجهت لها انتقادات بشأن تعاملها مع ارتفاع أسعار الغذاء وهجمات شنها على مدى عام تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي . عودة رموز الفساد
وحتى بعد استقالة زين ولد زيدان الذي عين رئيسا للحكومة يوم 29 إبريل نيسان 2007 ، فإن الحكومة الجديدة التي بدأت مهامها في 12 مايو 2008 لم تعالج الخطأ السابق جذريا ، بل وجاءت أيضا برموز الفساد في نظام الرئيس السابق معاوية ولد سيد أحمد الطايع الذي أطاح به انقلاب عسكري عام 2005 ، حيث تسلم حقيبة الخارجية شيخ الفيدا ولد محمد خونا رئيس الوزراء الأسبق ووزير الخارجية إبان حكم ولد الطايع . ويقول المحلل السياسي أحمد ولد أباه في هذا الصدد إن التشكيلة الحكومية الجديدة أعادت الثقة لرموز في النظام السابق بعد أن غادروا المشهد الحكومي في سنوات ما بعد الإطاحة بنظام ولد الطايع ، وهم رموز ضمن قائمة طويلة يحملها الشارع الموريتاني مسئولية الكثير من الأزمات التي عانى منها البلد في العقدين الماضيين. كما أعلن تكتل اللقاء الوطني الموريتاني المستقل في بيان له أن الخطأ الأكبر الذي وقع فيه الرئيس الموريتاني هو إعادة رموز الفساد إلى الواجهة، قائلا :” خير لنا ولموريتانيا في ظل وضع كهذا أن نعود إلى حكم العسكر، لأنهم من أزاحوا رموز الفساد عن الواجهة، في حين أن من أعادهم إليها هو النظام الجديد”. وأعرب عن خيبة أمله لعدم تحقيق أي تقدم فأكثر من ثلثي السكان يعيشون في وضع جحيمي بسبب الغلاء، وسوء التسيير، ونفوذ شيوخ القبائل، وعودة رموز الفساد . ولد الشيخ عبد الله كان يفاخر أيضا بأن السنة الأولى من حكمه بلغت مستوى غير مسبوق من الحريات العامة ، فلا اعتقالات سياسية، ولا مصادرة للحريات، ، إلا أن المعارضة كان لها رأي آخر ، حيث تحول الأمر في أحيان كثيرة إلى حالة من التسيب إذ صار بإمكان أي شخص أن يؤسس حزبا سياسيا ولو لم يكن يستجيب للشروط المطلوبة. وفي السنة الأولى أيضا لولد الشيخ عبد الله ، تفجرت أزمة “المخدرات”، وتزايد الغلاء، وخرجت خلايا محسوبة على السلفية الجهادية لتشتبك مع قوات الجيش مخلفة قتلى وجرحى ، كما انتشر الفساد في الهرم الرئاسي ، حيث تشتبه المعارضة في مصادر تمويل مؤسسات خيرية تشرف عليها عقيلة الرئيس خنتو بنت البخاري . يحيى ولد أحمد الواقف واجه انتقادات كثيرة وفي ظل هذا التردي ، تفجرت الحرب الكلامية بين الحكومة والمعارضة ، حيث اتهم زعيم المعارضة أحمد ولد داداه الرئيس سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله بالضعف والعجز عن تسيير شئون البلاد، كما هاجم الوضع الاقتصادي ، قائلا :” إن حساب النفط قد أنفق منه حتى الآن أكثر من 93% “دون أن ينعكس ذلك على الظروف المعيشية للمواطنين “.وأضاف أن الحكومة عجزت عن مواجهة أزمة الغلاء التي اندلعت بسببها مظاهرات أدت إلى قتل فتى وجرح عشرات، وتحرك الحكومة (الخطة الاستعجالية) جاء متأخرا جدا ، ومسيسا جدا، حيث تم تكليف رئيس الحزب الحاكم يحيى ولد الواقف بالإشراف على الخطة، وهو ما يعني في نظره أن وسائل الدولة تم تسخيرها لحزب سياسي دون غيره. كما أشار إلى خطورة الأوضاع الأمنية في ظل ما قال إنه “غياب سلطة الدولة على جميع المستويات بدءا برئيس الجمهورية ومرورا بالحكومة وانتهاء بالإدارة”. وفي المقابل ، رفض رئيس الوزراء يحيى ولد أحمد الواقف الاتهامات السابقة ، واتهم