دستورية قانون الإرهاب لمن يشك في ذلك/محمد الأمين الشامخ / mcham_2007@yahoo.fr
أستغرب كل الإستغراب أن بعض مثقفينا يسعوا إلى الدفاع عن أمور ليست لديهم دراية بها و خاصة من الجانب القانوني، حتى يدافعوا أو لا عن عدم دستورية بعض مواد قانون الإرهاب الذي اعترض عليه المجلس الدستوري مؤخرا.
نحن نعلم أن الدستور الموريتاني هو أم القوانين في البلد و أنه لا يمكن المصادقة على أي قانون يخالف إحدى مواده مهما كان سعي السلطة التنفيذية في ذلك الشأن. إلا أن قانون الإرهاب الذي تمت المصادقة عليه من طرف البرلمان الموريتاني بغرفتيه، لم تخالف أي مادة من مواده ذلك الدستور، فكيف يحمل عليه و يعبأ أعضاء المجلس الدستوري ضده ليعلنوا عدم دستورية بعض مواده، و هو موقف لم نكن نتوقع من هذه الهيئة الموقرة اتخاذه لأنها يجب أن تعتمد على القانون وليس على تأويلات الغير التي لا تستند إلى أي مرجع قانوني يذكر.
و فيما يلي أريد أن أوضح بعض الحقائق للمواطن البسيط الذي ربما ليست لديه فكرة من الناحية القانونية حول المسائل الأساسية التي أثارت تحفظ البعض.
أولا:
حول الحبس الإحتياطي، أقول لك بأن قانون الإرهاب السابق الذي تم تعديله بهذا القانون يحدد مدة الحبس الإحتياطي بثلاث سنوات قابلة للتمديد مرة واحدة و هنا أدخل هذا القانون تعديلا على أساس أنه في حال ما إذا تم تمديد فترة الحبس الإحتياطي فإنه سيصل إلى ست سنوات و هو ما سيتجاوز بسنة الحكم الأقل الصادر في حق الجناية و هو خمس سنوات و بالتالي تم تحديد سقف زمني لذلك الحبس الإحتياطي و هو أربع سنوات لكنها ليست إلزامية و بإمكان المحبوس أن يقضي يوما واحدا فقط في حال اكتمال ملف التحقيق الذي يكون عادة مرتبطا بقضايا أخرى متعلقة بعناصر ضرورية للتحقيق و ليست تحت قبضة المحققين. أيكون معقولا لديك أنه على السلطات القضائية محاكمة كل شخص متهم في هذا المجال دون استكمال عناصر التحقيق التي هي جزء أساسي لا يمكن الإستغناء عنه في أي قضية مهما كان نوعها، و هل نرى أن المتهم يجب إخلاء سبيله حتى تكتمل عناصر التحقيق ليتم استدعاؤه يومها و يحضر لتتم محاكمته؟
ثانيا:
عن تفتيش المنازل، أرجو أن نتفق على مبدأ أساسي لكي نتفاهم، و هو أن الموضوع الذي نحن بصدده متعلق بتهم في مجال الإرهاب و ليست في مجال الحق العام، و أن المبرر الذي دفع إلى السماح بالقيام بعمليات التفتيش هو لتأمين سلامة و أمن المواطنين الأبرياء و ذلك للتأكد من وجود أو لا، مواد (أسلحة، متفجرات، ذخائر، مخططات….) قد يقوم المتهمون باستخدامها أو إخفائها أوإتلافها أو حتى تدميرها خلال ساعات الليل التي لا يسمح مبدئيا بالتفتيش أثناءها، أي بين العاشرة ليلا و الخامسة صباحا. و من ناحية أخرى، ألا ترى بأن التهم المتعلقة بالإرهاب هي أخطر بكثير من تلك المتعلقة بمكافحة المخدرات؟ وهنا أحيطك علما بان قانون مكافحة المخدرات الساري به العمل حاليا منذ الحقبة الماضية يخول الشرطة القضائية التفتيش في أية ساعة من الليل و النهار، و حتى الآن لم يسبق أن حدث أي تجاوز كان في هذا المجال، فكيف نستغرب إذا السماح بذلك الترخيص للشرطة و خصوصا و أن الأمر يتعلق بتهم إرهابية قد تعرض حياة و ممتلكات المواطنين إلى كارثة لا تحمد عقباها. أما عن وجود الأدلة (كأسلحة مثلا) التي يقول البعض بأنها قد تحتويها جل المنازل الموريتانية فهذه دعوى ضدهم، إذ لا يحق لأي كان و حسب القانون الموريتاني المعمول به حمل أي سلاح كان نوعه إلا بترخيص من السلطات الأمنية و إن كان صاحب المنزل لا يعي ذلك أصلا فالقانون لا يحمي جهلته حسب دستور يوليو 91 : إذ لا عذر في جهل القانون.
