إلى البرلمان المخلوع.. مجرد أسئلة على هامش الدورة
1. هل الأولى إعادة الإعتبار للمجلس الدستوري المعطل أم استحداث محكمة عدل سامية ؟
2. أليس احترام الدستور الموجود أولى من إجراء تعديلات دستورية لا يضمن الموريتانيون احترامها ؟
3. ألا يعتبر تعطيل الدستور وغياب الرئيس وإغلاق المجلس الدستوري كافيا لإغلاق البرلمان وتوفير مصاريفه ؟
4. هل تركن ضمائر البرلمانيين للجلوس على المنصة لمحاكمة خصمهم الرئيس دون تشكك شرعي وهل فكروا في طلبات الرد الواردة ؟
هذه أسئلة موجهة للنواب والشيوخ السابقين.. الذين كان الشعب الموريتاني يخولهم التشريع باسمه.. قبل أن يصدم ويتفاجأ بوقوفهم ضد دستور الجمهورية الإسلامية الموريتانية.. يقول بعضهم إن السلطة التشريعية مستمرة حتى في غياب الدستور الذي يرقد في العناية المركزة بعد أن بتر بعض مواده وتبرأ منه النواب المغاضبون ووقفوا إلى جانب المعتدين.
بعد الإنقلاب العسكري تفرغ من كانوا بالأمس يشرعون، لتنفيذ مشاريع انتقامية لن تقدم هذا الوطن بقدر ما قد تعصف بتماسكه.. فهل من مصدق بأن الدولة الثكلى في قانونها الأساسي ستفيد من محاكمة رئيسها الشرعي، الشيخ الوقور الذي ينسب له بعض أعضاء البرلمان السابق الأباطيل ويكيل له التهم..
لم أكن ممن صوت للرئيس سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله.. ولكنني شعرت واقتنعت بأن انقلاب 6 أغشت استهدف كيان الدولة الموريتانية ومصالحها العليا ونسف ما كنا نعول عليه من مشروع دولة قانون.. فجأة هبط الذوق القانوني لدرجة التجمد وسمعنا أحد من كانوا أيام الدستور يشرعون يصرح علنا في تلفزيون الدولة بأن الدستور ليس مقدسا (كان ذلك في برنامج الخيمة الرمضانية مساء الخميس 4 سبتمبر 2008) وهذا ما يعتبر، في دولة تدعي احترام القانون منكرا من القول وزورا..
ليكن واضحا بأنه لا ولاية للقانون في موريتانيا الآن وليعلم الذين كانوا ذات يوم نوابا أو شيوخا بأنهم مسرحون وعملهم المدني في هذا الظرف يعتبر غير مشروع ويفتقد للأساس.. حتى برلمان الأطفال (ذلك الذي يريدون أن يشب على النفاق) لا يمكن أن يباشر عمله بالإستناد إلى دستور مشلول لا يزال ينزف بعد أن بترت بعض مواده.
وبالمناسبة أوجه الخطاب والعتب لبرلمان الأطفال إثر دورته الإستثنائية الأخيرة التي انعقدت في مدينة العيون بدعوة من وزارة الترقية النسوية والطفولة والأسرة..
ربما لم تدركوا، لحداثة سنكم، أنه، لا صفة للسلطات القائمة في دعوتكم وخطاب الدعوة الذي انعقدت دورتكم بناء عليه، مع علاته، محرر مزور لأن السيدة فاطمة بنت خطري وزيرة الترقية النسوية والطفولة والأسرة لم تدخل مكتبها منذ السادس أغشت 2008 ودورتكم انعقدت في الأيام الأخيرة من شهر أغشت على فترة من الوزراء..
أطلب منكم الإنتباه، أبنائي الصغار، إلى الفرق بينكم وبين الكشافة فإذا كان المنخرطون في التنظيم الكشفي قد أعدوا للعمل بالتعاون مع “المجتمع العسكري” فإن برلمانكم الصغير يعد للتشريع بالتعاون مع الرئيس والمجتمع المدني ولا يستحب له الإحتكاك بالعسكر حتى لا يضعف فيه الحس المدني الملازم لقيام الدولة.