أحمد ولد داداه بالمغالطة والابتزاز وتزييف الحقائق، واستخدام أساليب غير ديمقراطية في تعامله مع الحكومة ، مشيرا إلى أن ولد الشيخ عبد الله أنجز الكثير خلال عام واحد وكسر أنماطا كانت محظورة في عهد من سبقوه ففتح ملف الرق والمبعدين الموريتانيين إلى الخارج، وسارع إلى الترخيص لحزب إسلامي، ورفع الحظر عن جميع السياسيين، ونجح في تحسين علاقات موريتانيا الخارجية، فضلا عن إنجازات اقتصادية ، حيث يبلغ حاليا رصيد صندوق العائدات النفطية 59 مليون دولار، أي بزيادة 10 ملايين دولار عما كان عليه الوضع في ديسمبر 2007. كما أعلن محمد المختار ولد إياهي مستشار الرئيس الموريتاني أن صعوبة الوضع الاقتصادي يرجع لارتفاعات الأسعار عالميا، ولانخفاض منسوب الأمطار خلال العام الأخير ، أما المجهود الحكومي فكان في مستوى المطلوب ، حيث تمت السيطرة على التضخم في مستوى معقول، وتحسن معدل النمو. الإنقلاب بين مؤيد ومعارض ومع حديث البعض عن بدء معركة لي الأذرع بين الرئاسة ومجموعة من البرلمانيين مدعومون من قبل قادة في المؤسسة العسكرية ، قدمت الحكومة استقالتها في يوليو الماضي في مواجهة اقتراح بسحب الثقة منها، وتشكلت حكومة أخرى برئاسة يحيى ولد أحمد الواقف أيضا ، ما أدى إلى انسحاب حزب اتحاد قوى التقدم وحزب التواصل الإسلامي وكانا مشاركين في الحكومة السابقة. الجيش الموريتاني يعاود الانقلابات وبدأت الأوضاع في التأزم أكثر وأكثر إثر طلب تقدم به بعض النواب لعقد دورة برلمانية طارئة لتشكيل لجان تحقيق في مشاريع ومؤسسات عمومية، وتشكيل محكمة العدل السامية التي يحق لها محاكمة رئيس الجمهورية، إلا أن الحكومة رفضت مثل تلك الخطوة ، الأمر الذي اعتبره المعارضون نكوصا عن الديمقراطية وعرقلة لعمل البرلمان ، وانتهى الأمر بالانقلاب العسكري . هذا الانقلاب نظر إليه البعض على أنه محاولة لتصحيح الأمور وإخراج البلاد من أزمتها ، إلا أن هناك من رأى فيه تأكيدا على الديمقراطية الزائفة وأن العسكر هم من يحكم موريتانيا فعليا ولذا عندما حاول الرئيس ولد الشيخ عبد الله الاستقلال في قراراته انقلبوا عليه ، بل وهناك من توقع عودة العقيد علي ولد محمد فال رئيس المجلس العسكري للعدالة والديمقراطية الذي أطاح بنظام ولد الطايع ووضع أسس الديمقراطية الموريتانية خلال فترة انتقالية دامت 18 شهرا ليسلم بعدها السلطة إلى الرئيس المدني المنتخب سيدي ولد الشيخ عبد الله ، إلى السلطة مرة أخرى . فما يحدث حاليا يتناقض مع الدستور الذي ينص على أن دور الجيش يقتصر على احترام مواده وحماية الديمقراطية والتعددية السياسية ، كما يتناقض مع قيام ولد فال بالتصويت ليختار من يخلفه في كرسي الحكم، في مشهد هو الأول من نوعه في المنطقة العربية وكان يمهد لتأسيس عهد جديد عنوانه الكبير “تداول السلطة عبر الديمقراطية”. ورغم التباين السابق في النظر إلى الانقلاب العسكري ، فإن هناك ما يشبه الإجماع بين المراقبين على أن الموريتانيين لن يقبلوا مجددا بالحكم الفردي والاستبدادي ، كما لن يسمحوا لأي نظام حكم سواء كان مدنيا أو عسكريا ، بالاستمرار طويلا في العلاقات مع إسرائيل أو بتمرير مخططات أمريكا لإقامة قاعدة عسكرية في بلادهم والسيطرة على الثروة النفطية المكتشفة حديثا . موريتانيا .. ثلاثون عامًا من الانقلابات الرئيس الموريتاني المخلوع ولد الطايع محيط : ارتبط تاريخ الجمهورية الإسلامية الموريتانية بالعديد من الانقلابات التي شهدها هذا البلد العربي الأفريقي منذ سبعينيات القرن الماضي، وكان آخر هذه الانقلابات ذلك الذي أطاح بالرئيس معاوية ولد الطايع في عام 2005، والذي كان اعتلى كرسي الرئاسة على فوهة الدبابات والآليات المدرعة، وأحبط عدة محاولات انقلابية خلال فترة رئاسته. وتعتبر موريتانيا حائزة الرقم القياسي من بين الدول العربية من حيث كثرة الانقلابات العسكرية فيها، وكان أول انقلاب عسكري في البلاد على أول نظام مدني بعد الاستقلال عندما نظم الجيش “انتفاضة” ضد نظام المختار ولد داده يوم 10 تموز/يوليو 1978، وقد اختار الجيش الموريتاني هذا اليوم عيدا ً وطنيا ً لـه. ومنذ ذلك التاريخ بدأت موريتانيا رحلتها الطويلة مع الأنظمة العسكرية، وصراعات الضباط على الحكم. فمنذ سنة 1978 شهدت موريتانيا 14 انقلابا ًعسكريا ً اصطدم بعضها بصخرة الفشل، ونجح البعض الآخر بمقاييس متفاوتة. ولم تكن الانقلابات في موريتانيا من طبيعة، واحدة فهي وإن كانت في شكلها تمثل ظاهرة واحدة، فإنها مختلفة في دوافعها وخلفياتها. الانقلاب الأول كان انتفاضة عسكرية ضد نظام الحزب الواحد حيث أن معاناة الجيش الموريتاني في حرب الصحراء الغربية خلقت عند قادته فكرة تغيير القرار السياسي للبلد بإزاحة النظام الذي تبنى الوقوف إلى جانب المغرب ودخل الحرب ضد جبهة البوليزاريو. ففي يوم 10 تموز/يوليو 1978 أطاح الجيش بقيادة المقدم المصطفى ولد محمد السالك بحكم الرئيس المختار ولد داده وأعلن الانقلابيون الاستيلاء على السلطة فأنهوا بذلك حالتين هما: الحكم المدني، وحرب الصحراء. الانقلاب الثاني جاء كانتقام قادة ضباط اليمين الشيوعي (حلفاء نظام ولد داده المخلوع من قبل) فنفذوا انقلابا تم في أبريل/ نيسان سنة 1979 من داخل اللجنة العسكرية، بوساطة بعض أعضائها مثل العقيد أحمد سالم ولد سيدي، والعقيد محمد محمود ولد أحمد لولي، والعقيد الشيخ ولد بيده، وكان برئاسة العقيد أحمد ولد بوسيف الذي استبعد، هو وبعض زملائه، من الانقلاب الأول على أساس انتمائهم السياسي، ودخلت، لأول مرة، عناصر شيوعية يمينية أخرى إلى جانب “بوسيف”، مثل المقدم أباه ولد عبد القادر، المعروف بـ “كادير” والعقيد انيينغ. واستهدف الانقلابيون الجدد تصفية البعثيين العسكريين من دوائر السلطة ومطاردة المدنيين منهم انتقاما، وثأروا لنظام ولد داده الذي أطاحوا به قبل شهور من ذلك التاريخ. ولم يعمر طويلا ً حكم اليمين الشيوعي، إذ شاءت الأقدار أن راح زعيمه “بوسيف” يوم 27 ـ 5 ـ 1979 ضحية لتحطم طائرته فوق المحيط الأطلسي إلى الغرب من دكار في ظروف غامضة دعت الكثيرين إلى الاشتباه والشك في صلة بعض أعضاء اللجنة العسكرية بملابسات الحادث مع ورود احتمال زرع “مشكلة فنية” في أجهزة الطائرة تحول دون هبوطها بسلام إلا أن السر الحقيقي لم يعرف بعد. الانقلاب الثالث بعد أن رحل العقيد أحمد ولد بوسيف، رئيس وزراء موريتانيا القوي، يوم 27 ـ 5 ـ 1979 انتدبت اللجنة العسكرية للإنقاذ الوطني المقدم محمد خونه ولد هيداله خلفًا مؤقتًا له، ريثما يتم انتخاب رئيس لها وللدولة من بين أعضائها في غضون شهرين، كما تنص على ذلك وثيقة اللجنة. ولكن المقدم هيداله لم ينتظر انقضاء فترة انتدابه المؤقتة بل بادر لتفويت الفرصة على أعضاء اللجنة العسكرية من أنصار العقيد