المَحْصَر السياسي : موسم البَذاء /د.عبدالله محمد عبد الرحمن
المَحْصَر السياسي : موسم البَذاء
تزدحم المواقع الالكترونية الموريتانية هذه الأيام بمجموعة من الكتابات الشتائمية البذائية بين زعماء سياسيين من موالاة ومعارضة وأيضاً من يدعون انتمائهم لطرف سياسي أو آخر… في تسلسلية لا تكاد تنتهي حتى تبدأ … ولا توشك تخبو نارها حتى تثور من جديد..
هذه الشتائم المتتالية والمتطايرة الشرر والتي وصلت في أحايين كثيرة إلى تجاوز حدود الشتم (شتم (لسان العرب)الشَّتْمُ: قبيح الكلام وليس فيه قَذْفٌ.) لتصل حد القذَع (قذع (لسان العرب) القَذَعُ: الخَنى والفُحْشُ. الهِجاءُ المُقْذِعُ: الذي فيه فُحْش وقَذْفٌ وسَبّ يَقْبُحُ نَشْرُه)… تطاير شررها ليصيب كثيرين أحياء و أموات … دونما هدف ولا فائدة…. فالحكومة و وزراؤها وموالاتها يشتمون ويسبّون ويقذَعون المعارضة وقادتها وزعماءها …. لترد الأخيرة بالمثل وأكثر من طرف قادتها على مختلف توجهاتهم ببيانات حزبية ومقالات من ناشطيهم… وتواصل السِّباب بسلسلة الهجمات والهجمات المضادة بين القوميين والاسلامويين وبالخاصة منهم البعثيون والتواصليون…. تصل حد السباب من قبيل عبارات ” تمس الشرف” وهو ما لا تقبله أو تتقبله الذائقة العامة ولا أخلاقيات المجتمع ….
التشاتم “المحصري”
في الرواية الشعبية : أنه في مرحلة ما .. لم يكن لدى بعض أهل المحصر – خاصة النساء- ما يشغلون به أوقات الفراغ ، سوى التشاتم والتساب في ما بينهم من الفجر حتى النوم “عُقب ليلٍ”… و ذات ضحى … كان جمع منهن يمارس هوايته المفضلة في السباب بينهن، حين جاءهن مجنون وبدأ الشتائم معهن وبادلنه بأخرى واستمر السباب والشتم والهجاء والإقذاع حتى أسقطهن النوم واحدة تلو الأخرى …بينما بقي هو ” المجنون” يقظاً ومستمراً في سبابهن…. يكيل لهن الشتائم وهن نيام … حتى الصباح …. واستيقظن لتستمر كل واحدة في شتائمها له…. لكنه أسكتهن قائلاً : “حانيكم تتلاحكو بيّ .. بايت نعيبكم وانتوم اركود” (انتظرن حتى تلحقن بي .. بتُّ أسبكن وأنتن نائمات)… وتركهن وذهب… بالمناسبة : كان السباب والشتم دون كراهة أو بغض بل على سبيل المزاح وملء الفراغ فقط
تذكرت هذه القصة وأنا أتصفح المواقع المختلفة لأجد نفسي بين “إقذاعيات” القوميين والاسلامويين (( ليس هجائيات كما يسميها البعض: هَجاهُ (القاموس المحيط) هَجاهُ هَجْواً وهِجاءً: شَتَمَهُ بالشِعْرِ. )) التي تجعلك تحس بأنها سباب وقذف من أجل السباب و القذف… وشتم وإقذاع من أجل الشتم والاقذاع …. واتهامات متبادلة دون أدلة ولا إثباتات …. يظهر كل طرف فيها سوآت الطرف المعادي وينشر “غسيله الوسخ” على مبدإ ( إذا اختلف اللصوص خرجت ” السريكة”) كما قال أحد المعلقين….
تجد قاموساً منتقىً من الكلمات والعبارات السوقية الحطيئية من قبيل الأوصاف: ” الطراطير” ” الظلاميون الأفاكون”.” صراصير”، “الخلية الشوفينية”، “دكتورك المزور”، ” العبثيون في حزب الصؤاب”، ” الطرطور الأحمق”، “رمز للدمامة العالمية، والاتساخ المظهري البشع” ” إحياء الرمم القاحلة”، ” رذالتكم المتقيحة” ” الإفك والتزييف والضلال المبين”، ” مراحيض فكركم النتنة ” ، “حزب النزوة”، “جيف الحسرى” ،” حفنة من الشوفينيين والرعاع” ،الكنيف ، و التكفيري والخائن ، والمتآمر ، “الإلحاد”، “لكع” (الصّحّاح في اللغة) لَكَعَ عليه الوسخ لَكْعاً، إذا لصق به ولزمه.ورجلٌ لُكَعٌ، أي لئيمٌ. اللُّكَعُ (القاموس المحيط) : اللئيمُ، والأحمقُ، ومَن لا يَتَّجِهُ لِمَنْطِقٍ ولا غيرِه.، “أسفل السافلين”، ” التطبيل والتزمير والتزوير”، “أقزام وسفلة كلام”، “الكلام الرديء واللفظ البذيء”، “ندى الأقذار ووسخ الأفكار”، “حثالة …. العاجزة و الفاشلة” ، “يكشف سوءته”، “الوقاحة السياسية”، “العمالة والتملق والمحاباة” ، “أقزام الرذلاء”، “وسودائية غياب العقل”، “عنوان نزق لعنصري خرف”، “سخافة في سخافة”، “الكتاب العجاف”، “الإمعة الخائن المتردد”، “البلادة والانعزال الفكري”، “الدنس والخزعبلات والشعوذة”، “الخلية الظلامية”، “الغر العياياء”، “وتجمعون كل جرائكم لنباح الشمس”، “لأوباش الـ….جية إلى أقماع السمسم”….
