أخبار

توقف الحلقة الثانية من “محاربة الفساد”: براءة متهمين أم تورط شهود

إذا كانت المرحلة الأولى من الحرب على الفساد قد خلفت وراءها جدلا واسعا حول الطريقة التي تم بها اختيارحقبة نظام ولد الطايع كبداية لمعالجة ملفات الفساد، وانتهاءا بالتعاطي مع ملف رجال الأعمال، مرورا بالآليات والمعايير التي عرف بها الفساد وصنف من خلالها المفسدون، فإن الحلقة الثانية من سلسلة محاربة الفساد والتي كان النظام قد وعد بفتح ملفاتها في وقت سابق قد باتت على وشك أن تفجر حقلا واسعا من علامات الاستفهام والتعجب، بل وأضحت فوق ذلك كله تشكل لغزا سياسيا ومعضلة قانونية ذات أبعاد متداخلة يمكن أن تضيف إلى البناء المفاهيمي لكل من الدولة والمجتمع ما من شأنه أن يشكل اللبنات الأولى للجدار الفاصل بين الوعود الانتخابية المرحلية التي تمليها طبيعة السباق نحو السلطة، وبين الخطاب أوالفعل السياسي العقلاني الهادف فعلا إلى محاربة الفساد. هكذا على الأقل يصبح من المشروع طرح التساؤلات التالية:

– مالذي أوقف مسار الحلقة الثانية من الحرب على الفساد، المتعلقة بالمرحلة الانتقالية التي أدارها اعل ولد محمد فال بعد انقلاب 2005؟

– لماذا تحولت أسماء بارزة في هذا الملف من متهمين بالفساد، إلى ديبلوماسيين يتقلدون مناصب حساسة وهامة؟
– ألا يحق للرأي العام الموريتاني أن يعلم عن طريق نظامه المنتخب كيف ثبتت براءة هؤلاء، ليتبين أن تقلدهم لهذه المناصب ليس مخاطرة بمصالح البلاد، وليعيد بناء تصوراته وإدراكاته على أسس ومعطيات جديدة ربما يكون معها كل من الرأي العام والنظام نفسه مدينان للمتهمين بالفساد باعتذار رسمي عما لحقهم من أذا ومن شبهات طوال المرحلة السابقة؟
– ألا يطرح كل هذا القدر من التناقض وعدم اليقين التساؤل حول ما إذا كانت الحرب على الفساد هي حرب دولة ومجتمع أم مجرد حرب نظام ؟ وبصيغة أخرى هل هذه الحرب هدف لبناء دولة موريتانيا الجديدة أم وسيلة لتحييد خصوم نظامها الحاكم؟

