المصطفى ولد بدر الدين فى حوار صريح : إنقلاب 6 أغسطس أدخل موريتانيا في نفق مظلم
فى مقابلته اليوم مع صحيفة الراية القطرية ، هاجم السيد المصطفي ولد بدر الدين نائب رئيس حزب اتحاد قوي التقدم، والنائب في الجمعية الوطنية الموريتانية ورئيس الفريق البرلماني لجبهة الدفاع عن الديمقراطية قادة انقلاب السادس أغسطس في موريتانيا واتهمهم بإدخال البلاد في نفق مظلم والتسبب في تقسيم البلاد إلي معسكرين متنافرين، وقال ولد بدر الدين فى هذه المقابلة إن الانقلابيين أصيبوا بنكستين خطيرتين في الأيام الأخيرة، الأولي تتمثل في امتناع حزبين معارضين كانا أهم سند للعسكريين في الأيام الأولي للانقلاب، من المشاركة في الحكومة. أما الانتكاسة الثانية فهي إرغام العسكريين من طرف المجتمع الدولي علي فتح الباب للاتصال برئيس الجمهورية، وهو في مقر إقامته الإجبارية، مما يعني أن العسكريين فشلوا في طي صفحة سيدي محمد ولد الشيخ عبدالله وتجاوزه . وفيما يلي نص المقابلة:
ما هو تقييمكم لمجمل الأحداث التي تشهدها الساحة الموريتانية بعد انقلاب السادس أغسطس؟
– لقد زج الجنرال محمد ولد عبد العزيز بالبلاد في نفق مظلم باستيلائه بطريقة فجة علي السلطة يوم السادس من أغسطس 2008، واعتقاله لرئيس الجمهورية المنتخب ولم تمض إلا ساعات قلائل بعد هذا التصرف الطائش، حتي انقسمت البلاد إلي معسكرين متنافرين:
معسكر المناوئين للانقلاب والذين لم يضيعوا الوقت وانتظموا في نفس اليوم في إطار الجبهة الوطنية للدفاع عن الديمقراطية، ونزلوا إلي الشارع بصورة جريئة ومتواصلة، بحيث لم يمر يوم واحد منذ السادس أغسطس إلا ونظموا فيه مهرجانا أو مسيرة، أو اعتصاما، وقد استطاعت هذه الجبهة في وقت قصير أن تضم إلي جانبها جميع المركزيات النقابية، ومنظمات المجتمع المدني، وعدة أحزاب أخري.
وفي الجهة المقابلة يقف المجلس الأعلي للدولة ومجموعة النواب محاولين بسط سيطرتهم علي جميع مؤسسات الدولة، وكسب المشروعية الوطنية والمحلية معتمدين علي تسخير وسائل الإعلام العمومية التي أبعدوا عنها الآراء المخالفة وملأوها بالمواد الدعائية الموالية،غير أن الوضع يتطور في صالح الجبهة الوطنية للدفاع عن الديمقراطية، علي حساب الانقلابيين، حيث وقفت المجموعة الدولية بدون استثناء ضد الانقلاب، وطالبت بعودة الشرعية والنظام الدستوري، وبدأت في تنفيذ عقوبات انتقائية ضد الانقلابيين وحلفائهم المدنيين،كما أصيب التحالف الانقلابي بنكستين خطيرتين في الأيام الأخيرة، الأولي تتمثل في امتناع زعيم المعارضة وحزبه من المشاركة في الحكومة المزمع تشكيلها، ومن المعروف أن هذين الحزبين كانا أهم سند للعسكريين في الأيام الأولي للانقلاب.
أما الانتكاسة الثانية فهي إرغام العسكريين من طرف المجتمع الدولي علي فتح الباب للاتصال برئيس الجمهورية، وهو في مقر إقامته الإجبارية، مما يعني أن العسكريين فشلوا في طي صفحة سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله وتجاوزه.
