مقالات

الرسوب الكبير/ نبيل منصر/n.mansar@yahoo.fr

مرة أخرى يرسب العرب في امتحان اليونيسكو. وينضاف سقوطهم إلى ما راكمناه في سجل الهزائم من نتائج ودرجات الاستحقاق. كُلما عثرنا على عُنوان المباراة الدولية، إلا وحملنا رزمة أوراقنا غير المجدية، وهرعنا أمام أقسام الامتحان، لنختبر حظوظنا وأملَنا المغشوش، دون أن نكلف أنفسنا، ولو في أوقات الفراغ، بمراجعة دروسنا الأساسية، في مادة الديمقراطية وحقوق الانسان وكل ما يتصل بالتمنية الإجتماعية والسياسية والثقافية، التي تحتاج إليها مجتمعاتنا مثل حاجتها إلى الهواء. نهرع للامتحان، ونعول فقط على مصداقية الأصدقاء في قارات الديمقراطية، في دعم حظوظنا، التي هي عبارة عن ورقة بيضاء، لا نجد كلمة مشرفة نخطُّها عليها، فتبقى رهينة بمزاج الآخر وحساباته الدقيقة.
ربما كانت اليونيسكو المنظمة الوحيدة، من بين كل أجنحة هيئة الأمم المتحدة، التي تتيح للعرب والأفارقة والمتخلفين عموما، التباري للجلوس على مقعد رئاستها، والتحكم، من ثمة، في الضمير الأخلاقي العالمي، الذي يحرص على حماية الثقافة والبيئة والتراث والمعمار والفنون والساحات والمواقع التاريخية والرمزية، على نحو لا يرسخ فقط الوعي بضرورتها في الحياة، وإنما يخطط أيضا لبقائها واحترامها عبر برامج الدعم والتموين، التي تُؤسس لها وضعا استثنائيا، لا يُمكن إلا أن يمددِّ في عمرها سنوات وربما قرونا أخرى. إنه دور حيوي وخطير، رغم كل شيء، فكيف يمكن أن نتبارى على رأس المسؤولية فيه، ونحن مجردين إلا من ورقة التوت، التي لا يمكن أن تُفيدُنا ابداً في تحصيل أوراق النجاح الضرورية، في مثل هذه المواقف؟
فاروق حُسني مرشح مصر والعرب قاطبة من المحيط إلى الخليج. هذه نقطة استطعنا أن نتوحد فيها. رُبما لأننا كنا نريد للسقوط أن يكون رصيدا قوميا، فلا يتجزأ بدوره على هوياتنا القطرية. وربما أيضا لأننا كنا نريد أن نسقط مرة واحدة وينتهي الأمر، فلا نضطر لإحصاء خسائرنا الكبيرة أكثر من مرة. نحن في المغرب كنا أذكياء ومتضامنين، فانسحبنا في الوقت المناسب، ولم نترك لنا مجالا للحظ. انسحبنا وتركنا الملعب لمصر، لِتُحرك الخيوط الخفية، التي تستطيع أن تقايضها بأدوار على ساحة المتوسط، فبدا الفوز قريبا، وفي المتناول، بالرغم من تلك الفقاقيع التي فجرتها إسرائيل، في وجه فاروق حُسني، الذي كان يرغب مرة في إسكات أفواه الإخوان المسلمين، فإذا به ينطق بما جعل أفواه الصهيونية تترصده في الطريق إلى الملعب الدولي.
فِعلا كنا عقلاء، هذه المرة، واستطعنا أن نحصر السقوط في رقم 1. مصر وحدها انهزمت. هي الأكثر تطبيعا مع إسرائيل، تسقط نتيجة مؤامرة الصوت الصهيوني الداعم لها في العالم. هذه مفارقة يجنيها مَن يَذهب بعكس إرادة شعبه. يجنيها أيضا من يُعوِّل على الخارج، وكأن مواطني الداخل مجرد كومبارس، لا أولويات لهم ولا رأي. إن المسؤوليات الدولية، وإن كانت تخضع لحسابات دقيقة، فهي تبقى ضمن قواعد الديمقراطية، التي لم ترد مصر، ومن ورائها جل الدول العربية، أن تتعلم دروسها الأولية بعد. نرغب في حماية العالم من التصحر الثقافي والفني، ولا ننتبه للانجرافات الروحية التي بدأتْ تهدد أوطاننا بسبب النقص الفادح في منسوب الحرية والديمقراطية وفرص العيش الكريم.
نحن في المغرب، يمكن أن نصبر على هذا السقوط الجديد. وهو في كل الأحوال ليس سقوطنا الشخصي. لكن الإخوان في مصر ربما تعاظمتْ مصيبتهم، ليس فقط لأن المنصب الثقافي الأممي داعب أحلامهم قبل أن يذهب إلى البلغار، بل لأن فاروق حسني شخصيا سيستمر في الجلوس على أنفاسهم الثقافية، لفترة أخرى غير محددة، هم الذين كانوا يعتقدون أن «عاصفة» اليونيسكو ستبعده أخيرا عن ديارهم.

– صحيفة المساء (المغربية)

مواضيع مشابهة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button