عبدالباري عطوان: التحشيد السعودي الإماراتي ضد قطر دخل مرحلة كسر العظم، وليس أمام قطر إلا أحد خيارين
يبدو أن محاولة قطر “تحييد” المملكة العربية السعودية وتركيز الخلاف مع دولة الإمارات العربية المتحدة، لم تعط ثمارها، ولم تنجح مبادرتها بتسليم المعارض السعودي اللاجيء إليها السيد محمد عبد الله العتيبي وأسرته في امتصاص الغضبة السعودية، فمن يتابع وسائل الإعلام السعودية التي تعكس مواقف الحكومة، وتنفذ أوامرها هذه الأيام، يجد أنها الأكثر شراسة في الهجوم على دولة قطر وأميرها وأسرتها الحاكمة، وبصورة “غير مسبوقة” في تاريخ الصراعات الخليجية.
فعندما تتحدث صحيفة سعودية في وزن “الرياض” عن احتمال انقلاب سادس وشيك يطيح بالأمير الحالي الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، وتنشر نص رسالة وجهها الشيخ سعود بن ناصر آل ثاني، يعتذر فيها عن إساءات حكومة وأمير بلاده للمملكة العربية السعودية والإمارات وشعبيهما، ويتبرأ من رسم كارتوني يتطاول على الملك سلمان بن عبد العزيز سحبته قناة “الجزيرة” لاحقاً، ويكون من ضمن الموقعين على هذه الرسالة عدد من شقيقاته، فإن هذا يعني أن القيادة السعودية أعلنت الحرب رسميا على الدولة القطرية، وبدأت تخطط لانقلاب يطيح بالأمير الحالي.
صحيفة “الرياض” نبشت في تاريخ الصراع بين أجنحة الحكم في أسرة آل ثاني، وركزت في أكثر من مكان على أن فرع عائلة الشيخ أحمد بن علي التي وصفتها بأنهم الحكام الشرعيين الذين تولوا الحكم عام 1971 بعد استقلال الدولة القطرية، وهذا يعني أننا أمام خلاف غير عادي، وأعمق جذوراً مما يتصوره الكثيرون، ودخولاً في المناطق المحرمة والمحظورة خليجيا.
اللافت أن هذا التطور الذي يعكس تصعيداً متعمداً، وقع أثناء زيارة الشيخ تميم بن حمد إلى الكويت، وكأن الرسالة التي أرادت المملكة توجيهها إلى أمير الكويت عبر قنواتها الإعلامية تقول بأن لا مجال للوساطة، وأن عليه أن يوفر جهوده في هذا الإطار، فالأبواب قد تكون مغلقة، بل محكمة الإغلاق في وجهه.
الملك سلمان بن عبد العزيز يختلف كلياً عن سلفه الراحل الملك عبد الله الذي تسلم منه الحكم، فعلاقاته مع دولة قطر وأميرها السابق حمد بن خليفة كانت دائما تتسم بالتوتر، حتى أنه متهم بلعب دور رأس الحربة في انقلاب عام 1996 الذي أراد الإطاحة بالأمير السابق، والأهم من ذلك أن الأمير سلمان الذي يفضل أن يوصف عهده بأنه “عهد الحزم” يختلف عن كل من سبقوه في قدرته على اتخاذ قرارات الحروب ضد خصومه، وآخرها حرب اليمن، وإن كان كثيرون داخل الأسرة الحاكمة وخارجها، يختلفون مع هذا النهج.
***
الملك الراحل عبد الله كان يتسم بالطيبة والحكمة والتروي، وهي الصفات التي يجمع عليها كل من عرفوه وتعاطوا معه، وكان يتعاطى مع الخلافات “كشيخ عرب” أو “شيخ قبيلة”، ويفضل الحلول على المواجهات، ولكن هذا لا يعني أنه لم يكن صارما، فقد أجبر الأمير تميم على توقيع اتفاق مكتوب يتعهد فيه بتنفيذ كل ما هو مطلوب منه أثناء الوساطة الكويتية في أزمة سحب السفراء عام 2014، ومن بين هذه المطالب إبعاد قادة الإخوان المسلمين من قطر، ووقف الدعم المالي والإعلامي للحركة، وأغلاق معاهد بحث أميركية “تجسسية” في الدوحة، والتمهيد للمصالحة مع النظام المصري الذي وضع كل ثقل المملكة خلف حكمه.
قطر تعيش حالة استنفار، وتقرأ سطور الحملة الإعلامية السعودية والإماراتية بينها بشكل معمق، وخاصة الخطة المحكمة التي وضعتها اللوبيات الإماراتية في واشنطن وربطتها، أي قطر، بالإرهاب ومنظماته، ووظفت كبار المسؤولين الأميركيين السابقين، وعدد من كبار الكتاب البارزين، لكتابة مقالات، وتنظيم مؤتمرات في أميركا وغيرها ضد دولة قطر، فبينما كانت الإمبراطورية الإعلامية القطرية تركز على دعم حركة “الإخوان” ومحاربة نظام الرئيس السيسي، كانت الإمارات ولوبياتها تنشر أكثر من 13 مقالاً في صحف أميركية كبرى تربط قطر بتمويل منظمات إرهابية وتسلحها، وتطالب بسحب القوات الأميركية وتجهيزاتها العسكرية من قاعدة العيديد والسيلية، ونقلهم إلى الإمارات أو السعودية.
الشعرة التي قصمت ظهر البعير السعودي كانت الزيارة المفاجئة التي قام بها الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، وزير الخارجية القطري، إلى بغداد يوم 22 أيار (مايو) الماضي، أي يوم مغادرة الرئيس دونالد ترامب للرياض، وترتيب لقاء مع الجنرال قاسم سليماني، رئيس فيلق القدس، وحتى هذه اللحظة لم تنف دولة قطر رسميا هذا اللقاء.