أعلنت غالبية البرلمانيين دعمها لما اعتبرته حركة تصحيحية وتم استدعاء دورة برلمانية طارئة، رفضها رئيس الجمعية الوطنية، وقاطعها فريقكم البرلماني، هل ترون مخرجا من هذه الأزمة، غير عودة الرئيس السابق إلي السلطة؟
– ما سمي بالدورة البرلمانية الطارئة التي دعا إليها بعض النواب، كان الهدف منها إضفاء الشرعية علي الانقلاب، غير أنها لم تستوف الشروط الدستورية والقانونية وبالتالي لا يمكن تسميتها دورة برلمانية فالدستور في مادته 53 ينص علي أن رئيس الجمهورية هو وحده المخول دعوة دورة طارئة، هذا أولا، وثانيا لابد أن يرسل طلب الدعوة للدورة الطارئة من طرف رئيس الجمعية الوطنية، وثالثا لابد أن تتم المصادقة علي جدول أعمال الدورة من طرف مجلس الرؤساء الذي يرأسه رئيس الجمعية الوطنية.
وكل هذه الشروط لم تتوفر، فالذي وجه الدعوة هو الجنرال محمد ولد عبد العزيز وليس رئيس الجمهورية المنتخب سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله،والذي أرسل طلب الدعوة هو نائب رئيس الجمعية الوطنية العربي ولد جدين، وليس رئيس الجمعية الوطنية السيد مسعود ولد بلخير مع أنه موجود في نواكشوط.
وجدول الأعمال المقترح لهذه الدورة المزعومة لم تتم المصادقة عليه من طرف مجلس الرؤساء، وبالتالي فليست هناك دورة برلمانية إطلاقا، وكل ما هناك هو جماعة تحاول عن طريق وسائل الإعلام الموجهة إيهام الرأي العام بأنها البرلمان، وأن البرلمان يدعم الانقلاب.
وحول سؤالكم عن المخرج من الأزمة فهو يمر حتما عن طريق عودة الرئيس إلي ممارسة مهامه، ثم الدخول في مفاوضات بين القوي السياسية، بعيدا عن تدخل الجيش لإيجاد حل جماعي للمشاكل التي أدت إلي هذا الانقلاب بما فيها وضع الانقلابيين أنفسهم.
تري بعض الأوساط المؤيدة للانقلاب أن السلطات الحالية أصبحت تستمد شرعيتها من تأييد غالبية أعضاء البرلمان المنتخبين بشكل ديمقراطي، وأيضا من الدعم الشعبي الكبيرالذي عبر عنه المواطنون في مختلف نواحي موريتانيا.. ما رأيكم في ذلك؟
– البرلمان في موريتانيا ليس من صلاحياته انتخاب الرئيس ولا إقالته، لأن الرئيس ينتخب في اقتراع عام من طرف الشعب مباشرة، ولا تمكن إقالته أثناء مباشرة مهامه إلا إذا قرر هو إجراء انتخابات رئاسية سابقة لأوانها ولم يحصل علي الأغلبية،أو تمت محاكمته من طرف محكمة العدل السامية والحكم عليه بالخيانة العظمي وكل هذه الأمور لم تحدث حتي الآن. وأما السلطات الانقلابية فهي جماعة خارجة علي الدستور الموريتاني وعلي الجمهورية الإسلامية الموريتانية، ولوتلقت دعما حقيقيا من كافة الناس.
يشمل جدول أعمال الدورة البرلمانية الطارئة، نقاطا من بينها، تشكيل لجان للتحقيق في تسيير بعض المؤسسات، وهو ما يعتبره البعض مؤشرا علي محاربة الفساد وحماية المال العمومي، هل توافقون علي هذا الطرح وما مبرر رفضكم أو قبولكم له؟
– لا وجود لدورة برلمانية كما سبق أن أوضحت، لأن شروط الدورة البرلمانية منعدمة، والمعدوم شرعا كالمعدوم أصلا كما يقول الفقهاء، أما النقاط المثارة من طرف ما يمكن أن نسميه ندوة أو مأدبة، أو أي شيء آخر إلا دورة برلمانية، فهي نقاط تفوح منها رائحة الانتقام وتصفية الحسابات، فالتحقيق لن يتم إلا مع زوجة الرئيس المطاح به بالقوة، وإلا في تسيير رئيس مجلس الشيوخ المساند للرئيس، أو في الخطة الاستعجالية التي كان يديرها رئيس الوزراء المسجون، ولن يتم التحقيق في مالية قيادة الأركان الخاصة،أوفي ميزانية فرقة المدرعات، واللتين يقودهما الجنرال محمد ولد عبد العزيز، ولن يتم التحقيق طبعا في الأموال الطائلة التي تم صرفها أثناء المرحلة الانتقالية من طرف المجلس العسكري في ظروف غامضة، هذه مجرد أمثلة قليلة من كثير.
