مقالات

مأزق عزيز.. وامتحان المعارضة المصيري/مولاي أحمد ولد لمونك/Moulay1983@maktoob.com

من المسلم به عند متتبعي الحراك السياسي الحالي وما انجر عنه من جهود مضنية لبناء تحالفات واستقطابات واستقطابات مضادة، أن هذا التحرك يختلف كليا عن مرحلة ما قبل اتفاق داكار، ليس فقط بما يدور بين الطرفين المتصارعين، وإنما بما يدور بين كل طرف على حدة، وكذا على جوانبه وأطرافه القريبة منه، تاريخيا على الأقل.

1 ـ اتفاق داكار .. .. بداية التحول .. ..

ما صنعه اتفاق داكار هو النصر النفسي والسياسي الهام وغير المسبوق في تاريخ المعارضة الحاضر، حيث تنظر الآن بشقيها على أنها انتزعت جل ما تريد. ولو كان ذلك في مقابل تخليها عن بعض مطالبها التي تراها جوهرية، كمطلب التكتل عدم ترشح العسكريين المزاولين للخدمة يوم 6 اغشت الماضي، ومطلب الجبهة برجوع سيدي لإكمال مأموريته والتي تعرف مسبقا مدى صعوبتهما.

لقد استطاعت المعارضة إظهار الجنرال عزيز بصورة المتقلب والمزاجي الذي يمارس السياسة بمفهوم أقرب للصبيانية منه للوقار والصورة الواضحة والمقنعة، ومن ذلك ظهوره بصورة المتردد في اتخاذ آراءه ما جعلها متناقضة ومتنافرة في سياقها، وبالتالي جعل الكثير من أنصاره في حيرة من أمرهم، وأعطى للغير صورة نمطية عنه توحي من بين أمور أخرى أنه رجل لا يؤتمن الجانب، فكل ما أعطاه من وعود بعدم تأخير الانتخابات ليوم واحد، وعدم الحوار مع من أسماهم المفسدين، ظهر فيه وكأنه كان يخدع الجميع ولا يثق بأحد، حتى بكلامه.

الصورة النمطية عن ولد عبد العزيز جعلت بعض أهل وحاشية المخزن التقليديين أصحاب الموالاة بالمجان، والخدمة عند الطلب يتئدون في إعطاء موقف نهائي، بل ذهبوا إلى حد مخالفة الجنرال عزيز في ذهابه الأحادي لانتخابات 6.6 والبحث عن خيارات لا تسايره، ولا تتقاطع وأجندته.

ويفسر البعض ذلك الإتآد والتمهل بحيرة هذه الشخصيات في شخص عزيز وخبرتها في دخائل وسرائر الأمور، ووسط ما يطلقه بعض مخضرمي الساسة والمهتمين بأن أيام عزيز معدودة في ضوء حراك داخلي غير مسبوق؛ لا من حيث طول النفس في النضال، ولا بكمه وخبرة قادته في مقارعة الأنظمة والتصدي لها، بل وكذلك في ظل وضع دولي لا يستسيغ الانقلابات خاصة عندما لا يساير منفذوها بالحرف كل متطلبات الغرب الصارمة.
ربما هذه المعطيات الأخيرة هي ما جعلت الجنرال عزيز يتراجع عن تنظيم انتخاباته، ويذعن لإكراهات الواقعين الداخلي والخارجي، في ظن منه أنه باستطاعته فك رموز شفرة المستقبل، والتكيف مع مستجداته بما يجعله قادرا على مواصلة طريقه دون مكدرات تذكر، غير أنه لم يكن يعتقد في قرارة نفسه ـ وربما المحيطون به من شجعه على ذلك الاعتقاد ـ أنه سيجابه بمثل هذه المعارضة المستميتة، ومن طرف أشخاص بعضهم ما تخندق يوما إلا في صفوف النظام، وما لبس غير لبوسه على طول تاريخه السياسي، والأدهى من ذلك أن بعضهم من مقربيه وخلصائه، أو من المفترض بهم ذلك، بل ودائرته الاجتماعية الضيقة، ما ينبئ حتما بتصدعات وانشقاقات هو الآن أبعد ما يكون من الاستعداد لها. قد لا تكون حتى المؤسسة العسكرية بعيدة عن هذا الصراع المستحكم والدائر بين بعض أركانها، ومن له بداخلها بعض الأنصار والمؤيدين أو حتى بوجود من يتحين الفرصة للانقضاض متى كانت الفرصة سانحة.