و من ناحية أخرى، لتعلم بأن الشرطة لا يمكن أن تقوم بهذا العمل إلا بترخيص من قاضي التحقيق أو وكيل الجمهورية و ذلك بعد تقديم الأدلة الملموسة التي توحي بوجود دليل مادي عن المتهم. و في هذا الشأن بالخصوص، لم يعد القرار لشخص واحد لأنه تم بموجب هذا القانون استحداث فريق لمكافحة الإرهاب من بين قضاة النيابة و هو من سيمنح أو لا ذلك الترخيص.
ثالثا:
عن أن القانون انتهك حريات القصر التي تضمنها لهم جميع قوانين البشرية، فأنا أؤكد لك بأن هذا القانون لا يتنافى مع أي من مواد معاهدة الأمم المتحدة المتعلقة بحقوق القصر.
رابعا:
فيما يخص تعقب المكالمات و البريد فهذا يعد إجراء وقائيا و احترازيا، و الهدف منه هو وضع المشتبه فيهم تحت التصنت لصالح التحقيق حتى يتمكن المحققون من تفكيك خيوط الشبكة التي هي على اتصال وثيق عبر الهاتف أو الإنترنت مع مجرمين قد يوجدون داخل التراب الوطني كما خارجه، ولا يتعلق الأمر هنا بسياسيين معارضين أو من الأغلبية و لا حتى بمواطنين عاديين و إنما يخص القانون من هم مشتبهون في الإنتماء لمنظمة إرهابية نفذت جرائم إرهابية أو لا زالت تخطط لها، و بعدم اللجوء إلى هذا الإجراء الوقائي سنبقى مكتوفي الأيدي ننتظر دائما قيام المشتبه به بفعل إجرامي حتى نصنفه مجرما، وما فائدة أجهزة الأمن إذا، إذا كانت لا تستطيع تأمين الأمن للمواطنين بوقايتهم من هذه المخاطر. و هنا أرجو أن تقرأ جيدا الفقرة الثانية من المادة 31 من هذا القانون لتتأكد من أن الهدف الأساسي من هذا الإجراء هو لتأمين حياة و ممتلكات المواطنين و حتى إذا استدعى تحقيق ذلك تعريض حياة عناصر الشرطة للخطر بزجهم داخل تنظيمات الأشرار.
و لتعلم أن قانون الإتصالات الموريتاني الذي يعتبر القانون الإطار يسمح بهذا الإجراء.
و من جهة أخرى، لتعلم أن هذا الإجراء موجود في جميع قوانين الدول التي تواجه خطر الإرهاب سواء كانت إسلامية أم غربية.
