أخبار

الخليج /المعارضة الموريتانية تلوذ بالشارع

بدأ الموريتانيون هذا الأسبوع، وكعادتهم كل سنة موسم “الونكالة”، مع اشتداد البرد في فصل الشتاء، و”الونكالة” هي دعوة تنظم بالتناوب بين مجموعة معينة لمائدة طعام غالباً ما يتركز على مشوي الخراف، لكن ليس “لحم الخراف” ما يؤكل هذه المرة وحده، بل هناك جديد، فكل من المعارضة والنظام أنهى أكل لحم الآخر وشرع في لحس عظامه استعداداً لتهشيمها في لعبة الديمقراطية الموريتانية المثيرة .

وكما كشفت “الخليج” سابقاً، أعلنت أحزاب المعارضة الموريتانية النزول للشارع وهي “الوسيلة” الأكثر إحراجاً للنظام، و”عصا” المعارضة التي طالما استخدمتها لشق “البحر” وطمر الصورة الكريستالية للنظام .

وقررت المعارضة النزول للشارع ابتداء من هذا الأسبوع في “مسيرة كبرى” تجوب شوارع العاصمة نواكشوط “احتجاجاً على تفاقم الأوضاع في ميادين انعدام الأمن، وارتفاع الأسعار، وطغيان النظام الحاكم” . بحسب بيان المعارضة .

أولى مظاهرات المعارضة الموريتانية في العهد الجديد، من المرجح أن يعمم ك”نمط” على بقية الأنشطة التي تعتزم توسيعها إلى مدن الداخل، بحسب مصادر في قيادة المعارضة .

وبينما تترقب الساحة السياسية والأغلبية الحاكمة، خصوصاً، الخطاب الجديد للمعارضة يؤكد المراقبون أن مهمتها أصبحت صعبة في الاستيلاء على الرأي العام بخطاب مؤثر، بعد أن استولى ولد عبدالعزيز، وبجدارة، على أغلب الشعارات الحساسة من المعارضة من قبيل الحرب على الفساد، وسياسة الاهتمام بالفقراء، والإصلاح الشامل لأجهزة الدولة، وهو المثلث الذي جعل صورة الجنرال عزيز ك “رجل دولة” تترسخ باستمرار في ذهنية الشارع الموريتاني .

صحيح أن الشعارات أكثر من الجميع، على الأقل في بلد عرف أهله بحب الصياغات اللغوية المثيرة، ولهذا اعتمدت المعارضة الموريتانية على مثلث “الأمن، وارتفاع الأسعار، وطغيان النظام” متخلية نسبياً عن “الفساد” و”الفقر”، ولكن هذه الشعارات أيضاً لن تكون بذات الجاذبية في كفة يوازيها الاهتمام بالفقراء، العامل الجديد كلياً على الأنظمة الموريتانية المتعاقبة .

استراتيجية المعارضة الموريتانية في مواجهة نظام الجنرال القوي ستكون صعبة إلى أقصى حد، بل لعلها الأصعب على الإطلاق، فالجنرال الشاب كتلة من النشاط الذي لا يهدأ، وتعلم بسرعة لعبة النزول للشارع هو الآخر، والطريف أنه يخاطب الرأي العام بعبارات أكثر شعبية، وأسهل رسوخاً في مخيلة الناس البسطاء الذين يشكلون الأغلبية .

والجنرال يتحدث من جانب أسرة المرضى الفقراء، ومن بيوت المواطنين البسطاء، ويوزع المساعدات الغذائية والأدوية على السكان المحتاجين، ويوزع الأراضي السكنية على سكان الأحياء الفقيرة، ويشق الطرق ويعمل على تخفيف البطالة، كما استجاب لأغلب مطالب النقابات الطلابية والتعليمية التي تعتبر المركبة الرئيسية “للنزول للشارع” .