لا تثريب عليكم بعد أن سمع الشعب بعض البرلمانيين السابقين من كبار السن على الهواء وهو يتفنن بالقول إن الإنقلاب الأخير زمانه إنما استهدف مؤسسة الرئاسة وأن المؤسسات الدستورية الأخرى باقية فما لبثنا أياما حتى شرع المجلس الأعلى للدولة “أمرا دستوريا” لم يستشر حوله الشعب ولا البرلمان، لا يخفى على البعض أن ما يعوذ به بعض البرلمانيين السابقين مجرد زعم لا أساس له من الصحة، فهل عطل الإنقلاب الأخير المجلس الدستوري أم لا ؟
ما ذا تظنون أيها البرلمانيون السابقون ؟
نقل التلفزيون الموريتاني أن البرلمان المخلوع إبان دورته الإستثنائية غير الشرعية ومنذ فترة غير مسقطة للمخاطبة العمومية قرر المساندة.. ودفعه التفاني إلى التنازل عن واجب التحفظ بحيث انتخب، في خطوة انتقامية بادية، أعضاء محكمة العدل السامية.. وفيهم من يضمر أن الخطوة قد تكون ورقة رابحة للمفاوضة وربما خامر بعضهم الشك بأن المحكمة ستلتئم في كنف حامية عسكرية لمحاكمة الرئيس الذي انتخبه الموريتانيون وخولوه حل البرلمان والتعيين في الوظائف المدنية والعسكرية.. سيعيدون التاريخ إلى الوراء لتتداعى ذكريات محاكمات اجريدة.. ما ذا لو صدع الرئيس أمامكم وأمام العالم بحل جمعيتكم.. ستقولون بأنه لم يعد رئيسا وسيعييكم الدليل وبالمناسبة ربما يستمر العسكر في سجنه خوفا من أن يصدع بحلكم. سمعنا البعض يقارن بين شعبيتكم وشعبية الرئيس والدستور فكم صوت لكم وكم من صوت في رصيد الرئيس وعلى كم حصل الدستور ؟ مئات الألوف من أصوات الشعب لا يمكن أن تقارن بمئات معدودة “لز اخويمه وافريك”.
وعلى كل حال وقبل أن تتشكل المحكمة المزمعة وترتفع بذلك قلعة ظلم أخرى في هذا البلد، الذي يعج بهيئات الحيف ومؤسسات الفساد، ألتمس منكم اعتبار الملاحظات التالية التي ألخص فيها أجوبتي على الأسئلة أعلاه :
1. إن الإلتفات إلى المجلس الدستوري العامل (والمنظم بالباب السادس من الدستور) وتفعيله يعتبر أولى وأفيد للدولة من إنشاء المحكمة المزمعة عملا بالقاعدة المعروفة “المحافظة على الموجود أولى من طلب المفقود” واعتبارا لكون عمل المجلس الدستوري الذي يتعامل مع النصوص أكثر فائدة للشعب من مساءلة فرد أو أفراد في ظرف يختلف فيه المواطنون وتفوح فيه رائحة الفتنة النتنة، ومع ملاحظتي لقدرة البعض الفائقة على التبرير والإختلاق لتضليل البسطاء فإنني أتحدى من يمكن أن يتجرأ بالقول، باستمرار المجلس الدستوري في الإطلاع بعمله في مراقبة دستورية القوانين بعد الإنقلاب.
ثم إن المحكمة التي انتخب بعض البرلمان المخلوع بعض أعضائها لا يجوز أن تتسمى بمحكمة العدل السامية لأنها أنشئت للإنتقام، وكما قد تعلمون فإن العدالة والسمو يقتضيان الحياد والنزاهة والتجرد وأنتم بانتخابكم لأعضاء هذه المحكمة في دورة استثنائية غير مشروعة (لأن رئيس الجمهورية لم يرسم افتتاحها) وفي غياب ثلثي أعضاء جمعيتكم (بما فيهم الرئيس مسعود ولد بلخير)، قد ارتكبتم عملا غير محسوب العواقب وعرضتم هذه المحكمة لمآخذ جمة ليس أقلها الانحياز للتلفزيون ودعايته.
2. إن السعي لتعديل الدستور نوع من الهروب إلى الأمام فالأولى أن يحترم الموريتانيون القواعد الموجودة أولا حتى يكون لتعديلها معنى. واجبنا وواجب البرلمان يقتضي احترام الدستور والكف عن التصرف بالطريقة الإنتقائية التي تصرف بها البعض بعد السادس من أغشت 2008 بحيث يحترم القانون الأساسي عندما يصادف هوى في نفسه ويضرب به عرض الحائط عندما لا يروق له، إنكم بتنكركم للدستور أيها البرلمانيون السابقون، تعطون مثلا سيئا للمواطنين فكأنكم تقولون بأنه لا فائدة ترجى من عملكم (وصناعة القانون كانت شغلا لكم ذات يوم). الدستور ليس قيثارة يعزف عليها الماجن في أوقات الطرب ويبعدها متى شاء. ثقوا، قبل فوات الأوان، بأن تعديلاتكم الدستورية المزمعة ستكلف الشعب الموريتاني أعباء كبيرة في زمن الشح ولن تأتي بالنتيجة التي تتوقعون فالكثير من المواطنين لن يكلف نفسه عناء الذهاب إلى مراكز التصويت لاعتباره الأمر عبثا، ومنا من سيقيم الحملات ويقنع الكثيرين بأن الإستفتاء اعتراف بالإنقلاب على الدستور وستجدون نسبة معتبرة تصوت بلا للتعديلات.. ونسبة المشاركة لن تكون مرتفعة كما كانت.. ستدركون، بعد فوات الأوان، أنكم أهدرتم إجماع الموريتانيين على قانون أساسي جدا لبقاء الدولة..