خامسا:
فيما يخص محاضر الشرطة، أتعلم أن القانون الموريتاني لا يسمح بالطعن في محاضر الجمارك و وكلاء حماية البيئة إلا في حالة تزوير المحررات. فكيف نستغرب أن يعطى نفس الإمتياز لمحاضر الشرطة التي تتعلق بقضايا أهم بكثير من تلك القضايا و ما دور التحقيق إذاكانت محاضر الشرطة التي هي وحدها الكفيلة بإثبات أو لا التهم المتعلقة بالمشتبه بهم في جرائم متعلقة بالإرهاب و نترك للقاضي وحده حرية التصرف في حق المتهمين، و عندها يمثل المتهم أمام قاضي التحقيق كغيره من المواطنين الأبرياء و عندما يبدأ التحقيق معه ينكر كل كبيرة و صغيرة بحجة أن ما سبق قوله يعد لاغيا و أن التصريح الأخير أمام قاضي التحقيق هو وحده المخلص و عندها يمثل مصرحا ب: لم أقم و لم أر و لم أسمع… و في بعض الأحيان يخلى سبيله و المثال الواضح على ذلك، إخلاء سبيل أحد المجرمين الذين شاركوا في عملية لمغيطي سنة 2005 و هو الأن خارج البلاد ينعم بالرفاه، هذا بالرغم من أن جميع الأدلة وردت ضده في محضر الشرطة و تم تأكيدها من طرف بعض السلفيين المسجونين حاليا.
و في الختام، أرجو أن تفهم و يفهم الجميع أن مصلحة موريتانيا لا تعني أغلبية عن معارضة و لا عمر عن زيد، و أن ظاهرة الإرهاب التي هي دخيلة على مجتمعنا المسالم لا تمت بأي صلة بالدين الإسلامي السمح الذي يحرم قتل النفس إلا بالحق. و عليه يجب أن تنطلق و غيرك من الذين لا يريدون تسييس القضية، من منطلقات عديدة أهمها لا الحصر:
– أن التصدي لظاهرة الإرهاب يقتضي تكاتف كل الجهود و على جميع الأصعدة لمكافحته بجميع الوسائل بغية القضاء عليه بصفة نهائية، و ما مراجعة منظومات كل من الدفاع و الأمن و القضاء إلا بغرص تحقيق ذلك الهدف المنشود.
– أن خطر الإرهاب يعني زعزعة كيان الدولة و المساس من أمن و ممتلكات المواطنين، أي أن الأمن القومي لبلد ما قد تم تهديده. و من هذا المنطلق، ألا ترى أنه على الدولة القيام بالإجراء المناسب و حتى إن تتطلب الأمر انتهاك الحريات الخاصة لمواطنين بغية الحفاظ على الأمن العام للجميع، و ما المقصود بالحرية إذا كانت تحمي متهم من المتابعة القضائية عند الإشتباه فيه بالتخطيط لعمل إرهابي قد يعرض حياة و متتلكات غيره للخطر؟.
كما أرجو أن تنطلق من الطرح الآتي، و هو أن لديك الحرية و الأمن العام على كفتي ميزان فأيهما سترجح إذا؟
و المثال الصريح، أن الدول الغربية المدافعة عن حقوق الإنسان و الحريات الخاصة، و رائدتها في ذلك السعي الولايات المتحدة الأميركية، قررت بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 خنق و تقييد الحريات الخاصة عندما تعلق الأمر بعمليات إرهابية قد تعرض أمنها القومي للخطر، و لست هنا عند ذكر ذلك الإجراء من المطبلين له، لكني أومن بضرورة أن تكون الدولة قادرة على حماية سيادتها و الحفاظ على سلامة و أمن مواطنيها و لن يتأتى ذلك إلا من خلال تقوية منظومتها الأمنية و القضائية، و كل ما قيم به حتى الأن و في فترة و جيزة لخير دليل على عزم الحكومة على مكافحة ظاهرة الإرهاب التي أصبحت تهدد أمن و استقرار الدولة الموريتانية.