وللجنرال تراث زاخر من مقاومة تظاهرات المعارضة حين كانت “أكثر شرعية”، وأشد حماسة، وأكثر أملاً، بعيد انقلاب السادس من أغسطس/ آب ،2008 فقد اتبع أسلوب قمع المظاهرات من دون السقوط في فخ سجن المعارضين .

ويعتقد البعض أن الجنرال لن يكون، بعد أن أصبح رئيساً منتخباً، أكثر تساهلاً من ذي قبل، وإن كان حق التعبير والتظاهر مكفول دستورياً، فلن يقبل أن يتحول إلى شبه فوضى على غرار المرحلة الانتقالية الماضية .

أهداف المعارضة

ما الذي تطمح إليه المعارضة الموريتانية، إذاً من الدخول في لعبة النزول للشارع في وقت فقدت فيه “شعارات ثمينة” والكثير من حيوية الأنصار أو حتى تراجعهم إلى الخندق الآخر؟

حملة على الجيش

للإجابة عن هذا السؤال، رصدت “الخليج” هذا الأسبوع ملامح جديدة على المشهد السياسي، يمكن تلخيصها في سعي قادة المعارضة لاختراق “هالة الجيش” إلى جانب المعزوفة التقليدية حول “فقدان الأمن”، و”ارتفاع الأسعار” .

ففي سابقة هي الأولى من نوعها، انبرى النائب البرلماني المصطفى ولد بدر الدين، أحد أشهر قادة المعارضة الموريتانية، ومن داخل قبة البرلمان ليشن هجوماً لاذعاً على الجيش الموريتاني، هجوماً آزره نائب برلماني آخر هو عبدالرحمن ولد ميني الضابط السابق الذي نفذ فعلياً محاولة الثامن من يونيو/ حزيران 2003 الانقلابية الدموية .

فقد قال ولد بدر الدين خلال مناقشة البرلمان مع وزير الدفاع للقانون الجديد المتعلق بتسميات “فريق وركن ولواء وعميد”، إن أزمة الجيش الموريتاني ليست في تغيير أسماء الضباط، لكن الأزمة أزمة أداء وممارسة وغياب رؤية واضحة للدور الذي أنشئ من أجله الجيش الموريتاني منذ الاستقلال عن فرنسا .

واستعرض ولد بدر الدين الانقلابات العسكرية التي عاشتها موريتانيا منذ الإطاحة بأول رئيس مدني سنة 1978 إلى الانتخابات الرئاسية في الثامن عشر من يوليو/ تموز 2009 من دون أن تتغير أفكار القادة أو أدوار الجيش . على حد تعبيره .

وذكّر ولد بدر الدين بالفشل الذي منيت به القوات المسلحة خلال حرب الصحراء، وبالعجز الذي واجهته وحدات الجيش خلال مسيرتها الماضية خصوصاً في المواجهة مع المتطرفين المسلحين حتى عملية “تورين” . وفق تعبيره .

وقال ولد بدر الدين في الجلسة العلنية للبرلمان، والتي بث وقائعها التلفزيون الرسمي إن الجيش الموريتاني يفهم الانقلابات أكثر من فهمه للقتال، مطالباً بإنشاء جيش جديد وطرح خطة جديدة لبناء مؤسسة عسكرية .

وقال ولد بدر الدين، وهو رئيس كتلة برلمانية، إن الجيش ليس في حاجة لموازنة الجيش البالغة 30 مليار أوقية لأن وظيفة الجيش الحالية هي الانقلابات والسيطرة على مقاليد الحكم وقتل الديمقراطية وهو ما تكفي له حفنة من الجنود وضابط واحد ومبلغ مالي زهيد .

وأضاف أن الجيش الحالي غير ملائم لرغبات الشعب وتطلعات نوابه بسبب عجزه عن دوره الأساسي (القتال) وان الجيش المكلف بقهر الأحزاب وظلم المدنيين لا يحتاج إلى أوسمة أو أموال .

