أخبار

الخليج: موريتانيا بين خطابين المعارضة تكرّ والجنرال يصرّ

بدأ الأسبوع السياسي في موريتانيا بداية ساخنة، تمثل نقلة نوعية في “توضيح” المواقف والخطط والأساليب المستقبلية بين فرقاء الأزمة السياسية في البلاد . فالنظام والمعارضة انتهزا فرصة عيدي الأضحى والاستقلال المتزامنين هذه السنة لكشف ما يمكن أن يكون التمهيد الحقيقي لكشف “الأوراق الأخيرة” وبدء الصراع من جديد بعد “استراحة محاربين” استمرت ثلاثة أشهر . وكانت “ضرورة ملحة جداً” من طرف الرأي العام للشعور بالطمأنينة إزاء تماسك الدولة التي وقفت على شفير الحرب الأهلية بعيد انقلاب السادس من أغسطس/آب 2008 .

فالرئيس ولد عبد العزيز الذي شعر باستتباب الأمور لصالح نظامه وتأكد من سخاء وجدية الدعم الخارجي لنظامه، أوضح من خلال تصرفاته وتصريحاته، أن أمامه وقت محدود يتمثل في ولاية من خمس سنوات وعليه استثمار هذا الوقت القليل نسبياً في تحقيق إنجازات ملموسة في ميداني محاربة الفساد وإقامة مشاريع تنموية تستفيد منها الأغلبية الفقيرة التي شكلت وحدها الظهير السياسي للرجل إبان الانقلاب العسكري (6/8/2008) والانتخابات الأخيرة (18 يوليو الماضي) .

واختار الجنرال ولاية “الترارزة” جنوب البلاد وهي، بعد العاصمة نواكشوط، أكبر خزان انتخابي في البلد، ليعقد مؤتمراً صحفياً ويوجه رسالة واضحة ولا لبس فيها، ومضمونها:

أن لا إشراك للمعارضة في السلطة إطلاقاً . وحتى المعارضة التي تحالفت مع الحزب الحاكم كحزب التيار الإسلامي . وبرر ذلك بأن الحزب الحاكم حر في تحالفاته، ولكن المعارضة يجب أن تلعب دورها كمعارضة ديمقراطية . والمعني الحقيقي هنا هو رفض ولد عبد العزيز لأي حكومة محاصصة أو وحدة وطنية أو حكومة توافقية . وبذلك قضى ولد عبد العزيز على أهم مسعى للمعارضة .

أن لا حوار مع المعارضة، وإن تجنب هذه الصيغة مباشرة، نظرا لاشتراطها في اتفاق دكار لتسوية الأزمة الدستورية الماضية .

أن لا هوادة في الحرب على الفساد مهما كلف الثمن، والجديد هنا هو كشف الرئيس لنقطتين هامتين؛ الأولى أن كل المتورطين سيعيدون الأموال للدولة أو يسجنون، والثانية أن الفرار خارج البلد لن يفيدهم لأنه سيتابعهم ويلاحقهم أينما حلوا .

وبذلك حشر ولد عبد العزيز “المتورطين” في زاوية ضيقة لم يألفوها وستكون تداعياتها كبيرة جداً . ف”الخارج” شكل طوال العقود الخمسة الماضية من عمر الدولة الموريتانية طوق نجاة للمعارضين السياسيين والمفسدين وحتى الانقلابيين .

وبعد يوم واحد من هذه التصريحات، وفي خطاب عيد الاستقلال لخص ولد عبد العزيز بنفسه مضمار سياساته التي سيركز عليها عندما قال إن مشكلات البلد تنحصر في قضيتين: هما الفقر والأزمة الأخلاقية المتعلقة بانتشار الفساد .

وكان صريحاً عندما قال إنه يدرك تبعات الحرب على الفساد والفقر و”حجم التضحيات والجهود اللازم بذلها من أجل القضاء على هاتين الظاهرتين” .

رسالة أخرى للمعارضة والأغلبية بأن الاستياء من الأسلوب المنتهج حاليا في الحرب على الفساد تم تحييد خطورته على النظام . أي أن محاربة الفساد التي كانت تعتبر “مصيدة” أو “فخاً” لأي نظام لم تعد كذلك أو أن هناك إجراءات احترازية لتأمين الحكم .

