موريتانيا نموذجاً.. تغيير قواعد اللعبة !
أنباء انغو- الإنجازالوحيد في التجربة الانتخابية الموريتانية، أن الرئيس محمد ولد عبدالعزيز، المنتهية ولايته في الثاني من أغسطس المقبل، التزم بالوعد الذي ألزم به نفسه، وأقسم عليه باحترام الدستور، وترك السلطة بعد فترتين رئاسيتين، ورفض الفكرة التي طرحها البعض بتعديل الدستور، بما يمكنه من الترشح لمدة ثالثة، مما فتح الباب واسعاً أمام إجراء انتخابات رئاسية ستشهدها البلاد في ٢٢ يونيو الحالي، بالإضافة إلى وجود ستة مرشحين للرئاسة من اتجاهات مختلفة، أما غير ذلك فهو إعادة لإنتاج النظام القديم بوجوه جديدة، وإن كانت جزءاً من المشهد السياسي خلال فترتي الرئيس محمد ولد عبدالعزيز، عندما أعلن الرئيس عن دعمه للجنرال المتقاعد محمد ولد الغزواني وزير الدفاع، الذي أشاد في أكثر من مناسبة بما حققه ولد عبدالعزيز من إنجازات، وأكد أنه سيحافظ عليها، ويعمل على تعزيزها، فيما يوصف من طرف أنصاره بأنه «استمرار للنهج» الذي وضعه ولد عبدالعزيز.
نحن إذاً أمام استنساخ موريتاني، لتجربة بوتن- دميتري ميدفيديف؟ ولكن هذه المرة بين اثنين من المنتمين للمؤسسة العسكرية، والأمر هنا يتعلق بتطوير في فكر العسكر في العالم العربي، ففي السابق كان القادة العسكريون يأتون من الثكنات إلى قصور الرئاسة، وأحياناً دون أن يغيروا حتى ملابسهم العسكرية، ولن نتحدث عن أفكارهم ورؤيتهم للحياة المدنية ويخرجون منها إلى القبر –إلا قليلاً–، أما الآن فقد أتاحوا لأنفسهم فسحة قصيرة من الوقت، لتغيير قواعد اللعبة، باستخدام أدوات الديمقراطية، وهم لا يؤمنون بها، فنحن أمام رئيس موريتاني منتهية ولايته، هو الثامن منذ الاستقلال، وسادس رئيس عسكري، حيث أطاح بأول رئيس منتخب هو سيدي محمد ولد الشيخ، الذي جاء إلى الحكم في انتخابات نزيهة، شهد بها الجميع، ولكن الأخير دفع ثمناً لقراره بخلع محمد ولد عبدالعزيز من الحرس الرئاسي، وكان ذلك في أغسطس ٢٠٠٨، وكما تعودنا فإن الحل هو الانقلاب عليه، باعتباره السبيل الوحيد للبقاء في السلطة، صحيح كما قلنا إنه التزم بالدستور، ولم يعدله، ولكنه يدعم بشكل واضح وزير دفاعه، وصندوقه الأسود، الذي رفض أكثر من مرة القيام بانقلاب عليه، وبقي على ولائه، فنال المكافأة، خاصة أنه شارك في انقلابين سابقين الأول في ٢٠٠٥ على الرئيس معاوية ولد سيدي أحمد الطايع، والثاني في ٢٠٠٨ ضد سيدي محمد ولد الشيخ عبدالله، وهو أول رئيس مدني كما سبق لنا أن ذكرنا.
وقد كشفت الانتخابات الموريتانية عن أهم أمراض المعارضة في العالم العربي، التي دوماً ما تشهد تشرذماً لا يستفيد منه سوى مرشح الحزب الحاكم، فبدلاً من دعم مرشح واحد، يحظى بدعمها، متجاوزة الاختلافات الأيديولوجية، وفقاً لبرنامج مشترك يمثل الحد الأدنى من القبول والتوافق، نجد أننا في موريتانيا أمام خمسة مرشحين، في مواجهة محمد ولد الغزواني، وكان أقربهم للإجماع الوطني من المعارضة، كما تشير كل التقارير، سيدي محمد ولد بوبكر، وهو رجل دولة، ويحمل شهادة عليا في القانون الاقتصادي من جامعة أورليان الفرنسية، كما تقلد العديد من المناصب في حقبة الرئيس المخلوع معاوية ولد سيد أحمد الطائع، فقد كان وزيراً للمالية، ثم رئيساً للحكومة في مطلع التسعينيات، ثم أميناً عاماً للحزب الحاكم، كما عمل رئيساً للحكومة مرة أخرى بعد الإطاحة بولد الطائع عام ٢٠٠٥، وظل في المنصب حتى انتهاء الفترة الانتقالية في ٢٠٠٧، كما عمل سفيراً في العديد من البلدان والمنظمات الدولية، ويعتبر من أبرز المرشحين الحاليين بحكم خبرته الطويلة في العمل الحكومي والدبلوماسي، إلى جانب علاقاته القديمة بدوائر صنع القرار. ويحظى الرجل بدعم أطياف من المعارضة، من أبرزها حزب «تواصل» الإسلامي الذي يتزعم المعارضة في البرلمان، كما يدعمه رجل الأعمال محمد ولد بوعماتو المقيم في فرنسا، والذي تلاحقه السلطات الموريتانية بتهم توصف بأنها سياسية.
الانتخابات الرئاسية تحتاج أكثر من مقال، لعلنا نعود إليها في آخر قادم، ولكن المهم ويتعلق بترشح العسكريين في العالم العربي، فاعتقد وحتى تستقيم الأمور، لا بد من حظر تقدمهم للترشح للانتخابات الرئاسية، سوى بعد مرور دورة رئاسية كاملة من خروجهم على الاستيداع، حتى لا يتم اعتباره مرشح المؤسسة العسكرية، والأمر ليس صعباً، ولكن من يسمع أو يلتزم؟!.
- العرب (القطرية)