أخبار

كباش” موريتاني بين المعارضة والنظام /الخليج

هنا في “نوق الشط” حيث اصطحب الكثير من الموريتانيين معهم حيواناتهم إلى المدينة، فتسمع ثغاء الماعز، ورغاء الإبل، ونهيق الحمير، بين العمارات والقصور والمنازل وفي الأزقة والحواري، من الحتمي أحيانا أن يعود المحلل السياسي للألفاظ البدوية لإعطاء صورة عما يجري عن الصراع السياسي المتجدد أسبوعياً.لذلك نختصر الوقت والجهد ونقول إن القوى السياسية الموريتانية، أو المعارضة والنظام دشنا هذا الأسبوع “المكابشة”، فالصراع انطلق من جديد بين نظام الجنرال عزيز والمعارضة الموريتانية العنيدة والصبورة إلى حد يعجز عنه الوصف.

فبينما كان الموريتانيون ينتظرون في أيام العيد “فرحة الصائم”، وتبادل الغفران بهذه المناسبة، كان الطرفان (المعارضة والنظام) قد جهزا أدوات المعركة على الرأي العام، معركة “جس نبض”، ثم “إثبات ذات”، ثم “تحديد مصير”.

بدأت المعركة إذاً هذا الأسبوع بين المعارضة الساعية لعدم استكمال الرئيس عزيز ولايته الانتخابية، والجنرال الساعي للفوز بولاية ثانية بعد خمس سنوات.

البداية من زعيم المعارضة أحمد ولد داداه الذي أصدر حزبه بيانا شديد اللهجة وصف فيه السلطات بالعجز عن مواجهة الواقع المتردي والكوارث الناتجة عن الفيضانات في موسم الأمطار، وخلص ولد داداه إلى أن الأزمة الموريتانية لا تمكن معالجتها من دون بناء التجربة الديمقراطية على أسس سليمة معتبرا أن التزكية التي حصل عليها انتخاب ولد عبد العزيز من بعض الجهات الدولية لن تغير من الأمر شيئا.

واتفق المراقبون على أن لهجة ولد داداه اتخذت “منحى القطيعة” مع ولد عبد العزيز، وهي نفسها اللهجة التي تمسك بها زعيم المعارضة في عهدي ولد الطايع وولد الشيخ عبد الله.

ثم خرج حزب “تواصل” (التيار الإسلامي) الموريتاني، وهو من المعارضة التي اعترفت بنتائج الانتخابات، عن صمته وأصدر موقفه الذي تلخص في عجز السلطات عن التصدي للتحديات التي تواجه البلد.

وقال الحزب في بيان له “تراكمت المشاكل والتحديات على البلد في الفترة الأخيرة خصوصا على المستوى المعيشي والاجتماعي”.

وتحدث عن ارتفاع الأسعار، و”ضعف الدولة وأجهزتها”، وعن مشردي الفيضانات وأزمة الكهرباء في العاصمة نواكشوط.

وقرأ المراقبون في بيان الحزب بهذا الخصوص “تصعيداً” ضد النظام الجديد الذي كان الإسلاميون أول من اعترف به من معارضي الانقلاب ثم أعربوا عن استعدادهم للمشاركة في السلطة من دون أن يتلقوا جواباً حتى الآن.

بعد هذين الجناحين، أصدرت أحزاب “الجبهة الوطنية للدفاع عن الديمقراطية” (حلت في المرتبة الثانية في الانتخابات الرئاسية وتتولى رئاسة البرلمان) بيانا أعلنت فيه تضامنها مع ضحايا الفيضانات، وطالبت الحكومة “بتحمل مسؤولياتها واتخاذ إجراءات صارمة وملموسة من أجل التخفيف من معاناة المواطنين وإصلاح الدولة بتكريس الشفافية وحسن التسيير والابتعاد عن الديماغوجية”.

وحذرت الجبهة من “أن الظرفية الصعبة الراهنة تتطلب وثبة جادة وإصلاحات سياسية واقتصادية جذرية”.

القاسم المشترك بين هذا “الثلاثي” المعارض هو تصميمه على الدعوة للحوار بين أطراف الأزمة الموريتانية، ولكن من الواضح أن “حوار ولد داداه” يعني في النهاية اللجوء إلى انتخابات رئاسية مبكرة، فيما يعني “الحوار” في “فلسفة” الجبهة و”الإسلاميين” التوصل لاتفاق يقضي بالمشاركة في الحكم.

ذلك أن تجليات كواليس الجبهة تكشف عن حقيقة وهي أنها لن تقبل بأن يظل الآلاف من أطرها وقادتها مهمشين وخارج الدورة الاقتصادية للدولة، خاصة أن أغلب هؤلاء من “مصاصي الوظائف المهمة” خلال العقود الماضية، وليس من السهل فطامهم عن كعكة “المال العام” بهذه السهولة.

لكن الجنرال لم يتأخر في الرد على هذا الهجوم الذي تزامن مع تراكم الأوضاع السيئة، فقد دعا في خطاب العيد القوى الحية في البلد “للمساهمة بإخلاص في القضاء على الأزمة الأخلاقية التي يعيشها المجتمع”، واختار يوم العيد بالذات ليزور المرضى ويصدر تعليماته بتحسين وضعية المستشفيات فورا، كما أعلنت الحكومة مباشرة تسوية المشاكل المستجدة وكذلك العمل على تنفيذ البرنامج الانتخابي للرئيس ولد عبد العزيز.