والجديد اللافت للنظر كذلك هو ما أعلنه ولد عبد العزيز من أن الحكومة ستقدم أمام البرلمان خلال الأيام القادمة “التفاصيل الضرورية” في كافة مناحي حياة الأمة “من أجل إنارة الرأي العام حول الإرث السلبي” الذي تركته له الأحكام السابقة .

وأعلن ولد عبد العزيز أن الهدف لديه “من وراء ذلك ليس سوى إطلاع المواطنين على حقيقة الأوضاع السائدة في البلد” .

وطرح هذا التصريح في أوساط النخبة أكثر من سؤال عن طبيعة ما سينشر عن “الإرث السلبي” للأحكام السابقة، إذ يشكل هذا الإرث كابوساً حقيقياً إذا أعلن بأمانة . وخاصة في مجال تصفية الحركات العروبية وسلب الطابع العربي والإسلامي للبلد من هويته على مستوى نظام التعليم و”تشبيع” الثوب الفرانكوفوني لموريتانيا بكل ما هو ثقيل ومدمر كما هو في الواقع الراهن . إلا أن الأرجح أن يكون ما سيكشف من الإرث السلبي متعلقا فقط ببعض الفواتير المنتقاة وفق شروط معينة .

الخلاصة من كل ما سبق أن تصريحات ولد عبد العزيز ذات مغزى واحد بحسب المحلل السياسي أمين أحمد وهي “أن ولد عبد العزيز يشعر بأن المضمار خال له وبالتالي فهو يعتزم تسيير الدولة ب”موظفين”من دون الاعتماد على الأغلبية وبإهمال تام للمعارضة مع قبضة جنرالية لا تتساهل” .

في الظل أنهى قادة المعارضة الموريتانية سلسلة اجتماعات غير معلنة، وفي مقرات عدة أحزاب، وأصدروا بياناً مشتركاً موقعاً من 12 حزباً سياسياً تقدمها حزب زعيم المعارضة أحمد ولد داداه، وأحزاب الجبهة الوطنية للدفاع عن الديمقراطية التي تتولى رئاسة البرلمان، وحزبين من الأغلبية التي ساندت انقلاب عزيز: هما حزب تجمع الشعب الذي يقوده النائب البرلماني الوليد ولد وداد (الرجل الثاني في نظام ولد الطايع) وحزب “البديل” الذي يقوده محمد يحظيه ولد المختار الحسن وزير الداخلية الأسبق .

وقال البيان المشترك إن “موريتانيا تستمر في العيش في ظل نظام استثنائي سلطوي، يواصل اختراقه الممنهج للدستور وللقوانين والنظم المعمول بها، خاصة بعد انتخابات 18 يوليو/تموز 2009 المطعون فيها” .

واتهمت أحزاب المعارضة النظام بتقديم “تنازلات خطيرة” على “حساب السيادة الوطنية”، من دون أن تحدد طبيعة هذه التنازلات وإن كانت إشارة واضحة للدور الجديد لكل من فرنسا وليبيا في موريتانيا .

كما اتهمت النظام “بالتنكيل” بالنخبة السياسية والإدارية والاقتصادية في البلد وتصفية الحسابات، والتهميش الكامل للمعارضة وعدم احترام حقوقها .

وقالت إن هذا النهج المتبع من طرف النظام في تسيير الشأن العام يثير السخط والقلق على مستقبل البلاد، التي تعيش أزمات حادة لا سابق لها في قيمها الأخلاقية وفي حياتها السياسية والاقتصادية والمالية والاجتماعية، وهو ما يواجهه الجنرال محمد ولد عبد العزيز بارتجال حلول ديماغوجية وشعبوية لا طائل من ورائها .