2 ـ أين المفر؟؟

لاشك أن رجلا بخبرة ودهاء الجنرال عزيز مكنه في السابق من إفشال انقلاب دموي، وهندسة انقلابين عسكريين ناجحين ببراعة، وانقلاب مدني بسلاسة يستطيع قراءة هذا الواقع الذي يزداد قتامة في وجهه شيئا فشيئا كالعواصف الاستوائية الحتمية، وبالتالي عليه هنا طرح بدائل سريعة للتكيف مناطها الحماية الذاتية أولا، إذ لا مجال هنا وفي ظل هذه الانتكاسات للحديث عن تسجيل مكاسب، بل فقط ليس إلا التقليل من الخسائر قدر الإمكان، وفي أسرع الأوقات.
من المشروع التساؤل هنا: هل يعي الجنرال خطورة هذه الوضعية وهو يتحرك وسط منعرجات مليئة بالأعداء الأقوياء والمتأهبين للانقضاض عليه بلا رحمة؟

وكيف سيخرج مما أوصله عمله؟ هل يمكن بين عشية وضحاها أن ينقض الجنرال صبحا كما فعلها ذات مرة ومرات ـ فهو لا يهوى المسير باليل، وهو بذلك لا يعرف أنه عند الصباح يحمد القوم السرى ـ ويؤجل الانتخابات مرة أخرى ليعيد ترميم بيته الداخلي..، يؤدب من عصى ويدني من أبعد، بعد أن فشلت سياسة محاربة الفساد وموريتانيا الجديدة، الكلمتان السحريتان، الكلمتان البرنامج؟!، وان كانت الفنانة والشيخة المعلومة بنت الميداح حلت لغز الكلمة الأخيرة على طريقتها.
أم أن الجنرال ” المقدام” سيستمر في التحدي على الطريقة العسكرية الأصيلة في الدفاع عن الشرف والمواجهة بشرف حتى آخر بطاقة صوت حتى لا أقول قطرة دم، والقبول بشرف بما يقرره الشعب وتقره الديمقراطية، مقابل حماية شخصية وامتيازات تحفظ ماء الوجه؟! هذه الفكرة التي طالما نادى بها السياسيون المعارضون؛ علها تجعل قواعد اللعبة متسقة وعادلة، وغير محسومة من أول جولة، وكل المشاركين والمراقبين والمصوتين يعلمون في النهاية أن ما لله لله، وما لقيصر لقيصر، وما للجنرال للجنرال، ولو كان في ذلك خراب البصرة.

سيناريو آخر يطرح نفسه بقوة وهو أن ينسحب الجنرال من المنازلة بعد ما أصبح من البين أن قواعد اللعبة لم تعد تسير كما يشتهي الجنرال، بعد أن تخلى طوعا عن نياشينه؛ رغبة منه في أن يستعيدها مرة أخرى كما ألقى موسى عصاه ذات مرة، ولكن هذه المرة بأمر رباني بعيدا عن شهوات النفس ومآربها.

صحيح أن هذا الاحتمال قد يبدو مستغربا عند البعض وغير مستساغ، إلا أنه كما هو معلوم كل شيئ مباح في الحب والحرب، وربما يساعد تعنت الرئيس سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله في الموافقة على تعيين الحكومة والموافقة على استقالته في إعطاء الفرصة للجنرال المأزوم للخروج من مأزقه الشخصي الذي أوصلته له أفعاله غير المدروسة

3 ـ المعارضة….. والمعارضة ؟!!

إذا كان من الواقع والمقبول أن المعارضة ستتحد في الشوط الثاني ـ إن وجد ـ ضد الجنرال عزيز فإن ذلك غير ما يطرح الآن؛ لأن المعارضة بحاجة إلى النظر في بعض الأمور الكفيلة بتحقيق غايتها في جو من التعقل والانفتاح والواقعية السياسية البحتة.

ليس مسموحا الآن تشتت المعارضة “وقوى التغيير الأخرى”؟!؛ لأنها هي الأغلبية والقادرة على الخروج بالوطن من عنق الزجاجة، وليس كذلك مسموحا انغماسها في صراعات غير مضمونة العواقب من أجل الولوج للشوط الثاني بدواعي التعدد والأحقية وعدم التنسيق الجيد؛ بحجة ضيق الوقت أو لأي حجة أخرى، قد لا يراها الشارع السياسي سوى اختراق أمني وطعن في الظهر، وهو ما سيتيح فرصة قد لا تكون أكيدة، ولكنها موجودة بقوة لقوى أخرى تدفع الآن لتكون محل وسط وإجماع، بعد أن نأت بنفسها طويلا عن إعطاء أي رأي ولو كان صغيرا أو غير مباشر عن رفضها لما يدور في البلد من 6 أغشت الأسود، محاولة خطف النصر من مستحقيه، والذين ناضلوا طويلا من أجل الوطن، وبشهادة الجميع البعيد قبل القريب.