الزيارة جرى اعتبارها محاولة قطرية للبراءة والنأي بالنفس من اعلان الرياض في الحرب على الارهاب، وتحشيد كل القوى ضد إيران باعتبارها الراعي الأكبر له، حتى أن المملكة أوعزت للإدارة الاميركية إصدار بيان يطالب دولة قطر بالالتزام بقرارات قمة الرياض الإسلامية في محاربة الإرهاب، وطفح الكيل السعودي الإماراتي عندما بادر الأمير تميم إلى الاتصال بالرئيس الإيراني حسن روحاني يوم 27 أيار (مايو) الماضي، مهنئا بقدوم شهر رمضان، ومؤكدا على توجه قطري جديد بتعزيز التعاون بين البلدين.
الرد القطري على كل هذه التحركات يبدو متحديا، وغير عابيء بها، وعبرت عنه أفضل تعبير صحيفة “الراية” القطرية المقربة من الأميرين الحالي والسابق، عندما قالت في افتتاحية لها “انبحوا كيفما شئتم.. فلن تغير قطر ثوابتها”، وقال رئيس تحريرها السيد صالح الكواري “إن الإعلام المفلس لا يجد من أهل الخليج {الفارسي} والشارع العربي إلا الاحتقار والهوان”، بينما تنبأت صحيفة “الشرق” بفشل الحملة ضد قطر لأن “البراميل الفارغة مهما علا صوتها لن تنال من المواقف المشرفة لدولة قطر”، بينما اتهمت صحيفة “العرب” محطة “سكاي نيوز” الإماراتية بأنها حرفت تصريحاً للمتحدث باسم الخارجية الأميركية واتهمتها بالكذب وتزوير الحقائق.
تمسك قطر بثوابتها يعني المضي قدماً في دعم حركة “الإخوان المسلمين” وتعزيز العلاقات مع إيران، واعتبار “حزب الله” وحركة “حماس″ حركات مقاومة وطنية ـ الأمر الذي سيصب المزيد من الزيت على جمر الحرب الملتهب.
القطريون يتساءلون، مثلما ورد على لسان أحدهم، عن وجود تناقض الموقف السعودي، ويقولون كيف تتعاون السعودية مع حزب الإصلاح الإخواني في اليمن وتدعمه، بينما تعارض حركات الإخوان في مصر و”حماس” في فلسطين، والنهضة في تونس؟ وهو تساؤل مشروع، ولكن هناك من يرد بالقول إن إخوان اليمن غير إخوان مصر، وانهم يقاتلون حاليا في خندق “الشرعية”، وليس في خندق المعارضة، ولكنها تظل إجابات غير مقنعة.
تمسك قطر بثوابتها يعني عدم استعدادها لتقديم أي تنازلات أو التجاوب لكل ما هو مطلوب منها والمذكور آنفا، ولعلها تعتمد على قاعدة عسكرية تركية موجودة قرب الدوحة تضم طائرات وحوالي 300 جندي، وحسب بعض التقارير غير الرسمية هناك 1000 جندي، واتفاق دفاع مشترك مع تركيا، وربما تلوح أو تهدد قطر بتحويل قاعدة العيديد إلى قاعدة روسية في حال خروج الأميركان منها.
**
محاولة شق الأسرة الحاكمة في قطر، والتلويح بإنقلاب سادس قادم من قبل صحيفة “الرياض” السعودية هو “إعلان حرب”، ورفع سقف التصعيد إلى أعلى المستويات، والحروب تبدأ عادة بالتهديدات والتلاسن الإعلامي، وتتطور إلى لغة الطائرات والدبابات والصواريخ.
الزيارة التي يقوم بها الشيخ محمد بن زايد، ولي عهد ابو ظبي ونائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، والحليف الأوثق للأمير محمد بن سلمان، ولي ولي العهد السعودي، إلى الرياض مساء اليوم، ربما تركز على بحث “المرحلة الثانية” ومتطلباتها فيما يتعلق بكيفية التعاطي مع دولة قطر، أما الحديث عن بحث الأوضاع في اليمن فهو مجرد تغطية.
الشيخ محمد بن زايد يوصف بأنه “الرجل الصامت” ويعتبر من أهم حلفاء واشنطن في المنطقة وأقواهم، لا يكن أي ود لرجال الحكم في قطر، ولا نستبعد أنه يحمل في جعبته بعض الأفكار العسكرية والسياسية المتعلقة بالصراع مع قطر، وربما يفيد التذكير بأنه كان من أبرز المخططين والمنفذين في الجانب الإماراتي لمحاولة اقتحام القصر الأميري في قطر، والإطاحة بالأمير السابق عام 1996.
التحشيد السعودي الإماراتي ضد قطر دخل مرحلة كسر العظم، وليس أمام قطر إلا أحد خيارين: الاستسلام أو الاستسلام، وإذا صحت الأخبار التي تقول إن الأمير السابق حمد بن خليفة هو الذي يقود غرفة عمليات إدارة الازمة، فإن خيار الاستسلام قد يكون غير وارد، وهناك من سمعه يقول أثناء “حرب الخفوس” (1992) إنه كان يريد القتال حتى آخر لحظة ويتطلع إلى الموت واقفاً وبشته (عباءته) على كتفيه”.
نحن في هذه الصحيفة “رأي اليوم” غير متفائلين بحل سلمي للأزمة، ونتوقع الأسوأ للأسف الشديد، بالنظر إلى أعمال التحريض المتبادل وغياب الوساطات، ونأمل أن يكون تشاؤمنا في غير محله.
* عبد الباري عطوان ـ رأي اليوم