لكن تحرك الجنرال تزامن مع “جديد”، فقد أعلن صندوق النقد الدولي عودة تمويلاته للمشاريع الموريتانية، بل ذهب أبعد منذ لك عارضا تمويل مشاريع جديدة في مجالات الاستثمار في قطاعات المعادن والنفط والصيد، أي القطاعات التي يشكل دخول الصندوق إليها نقلة نوعية على المستويين الاقتصادي والسياسي، واتضح من الموقف الفرنسي والإسباني والألماني أن الأوروبيين ألقوا بكل ثقلهم وراء الجنرال القوي، فيما تمثل الزيارة الحالية لولد عبد العزيز إلى السعودية حصوله على الدعم السياسي العربي بعد أن كانت الجامعة العربية أكبر مساند لولد عبد العزيز في الأزمة الدستورية التي واجهتها موريتانيا قبل سنة.

أما الولايات المتحدة الأمريكية، وبحسب مصادر “الخليج” الخاصة جدا، فلا يهمها الآن سوى إسراع الجنرال الى المشاركة في الحرب المرتقبة على “تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي” وإيجاد موطئ قدم للجيش الأمريكي في الأراضي الموريتانية، وتمهيدا لذلك تسعى أمريكا إلى تمويل الجيش الموريتاني بالأسلحة والمعدات عن طريق “وسطاء”.

ومما لا شك فيه أن الجنرال عزيز يجد نفسه الآن في “بحبوحة” سياسية خارجية لم تتوفر لأي رئيس سابق للبلاد، وهو مستعد ل “المكابشة” و”النطح” بعشرة قرون وليس بقرنين في وجه بدء تدفق الأموال والاستثمارات الخارجية على البلاد وفي ظل الصرامة الجديدة في التسيير والتركيز على محاربة الفقر ووضع مخططات لتحسين أوضاع عشرات الآلاف من الفقراء الذين نقلوا “عزيز” إلى كرسي الحكم عبر الانتخابات.

كما حرك عزيز آلية “الحزب الحاكم” الجديد الذي تجوب بعثاته الآن البلاد تحت شعار استجلاء الوضع قبل انتخابات مجلس الشيوخ، لكن تقارير هذه البعثات والاستخبارات ستكون حاسمة في وقت قريب في ملف آخر من الصراع مع المعارضة.

فالمراقبون يتوقعون خلال الفترة الوجيزة المقبلة، وبعد أن يتنفس البلد من الضائقة المالية التي عانى منها منذ انقلاب السادس أغسطس/ آب ،2008 وهو ما بدأت بوادره هذا الأسبوع مع أموال صندوق النقد الدولي التي عادت لتجري في شرايين البنك المركزي الموريتاني، أن “يفصل” عزيز في غموضه تجاه المعارضة منذ الانتخابات الأخيرة.

وفي هذا الإطار سيكون ملف البرلمان الموريتاني أهم الملفات التي قد يوجه من خلالها الجنرال ضربته القاتلة للمعارضة الموريتانية، فهذا البرلمان تتمتع المعارضة برئاسته ورئاسة لجان فيه، كما تهيمن على جزء مهم منه.. فيما يصفه أنصار عزيز ب”الغنيمة المجانية” التي حصدتها المعارضة في غياب قطب النظام سنتي 2006 و2007.

ومع الحزب الحاكم الجديد، والموقف الدولي القوي الداعم للنظام الجديد، لا يتوقع أحد أن يترك “الجنرال الجريء” القاعة التشريعية للمعارضة تصول فيها وتجول ممسكة بعصا قوية معنويا وماديا وسياسيا إلا في حالة واحدة وهي قبول المعارضة بالاعتراف بالنظام ومهادنته تحت مسمى العمل الظاهري الشكلي، الشيء الذي لن يقبل به زعيم كأحمد ولد داداه أتقن خلال عقدين من الزمن لعبة “النزول للشارع” وتهيئة الأرضيات الصلبة للإطاحة بالأنظمة.

ويدرك عزيز جداً وأنصاره ما ينتظر “قرونهم” الحادة في هذه “المكابشة” التي ستشكل فصلا جديدا من المسرح السياسي في هذا البلد الصحراوي الواقع بين كماشتي المناخ القاسي والسياسة “الظريفة” التي كثيرا ما تبدأ بدابة وتنتهي ب “صندوق اقتراع” غالبا ما يتحول إلى نعش يوصل المشيعين إلى مقابر المعارك السياسية من جديد.

ومع ذلك لا يستبعد أن يأتي “الحوار” المقترح من الطرفين بمعجزة، فعلى الأقل قد يؤخر الصدام، ولكن أهل البادية هنا يقولون إن “الكباش” كلما تأخرت إلى الوراء كانت مناطحتها أقوى.

لذلك فتجليات الأسبوع السياسي في موريتانيا تكشف عن أمر واحد هو شروع النظام والمعارضة بتدشين فصل جديد من الصراع السياسي سيأخذ ملامحه النهائية خلال الأسابيع والأشهر المقبلة.

المختار السالم- صحيفة الخليج

مواضيع مشابهة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button