أخبار

من يحكم منطقة الساحل الافريقي ؟

في صحراء شاسعة تعادل مساحة أوربا ، يتنقل على شكل مجموعات صغيرة، ثوار بحثا عن حقوقهم المهضومة واسترجاعا لكرامة مهدورة، ومتطرفين اختاروا استغلال العامل الديني لمعارضة أنظمتهم الديكتاتورية،و مهربين يتاجرون في كل شيء طلبا للمال، الكل يحكم ولا أحد يسيطر ، مالي ليست قادرة على فرض سيطرتها على المنطقة، أفراد الجيش المالي يعتبرون مهمات الشمال عقوبة، الفرق التي ترسل الى الشمال عادة ما تكون بقيادة عسكريين طوارق او عرب من أبناء المنطقة، لكن هؤلاء أصبحوا لا يتشجعون على قيادة فرق الجيش خوفا من الاصطدام بأبناء جلدتهم، مما يخلق عداوات قبلية عادة ما تنتهي بتصفية حسابات على المستوى المحلي.

هناك اختلاف بين القيادة المدنية “الرئيس توماني، المستشارين الوزراء”و القيادة العسكرية حول الحل في الشمال، الطرف الأول يحبذ الحوار بمساهمة دول الجوار والولايات المتحدة الأمريكية وأطراف دولية ، بينما يرى العسكر بأن الحل العسكري الأكثر جدوى .

الجزائر تكتفي بالتعامل مع أطراف طارقية وعربية”يتحركون بتعليمات من أجهزة المخابرات العسكرية” بالمنطقة، تدير الملف حسب مصالحها الوقتية والإستراتيجية ،فكثيرا ما تكون وراء تحرك بعض الأفراد المسلحين من الطوارق لفرض موقف ما على مالي أو النيجر.

وفي ذات الوقت تراقب الجزائر جنوبها الذي يتأثر سلبا وإيجابا بما يجري في منطقة شمال مالي والنيجر، الجنوب الجزائري أضحى يتحرك بدوره رغم السيطرة القوية لجهاز الاستخبارات،عبر حركة أبناء الجنوب،المتكونة من قبائل الشعبانية والطوارق، والذين يطالبون بإنصاف منطقتهم.

ترى القيادة السياسة الجزائرية بأن التحرك لحل مسألة شمال مالي والنيجر يجب أن يكون مشتركا بين دول المنطقة ” مالي النيجر ليبيا بالإضافة إلى الجزائر”

لكن الأخيرة لا تريد التفريط في القيادة والزعامة الإقليمية وفرض رؤيتها، العمل المشترك بين هذه الدول تعوقه خلافات قوية بين مالي والجزائر من جهة ومالي موريتانيا من جهة ثانية والجزائر وليبيا من جهة ثالثة.

زيادة التأثير الأمريكي في صناعة القرار في مالي، لا ينظر إليه الطرف الجزائري بعين الرضا ،فقد أصبح له تأثير على علاقة الجزائر بمالي.

لعبت المساعدات الأمريكية لمالي ،خاصة العسكرية منها إبان التمرد الطوارقي 2005، دورا رئيسيا في رسم في التغيير في الذي شهدته العلاقات المالية الأمريكية،وبينما رفضت الجزائر منذ البداية المشروع الأمريكي” بان ساحل” بدعوى رفض أي تدخل أجنبي في المنطقة، عبر الرئيس مالي عن قبوله له خلال زيارته الوحيدة إلى الولايات المتحدة في عهد الرئيس السابق بوش، و يرى توماني توري بأن تدخلا أمريكيا في المنطقة سيساعد بلاده على التخلص نهائيا من تمردات المتتالية في الشمال، ويوقف الضغط الجزائري الليبي على حكومة بلده.

لكن الخطوة المالية لم تكن لتنجح في التقليل من الضغط الجزائري ، فدور الأخيرة في المنطقة بقي رئيسيا ، نظرا لمعرفة الأخيرة بدوائر القرار ذات التأثير في المنطقة، وربطها علاقات متينة من شخصيات مؤثرة.

انزعاج الجزائر من بعض الأطراف في مالي التي تدعو لعلاقات متوازنة معها، لا تؤثر بالضرورة على علاقات مالي بدول الجوار خاصة المغرب وليبيا وبالدول الكبرى الولايات المتحدة وفرنسا ، جعل الجزائر تتهم تلك الأطراف بالتعاون مع القاعدة ومهربي المخدرات والسلع والأسلحة ،بل أن الصحافة الجزائرية لم تستبعد تورط الرئيس توماني توري في تلك الأنشطة الخارجة عن القانون.

