مقالات

لهذه الأسباب لم أنتسب لنقابة الصحفيين / سيدي محمد ولد يونس

ما إن سمعت بتشكيل نقابة للصحفيين، هدفها “تنقية الحقل الإعلامي”، حتى استبشرت خيرا بهذا المولود الجديد الذي طال انتظاره، ولقد اكتملت فرحتي حينما طالعني الخبر بوجود الزميل والأخ العزيز الدكتور الحسين ولد مدو على رأس النقابة الوليدة، لما أعرفه عنه من مهنية ودراية وحياد في الصراعات الداخلية التي ظلت تعصف بالساحة الإعلامية منذ “تحريرها”؛ بداية تسعينيات القرن الماضي.

ولأنني أعمل منذ عام ونيف مراسلا لشبكة صحراء ميديا في نواذيبو؛ وما أدراك ما الصحافة هنالك، فقد قررت السفر إلى نواكشوط للقاء النقيب ولد مدو في مكتبه من أجل بحث السبل الناجعة ل”تنقية الحقل الصحفي” في العاصمة الاقتصادية؛ وبصدره الرحب المعهود، وأخلاقه المتعارفة لدى الجميع، حصل اللقاء، وتم استعراض منجزات النقابة وأهدافها، وكيف حصلت على ثقة الممولين.

خرجت من مكتب النقيب وأنا أشعر بأن مستقبلنا المهني سيكون أكثر إشراقا؛ بل إنه سيشرق بعد طلوع فجر، طلبت الله في ذلك الوقت ألا يكون كاذبا، كما التجارب السابقة.

عدت إلى نواذيبو، وعبثا حاولت إقناع الزملاء بجدية الفكرة، فمنهم قرر رفضها ومنهم من ينتظر، إلى أن اقترب موعد الحسم.. موعد المؤتمر الأول للنقابة، فكان مناسبة لإحياء علاقتي القديمة ببعض الزملاء الذين مضت سنوات كثيرة دون أن استقبل منهم أية مكالمة؛ رغم المناسبات العديدة التي مرت، فإذا هم يصلون الليل بالنهار في البحث عن أخباري، وعن صحتي، معبرين عن أشواقهم للقائي… وفي نهاية المكالمة يتطرقون إلى مؤتمر النقابة، وكيف أن التنسيق فيما بيننا سيمنع الفريق الفلاني من السيطرة على “مصيرنا”، وأن فلانا دخل النقابة بإيعاز من الحركة الفلانية، أو المخابرات، أو جهة، أو قبيلة.. ولو لم يتهجم بعض المتصلين على البعض لحسبت الأمر منسقا فيما بينهم؛ لكن هيهات أن يتم التنسيق بين أطراف تناحرت في الراوبط والمبادرات الصحفية المتعددة، لتجد نفسها في نقابة واحدة لن تستطيع التعايش داخلها؛ بحسب تقديري الشخصي.

عدت إلى نفسي قليلا، مستعرضا تاريخ “الزملاء” الذين راودوني عن حريتي في قناعاتي الشخصية، فإذا بالبعض منهم ملطخ بدماء وحدة الصف الصحفي، وإذا بالبقية مستهدفة بجهود تنقية الحقل الإعلامي، رغم إمساكها بمكنسة النقابة..

عدت إلى نفسي؛ موازنا بين ثقتي المطلقة في النقيب الدكتور الحسين ولد مدو، وآخرين يسعون بجدية لإصلاح الصحافة داخل مكتبه التنفيذي، وبين قدرة “خفافيش الصحافة” على التسلل إلى جدار النقابة وخرقه حتى يصبح جدارا يريد أن ينقض، ولا خَضِر لإقامته..

وأخيرا اتخذ مجلسي مع نفسي القرار الخصوصي التالي:

ـ لن أكون رقما في معادلة صحفية تسللت إليها؛ في غفلة من أصحابها الطيبين، حثالة من سماسرة الكلمة، وتجار المعاناة الصحفية.. حفنة ممن داسوا كرامة الصحافة تحت أقدامهم، وحولوا المهنة إلى ملجأ للمنحرفين والفاشلين.. ثلة ممن لا يستحون فصنعوا بذلك ما يشاؤون من تفاهات باسم الصحافة.

ولئن تأسى النقيب وزملاءه المحترمون بشعيب عليه السلام في تعاطيهم مع النقابة بقولهم “إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت”، فإنني أتأسى بنوح عليه السلام حينما نادى ربه “رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا”، إنك يا إلهي إن تذر “البشمركة”، يدخلون مبادرات إصلاح الصحافة، يضلوا صحافتنا، ولا يتركوا إلا منافقا سمسارا.

هذا هو موقفي، وللنقيب وزملائه المهنيين أدعو بالتوفيق والنصر في معركة، دخلوها بحسن النوايا، فيما أعد لها الأعداء كل ما يستطيعون.

مواضيع مشابهة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button