أكتفي بهذا القدر من القاموس اللفظي الشتائمي للطرفين .. حتى لا يتحول مقالي إلى تدوين لها فقط..
لا أعتقد أن تاريخ هذا المنكب البرزخي قد صب فيه من السباب والقذَع والبذاءة في فترة وجيزة مثل ما مر في الأيام الماضية… إذ أمتشِقت أقلام تكتب يومياً في البذاء بذأ (مقاييس اللغة) الباء والذال والهمزة أصلٌ واحد، وهو خروج الشيء عن طريقةِ الإحْماد(الحمد)، تقول: هو بذِيءُ اللِّسان.)… بذا (الصّحّاح في اللغة) البَذاء بالمدِّ: الفُحْشُ من القول.
بذاءات وشتائم وإقذاع وسب وتجريح وتعريض بأحياء وأموات … بلا بداية محددة ولا نهاية معروفة… والأدهى أنه بلا جدوى بالنسبة المواطن البسيط من مثلي….
يهمني أكثر منها أن الأسعار تزداد بشكل متسارع أكثر من كم الشتائم في مقالاتهم ومغالطاتهم وكرنفالاتهم… زيادات جنونية لم يعلم بها أي من أحزابهم ولا قادتهم ولا حكومتهم ولا مولاتهم أو معارضتهم…. فمنذ أقل من شهر زاد سعر الوقود (غازوال) بشكل جنوني ولم نسمع من محترفي السياسة ولا من هواتها أي تعليق على هذه الزيادة ، والتي يترتب عليها مباشرة زيادة في أسعار كل شيء…
و في شهر دجمبر 2009 صوت البرلمان الموريتاني على قانون الميزانية لعام 2010 فقرر زيادة الضرائب على الأرز (مصدر الغذاء الأول في البلد بل العالم) ثم على البنزين وعلى السيارات الشخصية بنسبة 50% وسيارات النقل بنسبة 100% ،… ورفض برلماننا الضرائب على السجائر …
وسيأتي 31 مايو: اليوم العالمي ضد التدخين… ونعلم مسبقاً أن لن يتظاهر أي من هؤلاء (أمام البرلمان مثلاً) بل لن يتذكر أي منهم المطالبة بزيادة الضرائب على السجائر و خفضها على الغذاء والدواء حتى يكونا في متناول المواطن البسيط الفقير.. في أعماق الجهل ومثلث الفقر ودائرة الجوع ومربع الفاقة…
سادتي …. منذ نعومة أظفارنا ونحن نعرف رأي القوميين في الإخوان المسلمين وقادتهم…. ونعلم رأي الإخوان في القوميين وقادتهم …. ونعلم الصراع والمشاكل بينهم “ما يتكاعدو اعل النار”…. فما ذكره الطرفان في مهاتراتهم .. معروف للجميع ما عدا قاموسهم الشتائمي الغريب…. ولست أدري لمن يوجهون كلامهم..
بدأ هذا القاموس بسبب إشكالية التعريب… واتهم كل طرف صاحبه اللدود بالعمالة والخيانة وبقية القاموس… وخفُت الصخب حول التعريب والفرنسة واللغات الوطنية … وارتفع السباب والاقذاع والبذاءة في كرنفالات متتالية متوالية…
وخرج المواطن البسيط وهمومه من الواجهة إلى حين… فهل “إلى حين” يعلن طرف انتصاره والأخر هزيمته؟ وهل من مستعد لذلك؟
سادتي الافاضل: أربأ بكم عن هذا… والعمل الطوعي في مجتمعكم مفتوح … فلتتنافسوا فيه … وليكن سجالكم في ما “ينفع الناس”….
وفي الأخير :
أستعير كلمة مدام رولاند الشهيرة وهي في طريقها إلى المقصلة،: «ايه أيتها الحرية! كم من الجرائم قد اقترفت باسمك».
لأقول:
ايه أيتها العربية ….
إيهٍ أيتها الوحدة الوطنية…
إيهٍ أيتها الحرية الصحفية الرقمية….
وإيهٍ ثم إيهٍ ثم …..آآآآآآآآهْ
د.عبدالله محمد عبد الرحمن – طبيب