3. إن تغييب رئيس الجمهورية الإسلامية الموريتانية وحامي الدستور ومجسد الدولة (بنص المادة 24 من الدستور) وبتر بعض المواد من الدستور يتعين أن يترتب عليه تلقائيا شل يد البرلمان فالدولة قطار متحرك يتوقف سيره عندما تتعطل القاطرة التي في المقدمة.. عندما لا تتحرك القاطرة الأمامية لا يمكن أن تتحرك عربة البرلمان.. يمكن أن تجرجرها “السوفا-ماك” إلى الخلف أو ينحرف بعضها عن السكة الدستورية كما وقع.. أما أن تتقدم فلا.. إنكم أيها السادة المشرعون السابقون تدركون الآن ما آلت إليه الأوضاع الإقتصادية للبلد بعد أن أوقفت هيئات عديدة مساعداتها وقروضها وأصبحت الدولة الموريتانية بعد الإنقلاب كيانا غير مرغوب فيه (Mauritania non grata). تبتعد عنا الدول العربية والإفريقية خشية العدوى وتعتبرنا الدول الأخرى غير محل ثقة.. توقف أغلب القروض.. وبالمناسبة سمعنا بعضكم يقول بأننا لن نتضرر فيما لو قمنا بترشيد مواردنا ومساعدة ذوي الدخل المحدود ولذلك نسألكم التعفف عن رواتبكم غير المستحقة وراتب كل واحد منكم (600.000 أوقية) يكفي لإعالة عشرات الأسر الفقيرة.
4. إن إقدامكم أيها البرلمانيون السابقون بالتسريع في إنشاء محكمة العدل السامية وانتخاب بعض أعضائها في دورة استثنائية وفي جو من الشقاق الوطني، لغرض محاسبة رئيس الجمهورية عملكم هذا لن يكون عدلا. لا تنسوا أن بعض من اخترتموهم لعضوية المحكمة الوليدة أدلى حديثا بتصريحات موثقة تنبئ عن عداء لولد الشيح عبد الله أو على الأقل خصومة معه وبعضكم “خارط” على الهواء حرم الرجل و”خارطته”. ومنكم من لا يفترض فيه الجهل بأن قانون المرافعات المدنية والتجارية والإدارية وقانون الإجراءات الجنائية، أحدهما وكليهما يجيزان رد القاضي ويتوسعان في ذلك عندما يكون على خصومة مع أحد الأطراف أو مع زوجه (المواد 603 وما بعدها من قانون الإجراءات الجنائية و 262 وما بعدها من قانون المرافعات المدنية والتجارية والإدارية).
وقبل أن أختم هذا المقال أدعو القراء للتأمل معي فيما سيكتب على الملف موضوع التهمة الفضفاضة (الخيانة العظمى!)، من حق الدفاع أن لا يسمح بتحديد أطراف الملف بأنهم: النيابة العامة ضد السيد سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله رئيس الجمهورية فليس للنيابة العامة دخل، ستتحدد الدعوى في النهاية بأنها دعوى البرلمان ضد الرئيس أو محكمة العدل السامية (المنبثقة عنه) ضد الرئيس، إذن الدعوى غير شرعية (extralégal) لأن الطرف المدعي سيبت ويدين المدعى عليه، وعند افتتاح جلسة المحكمة من حق رئيسنا ولد الشيخ عبد الله أن يتصرف في بيت من شعر المتنبي ليخاطب البرلمان :
يا أهمل الناس إلا في معاملتي فيك الفساد وأنت الخصم والحكم
قبل أن يلتفت إلى المواطنين: أيها الموريتانيون، أيتها الموريتانيات، يوشك برلمانكم أن يجعل من محكمة العدل السامية، التي كانت هيئة دستورية، محكمة استثنائية على غرار محكمة العدل الخاصة.. وفي وقت كنتم تحسبون أن الشقة بعدت بينكم وبين القضاء الإستثنائي فاجأكم البرلمان بهذا الإنتخاب المريب والتقهقر الواضح عقودا إلى الوراء ولأني كنت مقيد الحرية وأنعم بحريتي لأول مرة فإني أحل البرلمان فحلوه.
سأذكر بيتا لعلى الغاياتي:
يشتكي الشعب والقضاة خصوم فلمن يشتكى خصام القضاة ؟
لا شك أن الرجل الطيب في معتكفه الإضطراري يمد يديه كل مساء لقاضي السماء.
وويل ثم ويل ثم ويل لقاضي الأرض من قاضي السماء