ابكِ على شَعبٍ ذلَّ.. لا على دارٍ من حَجَر!/ نـادر عبد القدوس
أنباء انفو- تعقيب على الكاتب الأستاذ معن بشور في مقاله بعنوان “منزل في صنعاء” بصحيفة “رأي اليوم” الإلكترونية المنشور يوم الجمعة بتاريخ 28 نوفمبر 2014م.
سيدي الكريم، أراك حزينا في مقالك، معترضا على انتهاك حرمة دار شيخ قبيلة، بينما الحزن والاعتراض لم يأتيا إليك عندما انتهكت جيوش قبيلة ذلك الشيخ، بل بإيعاز وفتاوى فقهائه، جنوب اليمن مخترقين اتفاقية الوحدة التي لم تكمل عامها الرابع بعد بين الشطرين، تحت وهم “الوحدة أو الموت”!
أراك لم تعترض يا سيدي، عندما انتهكت تلك الجحافل الهمجية حرمات منازل شعب الجنوب السبّاق في وحدويته، من قبل أن يكون الشماليون وحدويين! شعب الجنوب رضع الوحدة منذ صغره. ولم يحزنك، سيدي، عندما دمروا كل مؤسسات الدولة القائمة آنذاك وأملاك الشعب، والتي هي أملاكهم كذلك بحكم الوطن الواحد؟ لكن، ماذا نقول للجهل والتخلف المعششين في رؤوسهم، ولعقيدتهم الاجتماعية القبلية في “اللامدنية”، وماذا نقول عن خرافة أن “الشمال الأصل والجنوب هو الفرع″ التي قالها ذلك الشيخ صاحب المنزل الأطلال بعظمة لسانه، وبإمكانك قراءة مذكراته للتأكد!!
ما يهمني هنا يا سيدي الكريم، أن ألمح إليك أن ترى الوضع اليمني كله، بشماله وجنوبه، بعينين مفتوحتين، لا بعين واحدة “شمالية بحتة”، وتغلق الأخرى عن الجنوب!!
هل سمعت يا سيدي الكريم عن قطعان التتار الغازية؟ إنهم هم من تربى تحت غطاء حاشد وسنحان وغيرهما، واستملكوا الجيش، والأمن، والمال، والفتاوى الدينية إلى يومنا هذا، أولئك هم تتارالعصر الحديث! فكما فعل تتار بغداد بإحراقهم مكتبتها العظيمة (ثقافتها)، ومساجدها، وبيوتها، ودمروا كل شيء، فإن هؤلاء التتار ممن غزا الجنوب، قد أهدروا ثقافة وهوية شعب بأكمله، بينما أنت تتباكى على منزل شيخهم! لقد نهبوا إرشيف أول إذاعة على مستوى الجزيرة العربية “إذاعة عدن”، وعلى إرشيف رابع محطة تلفزيون على مستوى الوطن العربي كله، وحملوا معهم إلى عاصمتهم في الشمال كل ما احتواه المتحف العسكري والثقافي في عدن، بل ودمروا مسارحها لتصبح عدن شيئا من الماضي!
هل تعلم يا سيدي، أنهم عملوا على هدم واحد من أقدم جوامع الجزيرة العربية وفي الجنوب بمدينة عدن، بناه الصحابي أبان ابن عثمان ابن عفان (رضي الله عنهما)، ولم يكترثوا لهندسته المعمارية التاريخية الفريدة والمتميزة، وبدلا عن ذلك المعمار التاريخي أقاموا مبنى شبيها بمكعب “كوبيك روبيك”، أسموه جامعا أو مسجدا، ولن تستدل عليه إلا من منارته عصرية البناء فتعرف أن هذا مسجدا؟ والسؤال هنا، لماذا لم يجددوا مساجدهم الأثرية في صنعاء بهدمها، ثم بإعادة بنائها على طريقة “الكوبيك روبيك” نفسها، فهل تاريخهم مجيد يُحافظ عليه، وتاريخنا في الجنوب مغشوش يُهدَر دمه؟
هل تعلم يا سيدي الكريم، أنني من قرّاء مقالاتك القومية المتحدثة عن الأمة العربية وأحوالها، ولكنك عندما تكتب عن اليمن، أراك لا تنظر إلى جنوبه، كما تنظر في الوقت ذاته إلى شماله، وما يعانيه شعب الجنوب من إهدارٍ لكرامته، وضياع هويته وانتمائه، ومن سياسة إقصائية تمارس ضدهم؟
وهل تعرف، سيدي الكريم، لمَ أسميناهم بـ”الاحتلال اليمني”؟ أجيبك: ذلك أن من استعمر عدن، ثم الجنوب العربي، على مدى 129 عاما، قد أعمر المدينة وما جاورها من مناطق وضواحي، وأدخل العصرنة إليها، وبنى الميناء، وشيد الجسور، وأقام المدارس والطرقات الإسفلتية، وبنى أول مصفاة حديثة في الجزيرة، وأدخل الكهرباء، ومد شبكة المياه إلى المنازل لنشرب ونغتسل منها، وهي الشبكة الوحيدة على مستوى الجزيرة العربية، وغيرها الكثير من الخدمات، رغم أنها كانت تخدم مصالح الاستعمار مباشرة، إلا أنه لم ينس أن يرفّه عن الشعب الذي يحتله حتى يسكته عن مساوئه؛ لهذا أسموه استعمارا! أما هذا الاحتلال الشمالي، فقد أتى ليُنهي ويدمر ما كان قائما من مرتكزات دولة وبنية تحتية، ويخرب ما كان يعمل من مصانع وطنية ومنشآت رياضية واجتماعية عامة أخرى!