نحن نرفض هذا النوع من استخدام شعارات طيبة لأغراض غير طيبة.
وعد رئيس المجلس العسكري الحاكم، بإصلاحات واضحة تنعكس علي أوضاع السكان وظروفهم المعيشية، كما تحدث بذلك بعض قادة المعارضة السابقة عن تعهدات في هذا المجال، هل يمكن أن نري تغييرا في مواقفكم إذا ما تأكدت جدية هذه الالتزامات؟
– سمعنا كلام الجنرال عن إصلاحات تنعكس علي أوضاع الناس، وأن التفكير في مشاكل المواطنين لا يترك له مجالا للنوم، وسمعنا الزعيم أحمد ولد داداه يشهد له بالصدق والوطنية قبل أن يتراجع أخيرا، ولكن من كلف الجنرال بحل مشاكل المواطنين حتي تمنعه من النوم؟ الجنرال تم تكليفه بمهمة واحدة وهي حماية رئيس الجمهورية حتي لا يصيبه أذي،فهل قام بتلك المهمة علي احسن وجه أم فرط فيها؟ أين رئيس الجمهورية الإسلامية الموريتانية الذي كان هذا الجنرال مكلفا بحمايته؟ الشعب الموريتاني لم يره ولم يسمع عنه منذ السادس أغسطس 2008.
ثم من جاء بهذا الجنرال ومجلسه الأعلي للدولة، ومن كلفه برئاسة الدولة الموريتانية خرقا للدستور الموريتاني الذي صادق عليه المواطنون.
علي الجنرال أن يجيب علي هذه الأسئلة قبل كل شيء.
تتصاعد منذ الإطاحة بالرئيس السابق سيدي ولد الشيخ عبد الله،التهديدات الخارجية، بفرض عزلة وعقوبات دولية ضد السلطات الجديدة، فهل تقبلون في جبهة الدفاع عن الديمقراطية ان تشاركوا في إثارة مزيد من الأزمات والقلاقل في بلدكم؟
– الأزمات والقلاقل سببها الوحيد هو تغيير النظام الدستوري بالعنف، والاستيلاء علي السلطة بالطرق غير الدستورية، هذا العمل من طرف الجنرال محمد ولد عبد العزيز وحده شكل خرقا للإجماع الوطني الذي عقده الشعب الموريتاني من خلال التشاور الذي أوصل إلي إجماع حول التعديلات الدستورية والنصوص القانونية التي أسست الانتخابات شفافة ونزيهة أفضت إلي انتخاب برلمان ورئيس جمهورية اعترف الجميع بسلامتها.
وهذا العمل شكل أيضا خرقا سافرا للاتفاقيات التي عقدها المجلس العسكري للعدالة والديمقراطية مع المجتمع الدولي، فقد وقع هذا المجلس علي أربع وعشرين اتفاقية مع الاتحاد الأوربي مثلا، يتعهد فيها باحترام نتائج الانتخابات، وبالانسحاب الطوعي من الحياة السياسية والعودة إلي الثكنات، وعلي أساس هذه الاتفاقيات تم ضخ أموال طائلة لتنظيم الانتخابات وإنعاش الاقتصاد الوطني، فمن الطبيعي أن تعتبر هذه الأطراف أن من قام بهذا العمل الخطيرلا يستحق الثقة ولا يصلح كطرف يتم التعامل معه وليس باستطاعة أحد أن يثبت عكس ذلك، وعلي كل حال فليست جبهة الدفاع عن الديمقراطية بقادرة علي تزكية هؤلاء الانقلابيين،ولن تبذل اي جهد في ذلك السبيل لأنه ليس من عملها.