بوسيف، فعاجلهم بقرارات مفاجئة اعتبرت انقلابًا داخليًا، أعلن من خلالها إقالة أنصار بوسيف من اللجنة العسكرية وتعيين العقيد محمد محمود ولد لولي رئيسا ًللدولة يوم 3 ـ 6 ـ 1979، قبل أن يقصيه يوم 4 ـ 1 ـ 1980 ويعين نفسه رئيسا ً لها وللدولة، ومن بين من شملتهم قرارات التصفية العقيد أحمد سالم ولد سيدي والعقيد انييغ، والمقدم أباه ولد عبد القادر، والعقيد محمد محمود ولد أحمد لولي (الرئيس الشرفي)، والمقدم الشيخ ولد بيده. وبهذه الإقالات تخلص المقدم هيداله من منافسيه ليصل الى السلطة بعد أن أخلى لنفسه الجو، وقد سمى البعض وصول هيداله إلى السلطة ب “انقلاب الانقلابات”.‏الانقلاب الرابع انفراد هيداله بالسلطة بعد إقصاء ضباط اليمين الشيوعي وملاحقة جناحه المدني، وإعادة تحالف السلطة مع البعثيين من جديد، واليسار الشيوعي والتعاطف مع البوليساريو… كلها أمور حدت بالمغرب إلى دعم اليمين الشيوعي للقيام بانقلاب عسكري في موريتانيا لتخليص المغرب من خصمه الإقليمي نظام ولد هيداله والتخلص من خصميه المحليين البعثيين واليسار. وجرت محاولة الانقلاب المشهورة يوم 16آذار /مارس 1981 بوساطة فرقة كوماندوز قادمة من المغرب مؤلفة من 9 أشخاص موريتانيين من بينهم ثلاثة ضباط من أنصار الرئيس السابق بوسيف وهم: ولد عبد القادر (اليمين الشيوعي) والعقيد أحمد سالم ولد سيدي، والعقيد انييغ، وقد أعدم الثلاثة بعد إخفاق المحاولة بحكم قضائي. الانقلاب الخامس كان انقلاب 16 آذار/مارس 1981 المدبر من المغرب بعد اختزال هيداله مؤسسات الدولة في شخصه وجمعه في يده كل السلطات. وفي هذا الإطار أعلنت أجهزة الأمن اكتشاف مخطط لقلب نظام الحكم في أواخر آذار /مارس 1983، غير أن النظام لم يقدم أدلة كافية على زعمه أمام الرأي العام الوطني ولا أمام الإعلام الدولي، ولم يقدم المشتبه في ضلوعهم في المحاولة الانقلابية إلى العدالة، بل اكتفى باعتقالهم حيث ظلوا رهائن حتى أطيح بالنظام سنة 1984. الانقلاب السادس أدت سياسات نظام ولد هيداله، وتقربه للزنوج، والإخوان المسلمين، وتصفيته القاسية للناصريين والبعثيين واليسار الشيوعي، واتهاماته المتكررة للدول الخارجية إلى النفور في العلاقات مع المغرب وليبيا والعراق وبعض دول الجوار الإفريقي. ووصلت الأزمة في الداخل أوجها بعدما ملئت السجون بالقوميين (الناصريين والبعثيين) وما يسمى بالكادحين الداداهيين (نسبة للنظام ولد داداه)، إلا أن العامل الخارجي كان هذه المرة الأكبر دورا في حسم الموقف، والاطاحة بالرئيس هيداله يوم 12 ـ 12 ـ 1984 في انقلاب أبيض قادة رئيس الأركان وقتها العقيد معاوية ولد سيد أحمد الطايع، بتدبير فرنسي، وبعناية المغرب العدو الأكبر لنظام ولد هيداله المخلوع. الانقلاب السابع ولم تمض على نظام ولد الطايع سنتان حتى انقض على بعض أعضاء لجنته العسكرية مشتبها ً في محاولتهم الانقلاب ضده. وأدى هذا الاشتباه إلى اعتقال مجموعة ضباط ذوي توجه ناصري. الانقلاب الثامن تم الكشف عن إعداد مخطط عسكري للاطاحة بنظام ولد الطايع قبل الشروع فيه بثمانٍ وأربعين ساعة من تنفيذه (ساعة الصفر) حيث كان موعد انطلاقة العمليات وكان الانقلابيون يهدفون إلى أبعد من الاستيلاء على السلطة وقيادة البلد، بل إلى إقصاء عنصر العرب والقضاء عليه من خلال تنظيم مذابح جماعية ضدهم، وإقامة دولة زنجية عنصرية. الانقلاب التاسع تمكنت بقايا تنظيم الحركة الزنجية “أفلام”داخل الجيش الموريتاني من إعادة ترتيب شؤونها بعد الضربة التي لاقتها على يد نظام ولد الطايع عقب فشل انقلابها سنة 1987. وخطط منسقو خلايا التنظيم العسكري لتنفيذ “نسخة منقحة”من انقلاب 1987 ولكن ولد الطايع اكتشف الأمر وآل مصير الانقلاب إلى الفشل.