مقالات

نعمه عمر يكتب: لهذه الأسباب لن أتخلف عن قطار التغيير

لقد واكبت بكل إصرار تداعيات الأحداث التي قادت إلى تغيير السادس من أغسطس، وتأسفت حينها كثيرا على الأوضاع التي آلت إليها الدولة الموريتانية، وكنت على يقين من أن الديمقراطية قادرة على تصحيح أخطائها من الداخل، دون اللجوء إلى أساليب قد توصف بأنها عنيفة.

تمسكت بهذا المبدأ اعتقادا مني أن الانحراف حاصل في المسار وليس في الشخوص، بل شككت كثيرا في صدقية المجموعة التي كانت تدافع عن التغيير وتبحث له عن مصوغات، ومن هؤلاء المجموعة البرلمانية التي وصفت حينها بـ “الكتيبة البرلمانية” بسبب دعمها للعسكر.. لا أخفي حقيقة أنني لا أجد مكانا لأصحاب البزات الرمادية إلا في الثكنات العسكرية، لكن التجربة علمتنا أن المؤسسة العسكرية هي المؤسسة الوحيدة المنظمة في العالم الثالث والتي تتميز بالتزام أفرادها “نفذ ثم ناقش”، الأمر الذي خولها أن تتدخل كلما دعت الضرورة لتقويم الاعوجاج الذي يظهر بين الفينة والأخرى، رغم أن الإكراهات قد تفرض التدخل في وقت مبكر للغاية، وقد تكون مبررة في مجملها، لأسباب تتفاوت موضوعيتها من شخص لآخر.

ورغم أن المبادرات العسكرية تتقدم أشواطا على نظيرتها المدنية كان الأمل معلقا على أن تكون الأولى سندا، لتعزيز هيبة الدولة وسلطتها، وأن يكون الطابع المدني طاغيا على المكونة التي اختيرت لقيادة البلد، دون إغفال دور للمؤسسة العسكرية في التوصيفة ولو من خلال النموذج التركي.

المهم هو أن الجيش قام بدوره الوطني عندما أزاح مومياوات الفساد عن الطريق وأسس نظاما وطنيا، حارب الفساد والمحسوبية والجهوية والقبلية، كما برهن على بعده القومي والسيادي عندما وضع حدا للعلاقات المخزية مع الكيان الصهيوني، وأنشأ ديوانا للمظالم، يتلقى من خلاله رئيس الجمهورية شكاوى المواطنين بشكل مباشر.

لم تكن جميع تلك الانجازات كافية لأن أدعم المرشح محمد ولد عبد العزيز، لأنها كانت مشوبة بعراقيل جمة أبرزها انتخابات 6/6 ليقيني أن أي طرف لن يكون قادرا على إدارة شؤون البلد بمفرده، هذا مع التوجس بأن كل شعارات الإصلاح مجرد دعاية انتخابية، والسياسي الناجح كما يقول المثل الإنكليزي هو من يعد ببناء جسور حيث لا توجد أنهر.

لكن الرئيس ولد عبد العزيز برهن للعالم استعداده لقبول كل الشروط الموضوعية وغير الموضوعية أثناء مفاوضات داكار، وخلق ذلك جوا مناسبا لزرع الثقة بين فرقاء الأزمة، وتم الاحتكام إلى صناديق الاقتراع، ولفرط الثقة في الضمانات المتوفرة، توعد البعض بهزيمته وإرساله إلى منزله، لكن أتت الرياح بما لا تشتهي السفن.

فاز ولد عبد العزيز، بنسبة مريحة، مكنته من حسم المعركة في الشوط الأول.. يومان وفرسان المعركة الانتخابية واقعين تحت هول الصدمة، وإن كان البعض حاول استباق الأحداث وتحدث عن عملية تزوير ممنهجة، لا قائل يقول بها، بشهادة المراقبين الدوليين، ونظرا لعدم وجود دلائل عينية، وجد زعيم المعارضة مستحسنا لفظيا يبرر به قبوله النتائج ولو على مضض عندما قال: “لقد حسمت الانتخابات من الناحية القانونية لكنها لم تحسم من الناحية السياسية على الإطلاق”، وسايره في هذا التأويل زعيم حزب التحالف ومرشح الجبهة السيد مسعود ولد بلخير.

ورغم اعتراف غالبية المرشحين الذين نافسوا رئيس الجمهورية محمد ولد عبد العزيز، بالنتائج بما في ذلك عضو الجبهة السابق مرشح حزب تواصل محمد جميل ولد منصور في خطوة عبرت عن نضج التيار الإسلامي في موريتانيا وإتقانه فن اللعبة السياسية، انبرى المرشح اعل ولد محمد فال، ليرفض النتائج ويعلن عدم القبول بها جملة وتفصيلا، مهددا كما فعل عند تأديته لواجبه الانتخابي بأنه سيواجه التزوير بشتى الوسائل، لكنه هذه المرة لوح بوسائل غير ديمقراطية لمواجهة ما وصفه بسلب إرادة الناخبين.. غفل ولد محمد فال أو تغافل، عن حقيقة مفادها أن جميع أوراق اللعبة استنفدت، وأن حلفاءه على المستويين المحلي والدولي، أداروا ظهورهم للفرس الذي لا يعرف كيف يربح الرهان، والذي يحاول يائسا النهوض من كبوته، ولم تنسى قاعدة عريضة تمثل التيار الإسلامي إصراره على عدم الترخيص لحزب تنتظم فيه نسبة تناهز 5% من الذين تجاوزت أعمارهم 18 سنة.

الآن وقد وضعت الحملة الانتخابية أوزارها وتأكد للجميع أن الشعارات التي حملها رئيس الجمهورية وتوجته على هرم السلطة، كانت وراء فوزه المستحق، وكما قال الرئيس الشهيد صدام حسين: “أين الخطأ في الشعارات التي كنا نحملها، هل تريدون أن أقول بأن نفط العرب لغير العرب أم تريدون أن أقول بأن ليس للفقير حق في مال الغني”.. لقد أعلنها أيضا ولد عبد العزيز حتى وهو ينصب رئيسا للجمهورية، حربا على الفساد والمفسدين، فطوبى له، لا أقل من أن ندعمه أو على الأقل نمنحه الفرصة، كما فعل 52% من الناخبين الموريتانيين، وذلك أضعف الإيمان.

ملاحظة: سيقول البعض لماذا لا ألتزم الحياد، وسأرد قائلا: أنا لست جمادا لأكون محايدا فالمطلوب مني كصحفي هو أن أكون موضوعيا، وقد حاولت قدر الإمكان، فما أنا إلا بشر، أفرح وأتألم، أضحك وأبكي، أحب وأكره.

– محمد نعمه عمر

عضو التصحيح الوطني من اجل موريتانيا الجديدة

رئيس التحرير السابق لموقع حملة المرشح اعل ولد محمد فال ـ النسخة العربية

مواضيع مشابهة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضا
Close
Back to top button