هل لديكم معلومات تؤكد أو تنفي ما ذكره رئيس المجلس الأعلي للدولةوبعض البرلمانيين، من وجود أدلة وبراهين قاطعة علي أن الرئيس السابق، حاول رشوة بعض البرلمانيين، مقابل تغييربعض مواقفهم؟
– أنتم تسألون عن تصرفات مزعومة قام بها رئيس الجمهورية، ونحن نسأل عن مصير رئيس الجمهورية نفسه، الذي تم اختطافه من منزله صبيحة يوم السادس من أغسطس من طرف من كان مكلفا بحمايته.
عجبا لهؤلاء الذين يختطفون رئيس الجمهورية ويخضعونه لظروف الاعتقال الانفرادي، بدون أن يستندوا علي أسس قانونية بل خرقا للدستور، وبعد ذلك يبحثون عن أدلة لاتهامه وربما لمحاكمته.
ومع ذلك فسأرد علي سؤالك بوضوح: لا نملك أي دليل علي أن الرئيس قدم رشاوي للبرلمانيين لتغيير مواقفهم، ونتحدي أيا كان ان يثبت ذلك، ولكننا نملك أدلة قاطعة علي أن رئيس الجمهورية المنتخب تم اختطافه وإخضاعه للحبس الانفرادي من طرف الجهة التي كانت مكلفة بحمايته، وهذه جريمة يعاقب عليها قانون الجمهورية الإسلامية الموريتانية، ونحن نطالب بتطبيق القانون علي مرتكبيها.
هل انتم واثقون من أن عودة ولد الشيخ عبد الله إلي السلطة التي تتمسكون بها يمكن أن تمر بسلام، ولن تتسبب في إثارة مشاكل أكثر خطورة مما يحدث الآن.
– نحن لا نعتقد أن هناك ماهو أخطر علي بلدنا الذي أقام للمرة الأولي نظاما ديمقراطيا تعدديا، يتوفر فيه المواطنون علي كافة الحريات العمومية والفردية، من العودة به في لحظة عين، إلي نظام الدكتاتورية العسكرية، وما يترتب عليها من الظلم والفساد والفقر.
يراهن بعض مؤيدي الانقلاب علي أن بوادر الانقسام والتفكك سرعان ما ستبدأ بين مختلف أطراف جبهة الدفاع عن الديمقراطية المكونة من قوميين ويساريين وإسلاميين، بدليل أن العلاقة بين هذه التيارات في موريتانيا لم تكن أبدا علي مايرام، كيف تردون علي ذلك؟
– المؤشرات المتوفرة الآن تثبت عكس ذلك، فالذي نشاهده اليوم هو تفكك جبهة الانقلابيين، وتوسع وتوطيد الجبهة الوطنية للدفاع عن الديمقراطية، فامتناع تكتل القوي الديمقراطية، والتحالف من أجل العدالة، والديمقراطية المباشرة عن المشاركة في الحكومة العسكرية، يعتبر نذير شؤم علي الطغمة العسكرية، لأنها لن تستطيع مهما فعلت ان تعوض الخسارة التي ألحقها بها هذا الامتناع من المشاركة في حكومتها، وسوف تنتج عن ذلك انسحابات داخل أغلبيتها البرلمانية، ثم إن الضغط الداخلي والضغط الدولي، وامتناعها هي من الاستجابة لنداءات الجبهة الوطنية، والمعارضة التقليدية، والمجتمع الدولي سوف يوقعها في عزلة ستزيد من تفككها وانقسام جبهتها الداخلية.
أما الحديث عن التناقضات الأيديولوجية بين مكونات جبهة الدفاع عن الديمقراطية، وتأثيراتها السلبية المحتملة علي وحدة الصف، فلا مكان لها إذ أن ما يوحد الجبهة هو مطلب واحد وهو عودة الشرعية والديمقراطية، وإزاحة النظام العسكري، وهذا المطلب ليس محل نزاع أيديولوجي بين مكونات الجبهة، وعندما يتحقق هذا المطلب فكل سوف يمارس خياراته السياسية والأيديولوجية باستقلالية تامة، أما في الوقت الراهن فإن الحكم العسكري يخنق الجميع لأنه يرفض الحرية.