هل تعلم ياسيدي الكريم، أن من استشهد من الجنوبيين على يد الاستعمار البريطاني “البغيض” قد لا يزيد عددهم على المائتين، بينما عدد شهداء الاحتلال اليمني الشمالي في الجنوب، منذ عام 1994م، قد تجاوز الألفين، ناهيك عن الجرحى والإعاقات المستديمة، وأنهم استشهدوا في مسيرات سلمية تنادي بالانفصال وفك الارتباط، وهذا رأيهم، كما نرى، ومن حقهم كشعب عاش كريما فذُلَّ. وهناك من الجنوبيين من استشهدوا وهم في بيوتهم بعد اقتحامها دون حرمة ساكنيها، ومن بينهم نساء وأطفال ورضع؟ وهل تعلم، أن أفراد قوات مكافحة الشغب وقوات الأمن الخاصة والأمن المركزي، التي يستعرضون فيها قوتهم المدججة بالسلاح الثقيل المضاد للآليات، وليس الخفيف المضاد للأفراد، يفتكون بالجنوبيين، وفي الجنوب فقط، في مسيراتهم واعتصاماتهم السلمية، وأن هذه القوات الاحتلالية مكونة من أبناء الشمال فقط، مثلهم مثل الاستعمار الأجنبي، كانت قواته من الجنود البريطانيين فقط، فلا فرق بين الاحتلالين هنا، فذاك بريطاني، وهذا شمالي؟ أما المسيرات في الشمال التي أقامها الحوثيون ضد السلطة، أو تلك التي كانت ضد الحوثيين، رغم عدم سلميتها؛ إلا أنها لم تواجه بذلك السلاح، بل ويُمنع الجندي من إطلاق رصاصة واحدة حتى!
وهل تعلم، أن كبار التجار اليمنيين المستوردين والمصدرين هم من الشمال فقط، وأن متنفيذهم قد ردموا بحر عدن، وما أدراك ما بحر عدن والبحر العربي، ليحولوه إلى منتجعات خاصة بهم، أو متنزهات لا تدخلها مع أفراد أسرتك إلا برسوم لا يستطيع ابن الجنوب دخولها لفقره وعوزه وارتفاع مبلغ الرسم؟ وهل تعلم، أن الثروة البحرية من أسماك وأحياء أخرى تستخرج من بحر عدن، غالية الثمن في المدينة عدن، وربما تكون معدومة، بينما تباع الأحياء البحرية نفسها في صنعاء التي لا بحر يشاطئها ولا نهر، بأزهد الأثمان، أو تحرق في مكباتها بسبب تلفها لندرة المشترين أو تأففهم منها؟
لن أنتهي، ولن ينتهي التعقيب إن بقيت أسرد لك بسؤال “هل تعلم”، فالواقع مرير بأكثر مما تتصوره في الجنوب! وقبل أن اختتم تعقيبي هذا، أورد سؤالا أخيرا، لقد اعتبرتم عقوبات مجلس الأمن على من غزا الجنوب المخلوع صالح، تدخلا في الشأن اليمني، بينما لا يكون الحال كذلك مع ما جرى من عقوبات في سوريا وليبيا، ألم يكن ذلك تدخلا سافرا أيضا؟ أتمنى أن لا تقول لي إن الوضع هنا مختلف، فالقانون الدولي واحد لا يتجزأ!!
كريتر ــ عــدن