– يجب عدم الخلط بين التهم المتعلقة بجرائم إرهابية و تلك المتعلقة بمخالفات الحق العم التي لا تستدعي حيثيات التحقيق فيها الترخيص للشرطة القضائية بتفتيش المنازل في كل الأوقات، و لا بالتصنت للمكالمات الهاتفية …
كما أن التصور السائد لدى البعض بأن الشرطة هي أداة لدى الحكومة و لا ينبغي منحها هذا النوع من الترخيص حتى لا يتم استغلاله لأغراض شخصية أو سياسية فهذا كلام لم يعد له مبرر لأن الشرطة اليوم تعمل في إطار منظومة أمنية و قضائية متكاملة، و ليس الغرض من منحها هذا الترخيص إلا لتسهيل مهمتها في مجال تعقب المشتبه فيهم في الجرائم المتعلقة بالإرهاب. و يجب أن لا ننسى أنه قد تم استحداث فريق لمكافحة الإرهاب من بين قضاة النيابة حتى تكون الأوامر القانونية الصادرة بالإجماع، و قد تم إدراج هذا الإجراء لهدف ضمان حماية حقوق المتهم في هذا النوع من القضايا الخطيرة.
– أن الحفاظ على الأمن يقتضي منا كلا، سلطة و مواطنين بسطاء، كل حسب قدرته، التصدي لخطر الإرهاب بنبذ جميع أشكاله و التركيز على قيمنا الإسلامية و تسامح ديننا الحنيف مع اعتماد أنه قد يختلف بعضنا في الطرح حول الأمور الدينية لكن علينا أن نكون رشداء و نحكم العقل و نتحاور و نتدارك، لأن لدينا علماء أجلاء قد نستفسرهم في أي وقت كان عن مشروعية تلك الأمور التي قد يدفعنا الجهل و الغلو إلى احتسابها الطريق السليم حتى لا نعرض حياتنا و حياة غيرنا من الأبرياء للخطر.
– أن هذا القانون الذي تم الطعن في دستوريته، فأؤكد لك أنه لا يحوي أية مادة تخالف الدستور، و قد يرى البعض أنه مخالف للمسطرة الجنائية فهذا صحيح لأنه أعد خصيصا للتعامل مع الجرائم الإرهابية حتى لا يكون هنالك خلط لدى القاضي بينها و بين الجرائم العادية. كمت تمت فيه مراعاة الشمولية و منح القضاة مجالا واسعا للتأويل كي يتعاملوا بعدالة و إنصاف مع المتهمين في هذا النوع من القضايا. و يتجلى ذلك من خلال المادة 21 التي تنص على ما يلي: (يمكن أن تتخذ عقوبة الإعدام إذا سببت الوقائع التي أرتكبت، قتل شخص أو أكثر). و لعلمك الخاص، فقد طالبت لجنتا القانون بمجلس الشيوخ و الجمعية الوطنية بحذف الإمكانية و استبدالها بالإلزامية، فدافع أصحاب النص عن ذلك كثيرا حتى مرروا المادة بدون تغيير و هو ما يدل على حرصهم على ضمان العدالة و الإنصاف و ذلك بترك مجال للمناورة بيد القضاة حتى تضمن حقوق المتهمين.
ربما يكون البعض منا استأثربمداخلة عمر أو زيد في التلفزيون حول هذا القانون، لكني أؤكد لك بأن جل من اعترضوا على هذا القانون نشك في وطنيتهم و إخلاصهم لهذا الوطن، فالكونجريس الأميركي إلتم شمله أنذاك، جمهوريون و ديمقراطيون حول قانون الإرهاب لأن المسألة تتعلق بالأمن القومي للولايات المتحدة، التي هز كيانها منذ أحداث سبتمبر 2001. فكيف يتشدق البعض منا هنا للدفاع عن حريات شرذمة قليلة قد تعرض حياة كل المواطنين الموريتانيين للخطر. لكن هذا النوع من المواقف ليس بالغريب على منتخبينا الذين عودونا بشدة على وطنيتهم بالدفاع عن مصالحهم الشخصية على حساب تلك العليا للبلد.
محمد الأمين الشامخ
mcham_2007@yahoo.fr