أما رئيس كتلة التكتل البرلمانية عبدالرحمن ولد ميني، فقد وصف الوضع القائم بالصعب، قائلاً إن تبرير تدهور أوضاع الجيش بأوضاع البلاد عامة أمر مبالغ فيه، ففي الوقت الذي تعيش فيه الوحدات العسكرية أوضاعاً مزرية نرى كبار الضباط تتحسن أوضاعهم المالية بشكل مبالغ فيه ومخيف .

وقال ولد ميني “إن الوضع الآن مربك للغاية، فحينما ترى الضباط مجبرين على المخادعة والزج بأنفسهم في معارك سياسية مختلفة من أجل ضمان البقاء في المنصب أو لقمة العيش تدرك أن الجيش بحاجة إلى مراجعة واضحة وسريعة تكون من أولويات القطاع فيها هو اختيار قيادة أركان عملاتية لا يكون التسيير من أجندتها على الإطلاق” .

وقال ولد ميني “إن القائد المنشغل بالمال لا يستطيع إنقاذ جيشه لأن الكرامة والمال لا يجتمعان للجيش إطلاقاً، بل ينبغي أن تكون المناصب للقادة أصحاب الشهامة الذين يتفاخرون بتضحياتهم في سبيل الوطن لا تزلفهم لرئيسه” .

ويبدو أن الهجوم المنسق على دور الجيش الموريتاني، وبهذا الشكل غير المألوف، يهدف إلى تغذية ما تسميه المعارضة خلافات صامتة داخل المؤسسة العسكرية متعلقة بصراع أجيال داخل هذه المؤسسة .

وكانت المعارضة قد بدأت منذ “اتفاق دكار” في يونيو/ حزيران الماضي، تطرح فكرة تحديد دور الجيش في الحياة السياسية الديمقراطية وتفريغه للمهام التقليدية .

وقد وضعت بنداً خاصاً بهذا الموضوع في العريضة التي شكلت بموجبها منسقية المعارضة مؤخراً ووضعت فيها مطالبها للحوار مع النظام .

لكن المراقبين يستبعدون أن يؤثر هذا التوجه للمساس بالجيش معنوياً وتأليب الرأي العام ضده، نظراً للتماسك القوي للنخبة العسكرية في البلد، وهو التماسك الذي أثبت قوته بعد قرار الإقالة الجماعية لقادة الجيش يوم 6/8/،2008 وبعد كل الإغراءات التي تعرض لها قادة الجيش خلال انتخابات ال 18 يوليو/ تموز الماضي .

والأرجح أن الحرب الإعلامية التي شنها قادة المعارضة ضد الجيش تهدف إلى إرسال رسالة لخارج الحدود، وتحديداً لفرنسا وأوروبا، مفادها أن انشغال الجيش بالشأن السياسي ينعكس على الأمن الداخلي والخارجي بصورة سلبية، وتضرب المعارضة الموريتانية المثل بتجربة مشرف في باكستان .

أما البدائل عن ذلك، ومن وجهة نظر المعارضة دائماً، فهي الحوار والاتفاق على حكومة وحدة وطنية قادرة على لم شمل الجميع . وحكومة الوحدة الوطنية لا يراها أي نظام في موريتانيا سوى النهاية غير المشرفة .

الخطف الثاني وقارورة خبز المهاجرين

بداية أسبوع آخر بطعم الإرهاب في موريتانيا، تمثلت في إقدام مسلحين مجهولين على اختطاف مواطنين إيطاليين شرق البلاد، فيما بدأت الوساطة القبلية لحل مشكلة الرهائن الثلاثة الإسبان في عملية الاختطاف الأولى والتي حدث بفارق ثلاثة أسابيع فقط عن العملية الأخيرة .

وهكذا فإن حصيلة “القاعدة” من صيد الرهائن الغربيين خلال الفترة الأخيرة في منطقة الساحل بلغت قرابة عشرة مخطوفين، نصفهم جاء من موريتانيا التي وضعت مؤخراً مقاربة أمنية جديدة لمكافحة الإرهاب، وشكلت قوات خاصة لذلك .