فيما يخص ليبيا التي استطاع “زعيمها” معمر القذافي أن يصبح ذا تأثير قوي ورقما صعبا لا يمكن تجاوزه في أية مسالة لها علاقة بما يجري في الساحل، عبر علاقات مع قادة حركة الطوارق ، ، وزيادة الاستثمارات الليبية في مالي ، بما فيها الاستثمارات الخاصة التي تشرك الرئيس المالي وزوجته في جني الأرباح،وهو ما حول الرئيس توماني إلى أداة طيعة في يد الزعيم يفعل بها ما يشاء، حتى أصبح الطوارق يتداولون بينهم بان من يريد أن يتقلد منصبا دبلوماسيا في مالي عليه أن يتجه الى طرابلس أولا، وسيوقع التعيين بالأمر في باماكو.

الآن ليبيا تزاحم الجزائر في المنطقة وفي التأثير على اغلب الفاعلين فيها، وتختلف الدولتين في كل شئ بالنسبة لما يخص مستقبل المنطقة وحل مشكلة شمال مالي والنيجر”المسألة الطوارقية”، والنقطة الوحيدة التي يبدو ان الدولتين تتفقان فيها رفض التدخل الأجنبي في المنطقة وبالخصوص الأمريكي.

الخلافات الجزائرية الليبية أخذت اتجاهات متعددة، علي المستوي الديبلوماسي ، لا يخفي المكلفين بملف الطوارق في الحكومة البلدين، موسي كوني قنصل ليبيا في باماكو وعين القذافي على المنطقة، وموسي غريب السفير الجزائري بباماكو صراعهما اليومي في الأوساط الديبلوماسية والشعبية في العاصمة المالية.

فزيارة موسي كوني لشخصية مؤثرة في العاصمة يفترض أن تتبعها زيارة مماثلة من قبل السفير الجزائري لنفس الشخصية، وتنظيم زيارة لوفد الى العاصمة الجزائرية قد تتزامن مع زيارة لوفد مماثل إلى العاصمة الليبية……..وهكذا

دون الحديث ان أموال تدفع ومنافع تعطى لهذه الجهة أو تلك حتى إن اغلب القادة الطوارق يملكون منازل فاخرة بالجزائر وطرابلس ن طبعا مهداة من الحكومتين.

وسط هذا الخلافات ينقسم ولاء الناشطين الطوارق حسب قدرة كل بلد على الضغط وتقديم الهبات وغط الطرف عن نشاطات غير شرعية

الخطاب الأخير “للأخ” القذافي بباماكو في اجتماع مع الفعاليات الطارقية فضح مستوى الخلاف العميق بين ليبيا والجزائر” إشارته إلى اعتراض الجزائر على إقامة ليبيا لقنصلية في كيدال، وتشكيك بوتفليقة في نوايا ليبيا”، كما بين مدى التأثير الذي يمارسه “الزعيم” على بعض قادة الطوارق ” قول غمرو مخاطبا القذافي سير نحن وراءك “على أن ذلك لا يعني تأثيرا فعليا على الغالبية العظمي من الطوارق ولا على حركيتهم وهو ما ستثبته الأيام وإن بشر “الأخ” بعودة الكوني قنصلا.

-أهم قادة الطوارق

– اياد اغ غالي

قائد تمرد التسعينيات تلقى تكوينه العسكري في ليبيا شارك في حرب لبنان ضمن الفوات الليبية وحرب تشاد ، يتولى الآن الأمانة العامة للتحالف الديمقراطي من أجل التغيير هو أيضا قنصل مالي في جدة، لكنه يقيم حاليا بين فرنسا وليبيا وهو منزعج من الضغط الليبي عليه ويتخوف من التصفية على يد المخابرات العسكرية الجزائرية، نظرا لانحيازه للموقف الليبي ،وكان قد نجا من ثلاث محاولات اغتيال في شمال مالي قيل إنها من تدبير الجزائر، ويعتبر الأكثر تأثير بين القادة الطوارق على مستوى الميدان ويحظي باحترام زعماء القبائل.

– إبراهيم باهنكا

أخر من رضخ لاتفاق الجزائر بعد ضغط ليبي، لازال يحتفظ بأسلحته وقواته يسكن بين ليبيا ومنطقة كيدال حيث معسكره، يعتبر الآن القائد الفعلي لحركة الطوارق. لا يخفى فرضية استئناف العمليات العسكرية ضد الجيش وارد في أي لحظة ، استدعته الجزائر قبل شهر و ممثل حركته حاما اغ سيد احماد ، وحسب بعض القيادات العسكرية الطوارقية المقيمة في بماكو فان الأمر يتعلق باقتناع الكثير من الدول بضرورة العمل مع الطوارق ودعمهم على الأقل للقضاء على القاعدة في الساحل، كونهم ادركو أن ذالك لن يتم الا بإشراك اهل المنطقة .

