مقالات

ذاكرة … الخمسين سنة/محمد ولد الطالب

وأخيرا ظهر ثقب في جدار الظلام لتتنفس المواسم المثقلة بخمسين سنة صوح فيها الشجر ورعي الهشيم …خمسون سنة تعرف وتنكر المرايا من ملامح وجوهنا المصفعة بالأبواب… لم تبخل غيوم السماء لكن الأرض لم تحبل وفضلت الانتظار حتى تمر آخر عربات زمن الفسولة وما نبت على شاكلته من فصيلة الحشائش والطحالب التي احتلت ليالينا المرقسية وتركتنا على كل قارعة نبحث عن من يبيعنا نصف الطريق أو نصف الوصول… أسارى أمل وملاحي أساطير يحتفي بنا مرابي المحاق في أسواق النخاسة ويسوقنا إلى حيث تعود ساستنا أكل بيضهم قبل أن يصبح دجاجا وتداولت نخبنا المثقفة باستحسان حكمة ذلك الشيخ الذي جلس ذات مساء ليعلم أحفاده من أين تؤكل الكتف فأكلها كلها …حكمة صارت من قواعد حكم التغيير في ظل الاستقرار.. و الحكم الرشيد …والحكم المؤتمن …تلك الأحكام البائسة التي اختلفت في رؤية هلال الصيام واتفقت على رؤية النجمة السداسية في سماء شنقيط يتمخض صباحها المشئوم عن خيمة لبني قريظة تمد أطنابها بين مضارب عذرة وخيام تميم .

رحم الله الحلاج فكم تشبه حاله حالنا حين لم يزدنا الورد إلا عطشا ولم يخبرنا الرائد إلا كذبا ونحن أهله حتى تفرق دمنا بين من ولغوا فيه خمسين سنة من المنافحة عن مآربهم يأكلون غير ما نأكل ويشربون غير ما نشرب ويحلمون بما لا نحلم ويأنفون أن يشاركونا ذات الأرصفة والقهوة السوداء …ولأن الحياء يسقط من قاموس مصاصي الدماء كما تسقط أقنعتهم عندما تهب بشائر الحق وتشرئب طلائع النصر فقد سقطت ورقة التوت عدة مرات بقدر ما تداعت معها نخب من لائحة انتظارات هذا المجتمع المثخن بجراحات ألاعيبها .. فلم يعد لأحد مهما طال نفسه في المراوغة أن ينتظر من هذا الشعب أن ينخدع للمرة العاشرة بأن الأرض توقفت عن الإنجاب …وعجزت عن معانقة الجوزاء ومعاقرة المجد حتى لفنا اليأس في سواد الحداد..ساعتها أنجبت لنا قائدا فذا… قطع ما لم يقطعوا ووصل ما لم يصلوا وأنجز ما لم ينجزوا..أفلا يكون لنا حق الخيار.. بعد أن عجمنا أعوادا عديدة لم نستطع تقويمها ولم نستسغ طعمها…؟ ويكون لأحد بعد اليوم أن يعول على ضعف ذاكرة الخمسين سنة..؟ فما قطع العلاقات مع العدو الصهيوني بالحدث البعيد ولا بالبسيط الذي يختلف فيه اثنان من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار ولا في المنزلة بين المنزلتين لقائد غسل العار عن جبين عذرية أرضنا وسمائنا وهوائنا.. ولم ينتش ولو للحظة من كنا نعتقد أنه سيقود الجوقة ويوزع الأنخاب ويقصد القصائد الطوال ويدبج الخطب لؤلؤا منثورا ..ويا للمفارقة..!!

أيها العظيم الصبور كجمال الصحراء…العنيد كباسقات النخيل طريقك إلى الفجر محفوفة بالفخاخ وبكل قيعة سراب …آن الأوان لتستل سخيمة الزمن الرديء ولتثور على شملة خشنة فصلوها على قامات أطماعهم الحقيرة وتجمعوا على باب كل مغارة كاللصوص يتقاسمون الأسلاب …آن الأوان لتحرق جميع مراكب العودة إلى الوراء فما ثمة إلا شتات خرابك ومقبرة أحلامك المذبوحة على نصب مختلف المذاهب والمشارب والأسماء الشخصية لمن حدثوا فكذبوا.. ووعدوا فاخلفوا.. وأتمنوا فخانوا ..أصحاب الفخامة، والسيادة، والمعالي..فإما أن تفرد جناحيك ملء الفضاءات المنداحة وتنفش ريشك حتى لا يبقى للسفح إلا نثار مما نسلت الأيام الخوالي ودموع أسبلتها أجفانك الحرى …وإما أن تجلس متكففا فتات موائد من نهبوا خيراتك وتجاريهم في نواكشوط أوفي داكار..وتخذل من بث فيك روح الأمل ورسم لك درب القطيعة مع الماضي البغيض… الرحيم بالفقراء والمساكين والقوي على من كانوا السبب في ذلك من العملاء والمفسدين قائد موريتانيا الجديدة اللواء المفدى محمد ولد عبد العزيز.

مواضيع مشابهة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button