صحيح أن قوى المعارضة التقليدية تعاني من خلافات شخصية وفكرية مستحكمة، ربما من أسبابها طول التعايش والاحتكاك في هامش سياسي ضيق، ووسط التسابق للحصول على مغانم سياسية وانتخابية بها عول وانكسار، ربما لم تسمح الظروف حينها بتصحيحه، أو حتى محاولة التغلب على ما شاب النفوس بسببه، وان كانت المرحلة الأخيرة ساهمت في الحد من آثاره، وحصر انعكاساته في مضار الجوار المألوفة.

ولئن كان ما حصل من تجاذبات في الفترة الأخيرة بين المعارضة بكل تفرعاتها، خاصة بين التكتل وتواصل في تفرغ زينة، والتحالف وبقية المعارضة في انواذيبو، واتحاد قوى التقدم وبقية المعارضة أيان المصادقة على القانون الداخلي لهيئة زعيم المعارضة، وأكثر من ذلك بين هذا وذاك يوم التاسع عشر ابريل 2007 وما حصل من طرف التحالف، لئن كان هذا يشكل حجر عثرة في طريق وحدة الجهود، ومنغصا للتقارب والتآلف المطلوب، فإن وحدة المصير السياسي والمشروع المشترك والأهداف المتقابلة والتي تصل في بعضها لحد التماهي وكذا وحدة الخصم وخطورته على المشاريع السياسية للأحزاب؛ كفيل بتخطي تلك العثرات وحتى إزاحتها، وذلك بشرط تمكن قادة المعارضة من التغلب على هوى النفس وشهواتها التي قد تطغى على صالحها وصالح أنفس أخرى عديدة تروم الأمن والتنمية في ظل دولة مدنية.

4 ـ وجهة نظر….

يتيح اتفاق داكار من المزايا ما لو تم التعامل معها بجدية وبراغماتية لحدث التحول المنشود بحكم مدني بعيد عن سيطرة أصحاب الأحذية الخشنة، وتخليص البلد من نقمة الانقلابات وردات الفعل التي هي اقرب لحكايات ألف ليلة وليلة وقصص أبي زيد الهلالي من مشروع المجتمع والدولة الناهضة في بحر من التقلبات الجيوسياسية والأمنية والاقتصادية بلدنا ليس في منأى عن تداعياتها السلبية.

وفي هذه الحالة فإن من أوكل إليهم شرف الدفاع عن أمن هذا البلد وحوزته الترابية سيجدون بالتأكيد ما يقومون به، خاصة في ظل أزمات متلاحقة ومتسارعة تهدد صميم وكينونة الدولة الوطنية, إرهاب من الشمال ومخدرات وهجرة سرية من الجنوب، وبالتأكيد سيجد المدنيون في ظل هذه الوضعية القوة لمواجهة تحديات التنمية والتطوير، وكذا مواجهة ضغوط واحتيالات الغرب لوطن هو أمس ما يكون للتفرغ لنهضته وتنميته المؤجلة إلى حين.

على كل تبقى المعارضة قادرة على بلوغ الهدف وإنهاء اللعبة المملة ـ لعبة العسكر والديمقراطية ـ رغم ما يساور قطاعات عديدة من المهتمين والمتابعين للشأن السياسي من الخوف من التشتت في آخر لحطة على طريقة 2007 الشهيرة، والتي ربما تكون من الأسباب المباشرة لما نحن فيه الآن, وندفع ثمنه إلى أجل الله وحده يعرف نهايته، ولمن ستكون، دون أن يكون البحث في نوايا أصحابها ذا شأن الآن فما حصل حصل، وربما البعض يحاول بذكرها إظهار أهميته، دون ان يكون لهذا التصرف أدنى فائدة تذكر في هذا الوقت على الأقل؛ لأن لكل طرف قراءته واعتقاداته للأمور التي لاتتزعزع، والعبرة فقط بالمستقبل، ولكن مع ذلك يبقى الأمل قائما كما هي الاحتمالات وعين التاريخ ترقب عن كثب كل من تسول له نفسه إجهاض حلم التغيير.

مولاي أحمد ولد لمونك
كاتب موريتاني بالمغرب
Moulay1983@maktoob.com

مواضيع مشابهة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضا
Close
Back to top button