قد تكون الحلقة الثانية من ملف الحرب على الفساد أوقفت لأن فاسقا –ما- قد جاء إلى ابن عبد العزيز بنبئ فتبين هذا الأخير عدم صحته فخشي أن يصيب القوم بجهالة فيصبح على ما فعل من النادمين، وقد يكون فخامة الرئيس رأى في إغلاق هذا الملف شرا لا بد منه، بعد ما ثبت أن أعل ولد محمد فال لم يترك بلدا أوروبيا دون أن يجنده لصالحه في معركة محتملة ضد النظام، وقد تكون الحلقة الثانية من الحرب على الفساد مجرد سراب حسبه الشعب الموريتاني الظمآن ماءا، إذ أن البعض يرون أن النظام لم يحدد يوما من هم المعنيون بالخطوة الثانية من حربه على الفساد، وإنما كان الرأي العام قد خلق شبه إجماع حولهم انطلاقا من مبدأ “المحصور بالحد لا يحتاج إلى العد” مع هذا الطرح الأخير يصبح الحديث عن أعل ولد محمد فال وعن تورطه في الفساد أمرا لاطائل من وراءه فهو من باب اللغو وفضول الكلام، وهو طرح لن يستكين له نظام ولد عبد العزيز الذي دأب على تصوير أعل ولد محمد فال ومن معه على أنهم منبع الخراب وحماته، والواقع أن هذه الاحتمالات كلها -وإن جاز طرحها، إلا أنها تبقى مجرد تلمس للأعذار لإخراج النظام من مأزق وضع فيه نفسه منذ بداية الحديث عن الحرب على الفساد، فهو الآن مجبر إما على فتح ملفات الحلقة الثانية من محاربة الفساد وله أن يختار المفسدين الذين سيحاسبهم، وإما على تقديم براهين ساطعة على على براءة من اتهمهم فيكون بذلك مدانا لهم ولنا باعتذار ، وإما أن يكون هذا الملف قد أغلق بدافع الصفح والتجاوز، فيصبح من حق رجال الأعمال والمجردين من مناصبهم أن يستردوا الأموال التي سلبوها، ابتعادا عن سياسة الكيل بمكيالين، هكذا على الأقل قد تبدو الصورة من بعيد أكثر منطقية، غير أن الاقتراب من المشهد الحالي يفضح ملامح أخرى ربما ستبعدنا ولو إلى حين عن فرضية الصفح والتجاوز، فالذين كانوا بالأمس القريب متهمين في نظر النظام بالفساد والإفساد والذين كانوا على مرمى حجر من المحاكم هاهم اليوم سفراء لبلادنا في دول على قدر كبير من الأهمية من منظورسياستنا الخارجية الجديدة، ناهيك عن ما يدور حول امكانية اشراكهم في مستقبل العملية السياسية وتوازناتها المنتظرة.

وإذا كان الجدل القائم حول براءة هؤلاء أو تورطهم قد حسم أو بالكاد سيحسم على مستوى اللعبة السياسية ورهاناتها السلطوية، فإن الأمر لن يكون كذلك بالنسبة للرأي العام الموريتاني الذي يبدو أنه قد تعرض لاستغلال كبير عبر إثارة ملفات وشعارات وعناوين بلا مضمون ودعاية فاسدة قدمت له خلال الحملات الانتخابية ليملأ بها بعض مساحات الذهول والفراغات الذهنية التي تتكون بعد كل عملية انقلاب، أو استيلاء على السلطة، الأمر الذي يبدو معه النظام السياسي ،في هذه المرحلة على الأقل، مدينا للرأي العام بتفسيروتوضيح السياقات القانونية والسياسية والمصلحية، التي انتقلت فيها مجموعة متهمين إلى سفراء لتمثيل دولة آلت على نفسها منذ 18 من يوليو 2009محاربة الفساد والمفسدين.

أن يدان المفسدون اليوم أو لا يدانون فتلك مسألة تخص النظام وخصومه، وأن يفيق الرأي العام أو لا يفيق من سباته ويتغلب على حقنة التخدير التي أخذها منذ الانتخابات الماضية فذاك أمر مرهون بقدرته على قراءة متغيرات المرحلة الراهنة، غير أن ماليس بيد النظام ولا في مخيلة الرأي العام هو الإجابة على التساؤل حول ما إذا كانت الحرب على الفساد حرب دولة ومجتمع أم حرب نظام وسلطة؟ وهو ما ستجيب عنه الأيام القليلة القادمة خاصة في ظل التحولات الجوهرية التي ستشهدها الدولة والسلطة والتي ربما ستفتح الباب أمام التشكيك في قدرة النظام والمجتمع ليس فقط على الإجابة على تساؤلات هذه المرحلة، بل وأيضا حول قدرة كل منهما على الاستمرار في ظل الضغوطات التي سيواجهانها لاحقا والتي ستفرضها طبيعة الأزمات التي تتشكل وتنمو بتسارع منقطع النظير داخل رحم الدولة وبناهاالمؤسساتية والاجتماعية الهشة.

انباء – حمدي ولد الداه

مواضيع مشابهة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button