مثلت عملية الاختطاف الثانية صدمة كبيرة للرأي العام والسلطات الأمنية، التي تكافح بكل جهد ممكن للتقليل من خطر الإرهاب المسلح والذي يعد التعامل معه عاملاً جديداً على أفراد الجيش والأمن .

وتشير التسريبات الأمنية إلى أن “تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي” اتخذ قراراً بتحويل موريتانيا إلى “منطقة عمليات مسلحة”، بدل “منطقة تجنيد ودعم” لعملياته في الدول الأخرى . وذلك بعد اشتداد الخناق الأمني على التنظيم من طرف الجزائر .

ورغم إحباط الأمن الموريتاني لعدة عمليات، فقد تمكن التنظيم من تنفيذه أربع عمليات خلال الأشهر الأخيرة تمثلت في مقتل مواطن أمريكي في شوارع نواكشوط، وأول عملية انتحارية في البلاد استهدفت مقر السفارة الفرنسية، وعمليتي اختطاف الرعايا الإسبان ثم الطليان .

ويعتقد بعض المحللين أنه كان لصعود نجم المجندين الموريتانيين في صفوف التنظيم مؤخراً الدور الكبير في توجيه الضربات إلى الداخل الموريتاني لخبرة هؤلاء في الوضع الداخلي في البلاد من جهة، وانتقاماً لزملائهم المسجونين الذين يبعثون برسائل استغاثة جراء عمليات التعذيب التي يتعرضون لها .

كما تبيّن التسريبات أن التنظيم بدأ بالفعل الاعتماد في عمليات الاختطاف على مهاجرين أفارقة غير شرعيين يستفيدون من سهولة دخولهم البلاد وصعوبة تمييزهم من بين المواطنين، وقد يجد هؤلاء في التحول إلى مرتزقة تقايض القاعدة رهائن غربيين مقابل مئات الآلاف من اليورهات بديلاً لعناء الهجرة السرية إلى أوروبا، وضماناً للربح السريع وتأميناً لكسرة الخبز .

والمؤكد أن السلطات الموريتانية أجبرت على الدخول في مواجهة مفتوحة مع “التنظيم الشرس” والمتمرن منذ عقدين من الزمن على حرب العصابات، وهو ما لن تخرج منه موريتانيا بانتصار سريع، خاصة في ظل اعتراف الرئيس محمد ولد عبد العزيز بانتشار الفساد في الجيش وعدم امتلاك قوات الأمن للوسائل الضرورية لمواجهة القاعدة .

إن ما يثير القلق في الرأي العام الموريتاني هو أن يبقى مسلسل الاختطاف مرشحاً للزيادة في ظل الظروف الراهنة، ما يعني انعكاس ذلك على الوضع الداخلي الذي لم، وربما، لن يتعافى من الصراع على السلطة الذي تحول إلى “حمى مستديمة” .

ومع ذلك لا شيء يفوق قدرة الموريتانيين على التكيف مع نقاط الضعف وتحويلها إلى نقاط قوة، فعملية الاختطاف الأخيرة، التي تمت ب “تقليعة إيطالية” ستحتم على الشريك الأوروبي تمويل الجيش الموريتاني وتدريبه وضخ المزيد من الأموال في شرايين التنمية الموريتانية .

وكل ما يجري من حراك سياسي وأمني وشبهات متبادلة بين النظام والمعارضة لا يرقى لإلغاء دقيقة واحدة من الوقت الذي يخصصه الموريتاني ل “الونكالة”، هذا الموريتاني الذي تأقلم مع الصراع على السلطة ونقل التجربة الديمقراطية في البلد إلى مستوى يبث فيه التلفزيون الحكومي ساعات من النقد الجارح بل والسخرية المرة من الجيش الوطني، من دون أن يستطيع جنرال أو جندي واحد الرد بشطر كلمة .

– المختار السالم

مواضيع مشابهة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button