‏ الانقلاب العاشرما بين عام 1990 وعام 2000 لم تشهد موريتانيا أي محاولة انقلابية سوى تغيير النظام لهويته من “حكم عسكري” إلى “حكم مدني” ينتهج ديمقراطية تعددية لم يصدق بها الكثيرون من الساسة المدنيين، أما العسكريون فقد ظلوا يتابعون الوضع السياسي في البلاد، وينظرون الى أي مدى تستطيع التجربة الديمقراطية الوليدة تحقيق غاياتها في التغيير السلمي فعلا. الانقلاب الحادي عشر شنه الرائد صالح ولد حننه وزملائه بالتنسيق والتعاون مع طلائع شبابية من الضباط وتم تنفيذه في يوم 8 حزيران / يونيو 2003 ولكنه انتهى بالفشل رغم السيطرة على قيادة الأركان، ورئاسة الجمهورية والمطار والهندسة العسكرية، وأغلب مواقع الجيش في نواكشوط. الانقلاب الثاني عشر بعيد فشل انقلاب 8 حزيران / يونيو 2003 من نفس السنة، كانت لا تزال تداعيات هذا الانقلاب تتفاعل مع تطورات ما بعدها. وكانت مؤشرات الحملة الانتخابية والتدابير الإدارية المتخذة توحي بالتحضير من طرف النظام لعملية تزوير كبرى لمصلحة ولد الطايع، ما دعا المترشح ولد هيداله (رئيس سابق) إلى طرح فكرة تنظيم عصيان مدني أو انتفاضة شعبية بالتعاون مع مجموعة من الأطر والساسة في إدارة حملته، وذلك من أجل الإطاحة بالنظام، ولكن تم تطويق هذه المحاولة في اليوم السابق للانتخابات، واعتقل المشاركون فيها بتهمة زعزعة الأمن وقلب نظام الحكم بالقوة، وتمت محاكمتهم وإدانتهم والحكم عليهم بعقوبات خمس سنوات سجن مع وقف التنفيذ. الانقلاب الثالث عشر كادت تتكرر محاولة 8 حزيران / يونيو 2003 عندما عاد إلى البلاد قائدها الرائد صالح ولد حننه في شهر أغسطس/آب 2004 بعد مغادرته إلى الخارج إثر فشل محاولته الانقلابية الثانية، وقد أدخل الانقلابيون كميات من الأسلحة وأجهزة الاتصالات إلى قلب العاصمة نواكشوط في الفترة نفسها، وبالتزامن مع ذلك نشطت حركة الاتصالات داخل الجيش بين أنصار ” فرسان التغيير”، وهو الاسم الذي أطلقه مدبرو انقلاب 8 يونيو/حزيران 2003 على التنظيم العسكري المعارض الذي أسسوه بعد ذلك. وقد اكتشفت الاستخبارات الموريتانية أن الانقلابيين تسللوا الى داخل البلاد، وذلك بوشاية من أحد أقارب النقيب عبد الرحمن ولد ميني، الرجل الثالث في “الفرسان”، فألقي القبض عليهم وصودرت الأسلحة المستجلبة من الخارج. الانقلاب الرابع عشر بعد فشل سبعة انقلابات ضد نظام ولد الطايع، شارك الناصريون في أربعة منها، أصبح كبار ضباط الجيش والأمن ممن كانوا يلعبون الدور الأهم في حماية النظام السابق من عواصف المحاولات السابقة على قناعة تامة بضرورة التغيير وحصل الانقلاب يوم 3 أغسطس 2005، وأطاح بالرئيس الموريتاني “معاوية ولد سيد أحمد الطايع”، وأنهى حكم 21 عاما ً من الاستبداد لا سيما أن القوى الداخلية العشائرية والإسلامية التي حاربت نظام ولد الطايع، وعانت من قمعه، أبدت ترحيبا ً كبيرا ً بالانقلاب، حتى وإن كانت لم تضطلع بدور مركزي فيه.

د.عادل عامر

مواضيع مشابهة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button