فرنسا : الجدل حول كثرة التنقلات الخارجية لماكرون
أنباء انفو- خلال العام الأول من رئاسته التي بدأت في شهر مايو (أيار) من العام الماضي، قطع الرئيس الفرنسي أكثر من 200 ألف كلم بالطائرة، وزار 29 بلداً، وأمضى 78 يوماً في الخارج. كذلك، فإنه قام بـ46 زيارة إلى المناطق الفرنسية. وفي ذلك كله، تخطى سابقيه الرئيسين نيكولا ساركوزي «2007 ــ 2012» وفرنسوا هولاند «2012 ــ 2017». وكمثال على دينامية ماكرون وحركيته على المسرح الدولي، فقد قام في الأسابيع الأخيرة بزيارة دولة إلى الولايات المتحدة الأميركية وأخرى إلى روسيا وما بينهما إلى نيوزيلندا. وفي عام واحد، زار ماكرون 11 بلداً أوروبياً و18 بلداً خارج أوروبا، ومن زياراته تلك التي قام بها إلى منطقة الخليج العربي (المملكة السعودية، والإمارات، وقطر)، وإلى ثلاث بلدان مغاربية (المغرب والجزائر وتونس). ومن البلدان «البعيدة، زار ماكرون الهند، والصين، وأستراليا. لكنه لم ينس القارة الأفريقية التي زار منها مالي، وبوركينا فاسو، والنيجر، وغانا والسنغال، وهو ينوي بداية شهر يوليو (تموز) القيام بجولة أفريقية جديدة ستشمل موريتانيا ونيجيريا. أما في أوروبا، فزياراته إلى ألمانيا، وبريطانيا، وإيطاليا، وبلجيكا تكررت الكثير من المرات، وهي لن تتوقف عند هذا الحد.
في الكلمة التي ألقاها بالإنجليزية في منتدى دافوس الشهير، خلال شهر يناير (كانون الثاني) الماضي، لم يتردد ماكرون في الإعلان عن «عودة فرنسا» إلى المسرح العالمي ليس فقط من خلال الزيارات الخارجية التي قام بها، لكن أيضاً من خلال المبادرات الدبلوماسية التي تقوم بها فرنسا، والتي آخرها كان المؤتمر الذي استضافه قصر الإليزيه حول ليبيا، الذي أسفر عن رسم «خريطة طريق» للخروج من الأزمة. ولا يتردد الرئيس الفرنسي في إبراز «العلاقات الشخصية» التي بناها مع كبار هذا العالم، أكان ذلك في واشنطن أو موسكو أو بكين أو نيودلهي.. ولكن هذه الدينامية، بل النهم في القفز من عاصمة إلى أخرى، ومن مؤتمر إلى آخر، أخذت تثير في فرنسا تساؤلات عن «جدواها» من جهة وعن كلفتها من جهة أخرى. وفي موضوع الكلفة، فقد كشفت تقارير صحافية نشرت في الأيام الأخيرة أن قصر الإليزيه «استنفد» الميزانية السنوية المرصودة له و«غرف» من احتياطيه؛ الأمر الذي يعكس تكاثر نشاطاته في الداخل والخارج.
إزاء الجدل المتفاقم حول هذه المسائل، استفاد ماكرون من زيارة «إضافية» أمس إلى قصر المفكر الفرنسي الشهير فولتير «1694 ــ 1778»، الواقع في مدينة فيرني القريبة من مدينة جنيف ليعرض الأسباب التي تجعله متنقلاً بين عواصم العالم. والسبب الأول الذي توقف عنده أنه، من جهة: «يدافع عن مصالح فرنسا» ومن جهة أخرى، يريد أن «يلعب دور الوسيط في عالم يسوده الجنون». واستطرد ماكرون قائلاً: «إنه أمر مهم لبلادنا (…) يتوقع المواطنون أيضاً أن يدافع الرئيس عن مصالحهم على الساحة الدولية». يضاف إلى ذلك، وفق الرئيس الفرنسي، «كثرة الاجتماعات والقمم على المستوى الدولي، حيث يتعين على فرنسا أن تكون حاضرة».
تقول مصادر دبلوماسية في العاصمة الفرنسية، إن «حركية» ماكرون «تعكس رغبته في أن يكون لفرنسا كلمتها مجدداً في إدارة شؤون العالم»؛ الأمر الذي برز من خلال نجاحه في المحافظة على اتفاق باريس حول البيئة المبرم نهاية عام 2015 رغم انسحاب الولايات المتحدة منه، ومن خلال الدور الذي يريد أن يلعبه في التعاطي مع المسائل الملتهبة في العالم. وتذكر هذه المصادر الملف النووي الإيراني والملف السوري أو ملف إعادة إطلاق الاتحاد الأوروبي.
إذن، الحكم على السياسات في الداخل والخارج لا يقوم على النوايا، بل على النتائج، فإن الحصاد الدبلوماسي لماكرون بعد انقضاء عام كامل على وجوده في قصر الإليزيه يبدو «متواضعاً». فالرئيس الفرنسي اعتقد أن العلاقة «الخاصة» التي نسجها مع الرئيس ترمب يمكن أن تؤهله للتأثير عليه وحثه على عدم الخروج من الاتفاق النووي المبرم مع إيران في صيف عام 2015، إلا أن ذلك لم يحصل، وفضّل ترمب الخروج منه استناداً إلى «اعتبارات سياسية داخلية» وفق ما كرره الرئيس الفرنسي في الأسابيع الأخيرة. كذلك، لم ينجح ماكرون في منع ترمب من فرض رسوم إضافية على الصادرات الأوروبية من الحديد والصلب والألمنيوم إلى أميركا، والتسبب في «حرب تجارية» مع القارة القديمة. أما في الملف السوري، فإن «انعطافته» لجهة التعاطي مع الرئيس الأسد أو المشاركة في الضربات العسكرية الغربية ضد مواقع سورية الشهر الماضي رداً على استخدام النظام للسلاح الكيماوي في دوما لم تؤهل فرنسا لتكون طرفاً فاعلاً في الحرب السورية. كذلك، لم تجن باريس ثماراً من التقارب الأخير مع الرئيس بوتين بمناسبة الزيارة التي قام بها ماكرون إلى روسيا. وما يصح على هذه الأزمات يصح كذلك على مساعي الرئيس الفرنسي إعادة إطلاق الاتحاد الأوروبي الذي يعاني من هزات داخلية لن تكون آخرها الأزمة السياسية التي تعيشها إيطاليا وانعكاساتها السلبية على العملة الأوروبية الموحدة (اليورو) وعلى البناء الأوروبي نفسه.