وتحدثت المعارضة عن حزمة من السلبيات من بينها تفاقم المشاكل الأمنية، والنشاطات الإرهابية، وتغلغل شبكات المافيا العالمية في البلاد، في ظل عزلة دولية وعجز عن اكتساب ثقة الشركاء في التنمية والمستثمرين الذين يلاحظون توظيف القضاء كأداة بيد السلطة التنفيذية واستهداف رجال أعمال بعينهم لأسباب انتقائية، وذلك عن طريق المضايقات وغصب الممتلكات خارج أي إطار قانوني، مما يبعد الاستثمار ويعيق التنمية الاقتصادية للبلد .

وقالت المعارضة إنها تلبية لمطالب الشعب وهمومه، واقتناعاً منها بأن الأغلبية الحالية عاجزة بمفردها عن مواجهة التحديات، فإنها تعتبر أن الخروج من هذا النفق، وضمان بقاء البلد واستقراره، يحتم إجراء حوار وطني هادئ بين كافة الفاعلين السياسيين، وذلك من أجل التوصل إلى تحديد منهج تشاوري، لمعالجة المعضلات القائمة، ومنها “حماية الحريات الفردية والجماعية وحقوق الإنسان”، و”وضع حد نهائي لتدخل المؤسسة العسكرية في الحياة السياسية وتحديد مكانتها ودورها في بناء موريتانيا الديمقراطية” .

كما وصفت سياسات ولد عبد العزيز بالديماغوجية، والمسرحيات السياسية، وفقدان العلمية، وانتهاج أساليب انتقائية لتصفية الحسابات ما يهدد السلم الأهلي .

لكن أهم جديد خرج به اتفاق المعارضة هو اشتراطها “المراجعة التشاورية للنظام الانتخابي”، كي يضمن المصداقية للعملية الانتخابية، للمساهمة في إيجاد فرص حقيقية للتناوب على السلطة، وذلك كشرط مسبق لتنظيم أي انتخابات مقبلة .

كان الشرط واضحا أن المعارضة لا تريد تكرار التجارب السيزيفية بخوض انتخابات لا تقوم على توازن بين “مرشح في الشارع” في مواجهة “مرشح الدولة” .

ومما لا شك فيه أن تلويح المعارضة بورقة مقاطعة أي انتخابات قادمة ما لم يراجع النظام الانتخابي لا تعني سوى إفراغ التجربة الديمقراطية من محتواها في عيون الداخل والخارج وفق الآلية التراتبية التي اتخذتها المعارضة سنة ،1992 وجعلت النظام وقتها يعيد انتخاب نفسه .

وعلمت “الخليج” أن البيان المشترك للمعارضة صدر عقب توصل قادتها ل “استيراتيجية متكاملة” للعمل المعارض خلال الفترة المقبلة تتضمن أنشطة إعلامية وسياسية ومظاهرات ومساع خارجية للضغط على النظام .

لكن العقبة التي تقف في وجه مساعي المعارضة الموريتانية في الماضي وحتى اليوم لا تزال قائمة ضمن اختلاف تيارين في هذه المعارضة أحدهما يخطط للحصول على “الممكن” والآخر ل”كل شيء” وهو ما جعل قوى هذه المعارضة تعيد كل مرة الإجهاز على نفسها، وهو أيضا ما ترك الفرصة للرئيس الجديد لأن يحدد عمليا مقومات الحراك المعارض ضمن رغبته، وربما، “إنسانيته السياسية” .

ولهذا يرى بعض القياديين الموريتانيين أن الساحة السياسية في البلد تتجه نحو تشكل جديد يختلف حسب رأي هؤلاء عن الحال السابق، وقد يكون لفرنسا، التي استولت على مستقبل قطاع النفط في البلاد، يد طويلة في هذه الخارطة السياسية الجديدة وخاصة إذا تمكنت من إقناع شخصيات محورية في المعارضة بتولي حقائب منظمات إقليمية ودولية ونفض يدها من وحل الداخل . كما تردد على مستوى بعض الدوائر .

وقد تساهم في ذلك رغبة الرئيس ولد عبد العزيز في تجديد الطبقة السياسية في البلد سواء في الأغلبية أو المعارضة، فحسب ما ينقل عن الرئيس بأن “الجيل القديم منها ومنهم لم يعد صالحا للعمل” .

– المختار السالم

مواضيع مشابهة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button