ماذا بعد تفعيل لجان مجلس التعاون الخليجي/ عبد الله بونا
تابعت باهتمام زيارة وزير الخارجية العماني صحبة الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي قبل أيام للدوحة بقدر من التفاؤل ولو كان قليلا لكنه يكفي ليبعث الأمل في حلحلة الأزمة التي أعتبرها بالغة الخطورة على المجلس وعلى الأمة عموما لأكثر من سبب.
فهي أزمة سريعة الاستنزاف للثروات الخليجية إذ انفق الفرقاء فيها ارقاما فلكية لتغذية الخلاف واستقطاب مراكز نفوذا امريكية وأوروبية وآسيوية ؛ كل يسعى لكسب أنصار لوجهة نظره في القضية.
وهي استنزاف لطاقات مادية ومعنوية لو وجهت للداخل الخليجي لكانت لها بصمة مميزة في نهضة دول الخليج التي قطعت أشواطا مهمة.
وهي أزمة شقت الرأي العام العربي بالعرض والطول ؛ وشقت النخب السياسية من كل مستوى وخلقت بيئة موبوءة بالكراهية السياسية استغلها كل ناعق لتحقيق أهدافه.
كانت النتيجة المعلنة لتلك الزيارة هي إعلان تفعيل لجان مجلس التعاون ؛ ويعتبر ذلك تطورا مهما في ظروف احتقان دبلوماسي شديد ؛ لكنه لايكفي للخروج من دوامة الحملات المتبادلة والمواجهة السياسية في خطوط التماس الإقليمي والقاري والعالمي.
صحيح أن الشرخ عميق بسبب حدة الاصطفاف وتشعب الصراع الذي وسع دائرته لتتأثر دول عربية به ؛ لكن تبقى الحكمة هي الملاذ في كل دورة خصومة أو عداوة أو حرب او صدام بين الدول وبين الأمم ؛ فالزمن لايمكن أن يتوقف عند الجراح والألم والثارات وإلا لما قامت حضارة إنسانية ولا إسلامية.
لقد كانت الثارات نازفة بين الأوس والخزرج مثلا لأكثر من قرن من الزمن لكنهم بقيم الإسلام ومبادئه تحولوا إلى أنصار الحق وحاضنته في المدينة المنورة وضربوا أجمل مثال وأكمله في السمو عن ثارات الجاهلية ودموية وعداوات الماضي؛ وكذلك كان أهل مكة وماحولها مع الإسلام ؛ فاغلبهم له تاريخ مواجهات شرسة معه ؛ إلا أن القبائل العربية توحدت تحت لوائه ودفنت ماضيها البغيض لتقدم للبشرية حضارة المحبة والعدالة والتطور.
ولقد شهد العالم من حولنا دورات حروب ودمار قادت إلى دورة علاقات صداقة وتعاون وتكامل فيما يخدم شعوبها ؛ بل شكل الأعداء في أوروبا اتحادهم على أنقاض حرب أحرقت مدن اوروبا الجميلة.
اليابان قبل النووي وبعده مختلفة فهي شريك كامل لامريكا وحلفها الغربي ؛ والأمثلة كثيرة.
نحمد الله أن الأزمة الخليجية الحالية لم تصل إلى ذروتها بحرب قد تحرق المنطقة ؛ وذلك ما يخطط له الاعداء ؛ فاستنزاف المال العربي يهمهم بكل الطرق لمنع العرب من توظيف ثرواتهم فيما يلزم أن توظف فيه ، ومن المؤسف أن تسود المكابرة المشهد بمزيد من التدويل لأزمة يمكن أن يحلها أطرافها بيسر.
امريكا وتركيا وإيران والكيان الصهيوني هم أكبر المستفيدين من تأجيج الأزمة وإن أظهروا عكس ذلك مع الفارق.
هل انطبقت مقولة ابن خلدون على الأمة فعلا( العرب يولى عليهم ولايولى منهم ؛ أشداء مع بعضهم رحماء مع غيرهم).
هل هناك من ينتظر بالمصالحة خراب البصرة!
متى يعود الأشقاء في الخليج لمجلسهم العامر بعزة نفس وسمو عن الضغائن والثارات ؟
متى يعمل مجلس التعاون الخليجي بكل طاقته في عصر لا مكان فيه للانطوائية والانغلاق على الذات؟
متى تدرك الحركات والأحزاب والتيارات التي ركبت موجة الأزمة فزادتها اشتعالا أنها بذلك ترتكب جريمة نكراء ضد الأمة كلها؟
اللهم ألف بين قلوب أهلنا في الخليج وفي كل مكان على مافيه عز الدنيا والآخرة لأمة محمد صلى الله عليه وسلم
بقلم : عبد الله بن بونا