مقالات

أزمة رجال الأعمال …السيناريوهات المرتقبة / ذ . محمد المامي ولد مولاي علي

تشغل أزمة رجال الأعمال هذه الأيام اهتمام المتصفحين للصحف والمواقع الإخبارية، وتجتذب أنظار المتابعين لنشرات الأخبار والمهتمين بالشأن العام، وقد استقطب الحديث حولها المجالس وأسال الكثير من المداد بين من يشكك في مشروعية متابعة رجال الأعمال ومن يعتبر قضيتهم سياسية أكثر منها جزائية ومن يعتبرها خطوة جبارة من خطوات الحرب على الفساد و المفسدين، غير أن الذي تشرئب له الأعناق وتتشوف له الأنفس وتحاول العقول استقراءه هو ما ستؤول إليه هذه الأزمة وما ستتكشف عنه من نتائج خصوصا بعد أن فشلت المفاوضات التي كانت تدور بين طرفي الأزمة في التوصل إلى حل، الشيء الذي يجعل السيناريوهات المتوقعة في المرحلة القادمة شبه محصورة في فرضيات لا تتجاوزها بسبب المراحل المتقدمة التي وصلت إليها الأزمة.

– سيناريو نجاح الوساطات

يقوم هذا السيناريو على إمكانية نجاح الوساطات التي تقوم بها وستقوم بها أطراف متعددة وشخصيات وطنية ودولية لها وزنها واعتبارها اذ السعي في هذه الوساطات تدعو إليه المكانة المعتبرة التي يحظى بها رجال الأعمال باعتبار مكانتهم الاقتصادية وعلاقاتهم الواسعة محليا ودوليا، وهو ما يجعل الوسطاء يتدخلون إما بدافع الحفاظ على مصالحهم الاقتصادية أو بدافع الوفاء للعلاقات الطيبة التي تربط هؤلاء بمختلف الفاعلين الاقتصاديين و السياسيين حول العالم. غير أن فرص نجاح هذه الوساطات أصبحت ضئيلة جدا نتيجة تمسك كل طرف بموقفه –الذي يراه صوابا-فلا رجال الأعمال يرضون بسداد المبالغ المطالبين بها دفعة واحدة، ولا رجال السلطة يرضون بغير ذلك.

– سيناريو العفو

لقد عرفت البلاد في ظل الأنظمة المتعاقبة بعض السيناريوهات الشبيهة، حيث تتابع فيها شخصيات وتعتقل على خلفية قضايا مختلفة –ومنها المالي طبعا- ثم ينتهي السيناريو بإعلان العفو عن المعتقلين، وميزة هذا العفو أنه ينهي الأزمة بشكل يصور رجال الأعمال كمذنبين يتم العفو عنهم و إطلاق سراحهم دون أن يبرؤوا من التهم الموجهة إليهم ولكن دون أن يسددوا أيضا المبالغ المطالبين بها ودون أن يدانوا بها، ويعتبر العفو الذي صدر من الرئيس في زيارته لكيفه حين عفا عن بعض المحكوم عليهم هناك مؤشرا مهما على روح العفو التي يتمتع بها، كما أن سد النقص الذي كانت تعاني منه خزائن الدولة بفعل تدخل الممولين الدوليين –صندوق النقد الدولي وغيره- وتصريح ممثل المفوضية الأوروبية بالاستعداد للشراكة الاقتصادية و دعم المشاريع التنموية في البلد كلها عوامل تخفف من الحاجة لاستعادة هذه الأموال وتزيد بالتالي من إمكانية حدوث هذا السيناريو.

– سيناريو المحاكمة العادلة

من المفترض أن يحال رجال الأعمال إلى المحاكمة بعد استكمال إجراءات التحقيق المتخذة معهم أو بعد استنفاذ اجل الحبس الاحتياطي المتخذ ضدهم، الشيء الذي يلقي بالكرة في ملعب القضاء ويفسح المجال لما يمكن أن يحققه من عدالة وامتثال للقانون بكل استقلالية و بعيدا عن تأثير السلطة التنفيذية وضغوطها.

إن المنظومة القانونية و القضائية في البلد لا يستكثر عليها أن تقيم مثل هذه المحاكمة العادلة، ونحسب أن من قضاتنا من لا يزال مستقلا عادلا يحكم ضميره ولا يخضع إلا لسلطة القانون –ولا نزكي على الله أحدا-فالمحاكمة العادلة التي تضمن حقوق الدفاع وتحترم نصوص القانون وتحترم رقابة الرأي العام من خلال علانية الجلسات من شأنها أن تنصف كل الأطراف و تأخذ لكل ذي حق حقه، فتقرر الإدانة إن وجد من الأدلة و البراهين ما يثبتها، أو تنطق بالبراءة أو بمدنية النزاع إن ظهر ما يبرر ذلك، وبذلك تثبت المؤسسة القضائية استقلالها و جدارتها من جهة و تثبت السلطة إدانة رجال الأعمال أو يثبت رجال الأعمال براءتهم بمرئي و مسمع من الجميع الأمر الذي سيرضي الكل ولن يرفضه إلا مكابر.
– سيناريو المحاكمة السياسية

إن التاريخ الموريتاني حافل بالمحاكمات السياسية منذ فجر الاستقلال حيث عمدت الأنظمة المختلفة إلى تصفية خصومها السياسيين عن طريق القضاء ولا يخفى على احد مدى خطورة ذلك و الحال أن المحكوم عليهم من السياسيين قد لا يستطيعون ممارسة السياسة إن حكم عليهم بالحرمان من الحقوق المدنية، كما أن المحكوم عليهم من التجار قد لا يستطيعون ممارسة التجارة إذ من شأن الأحكام الصادرة ضدهم أن ترتب سقوط الأهلية التجارية، و المحاكمات السياسية كثيرا ما تطال سياسيين و قادة أحزاب و غيرهم فتعقد الجلسات و تتعالى المرافعات و النتيجة واحدة هي إدانة المتهمين بما شاء لهم النظام أن يدانوا به، ومثل هذه المحاكمات لا يتطلب لقيامه أكثر من قضاء يعمل بتوجيهات من السلطة التنفيذية – ومن يمثلها – وسلسلة من الخروق الإجرائية التي ترافق الملف بدء بتوجيه الاتهام، مرورا بالتحقيق ووصولا إلى النطق بالحكم.

– ذ/ محمد المامي ولد مولاي علي

مواضيع مشابهة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button