– الوضع الحالي

قبل” العملية الموريتانية” كان الوضع مستقرا نسبيا ،لكن كل الأمور كانت تنبئ بأحداث قريبة ناتجة عن زيادة نشاط القاعدة و مروجي المخدرات مهربي السلع، اعتاد سكان المنطقة من البدو على دوريات للجيش الموريتاني أو للجيش النيجيري في الشمال ،مع تسجيل غياب تام للجيش المالي والجزائري عن المنطقة؟

تنامي نشاط القاعدة في المنطقة استدعى الدعوة من قادة طوارق للبحث عن بدائل للحد من خطر وقوع المنطقة تحت سيطرة الخارجين عن القانون ، خاصة مع الغياب التام لسلطة الدولة ، فتم إنشاء حركة سياسية يرأسها العباس اغ انتالا النائب البرلماني من كيدال، وتضم كل الشخصيات الطوارقية في الشمال وممثلة عن كل القبائل .

الترحيب المجتمع الدولي و بعض دول الجوار بالحركة، لم يترجم الى وفاء بالوعود التي تم الالتزام بها قصد الدعم المادي بسبب فيتو الحكومة المالية وبعض الأطراف في الجزائر خوفا من تحول الحركة عن أهدافها المعلنة حسب البعض، خاصة وأن “أعداء” الطوارق على يقين بقدرتهم على فرض سيطرتهم على منطقتهم إذا ما توفرت لهم الإمكانيات اللازمة، وبالتالي لم تلعب الحركة الدور المنوط بها بل أصبح دورها تنظيم التهريب وفرض الإتاوات على المهربين.

لا يمكن نفي إقامة بعض افراد من الطوارق روابط مع اسلاميين مسلحين يبيعوهم خدماتهم لعمليات مختلفة، لكن بدون تقاسم ايديولوجيتهم، على ما يرى اختصاصيون في شؤون المنطقة.

غالبا ما تتهم سلطات مالي والنيجر ،الطوارق بالمشاركة في عمليات غير شرعية ، لكن التجربة أثبتت غير ذلك ،بعد خطف خمسة فرنسيين وافريقيين اثنين في شمال النيجر الغني بالمناجم، سارع مسؤول رسمي في نيامي الى القول بأن” الخاطفين يتحدثون “بغالبيتهم” اللغة العربية ولغة تماشك الخاصة بطوارق المنطقة.”

في نفس الاتجاه سار وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير قائلا “ان المهاجمين قد “يكونون من الطوارق” المستعدين لبيع ضحاياهم فيما بعد الى “الارهابيين” ،للتذكير الطوارق رفضوا التعاون ومع السلطات الفرنسية فيما يخص الكشف عن مكان جيرمانو.

يعيش عدد كبير من المقاتلين الطوارق السابقين بدون مورد بعد أن قرروا إلقاء السلاح،ولم تف لا حكومة النيجر ولا الطرف الراعي لاتفاقية السلام ليبيا ،بوعدهما للمقاتلين.

وقال بوتالي تشويرن المتحدث السابق باسم حركة النيجريين من اجل العدالة لوكالة فرانس برس “ان الوعود بالاندماج الاجتماعي الاقتصادي للمقاتلين السابقين لم تنفذ مطلقا”، واستطرد “ليس لان بعض الخاطفين يتحدثون التماشك ينبغي اتهام كل الطوارق”.

انسداد الأفق أمام العديد من الشباب الطوارقي حولهم إلى مهربين،في منطقة أصبح التهريب هو النشاط الاقتصادي الوحيد، نتيجة سياسة دول الجوار التي أغلقت جميع المنافذ أمام الطوارق للعيش بكرامة ،ولفت اختصاصي فرنسي في شؤون المنطقة الى العامل الاقتصادي عند سؤاله عن أسباب تعاون بعض الطوارق مع الاسلاميين.

وقال بيار بوالي مدير مركز الدراسات الافريقية لدى المركز الوطني للابحاث العلمية، عندما توجهت اليه فرانس برس بالسؤال “ان التواطؤ بين الطوارق والاسلاميين، ان وجد، يكتسي طابعا ماديا، (اي) من اجل المال، اكثر منه عسكريا”.

وراى بوالي “انها علاقات جوار، لان تنظيم القاعدة في المغرب الاسلامي استقر مع مر السنين في اعالي الجبال القريبة من مناطق الطوارق، وعلاقات اعمال” خصوصا في عمليات التهريب من كل الانواع (المخدرات والمهاجرين غير الشرعيين…) التي تشهدها هذه المناطق الصحراوية الشاسعة.

ولفت الى “ان الطوارق ليسوا بصفتهم جماعة حلفاء او اعضاء في تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي الذين يعتبرونهم حتى كجسم غريب. انهم ليسوا اسلاميين او ارهابيين. حتى انه وقعت اشتباكات دامية بين الطوارق وتنظيم القاعدة في المغرب الاسلامي خصوصا في منطقة كيدال” بشمال شرق مالي.

– التراجع الفرنسي

“العملية العسكرية الموريتانية” من جهة و اختطاف الفرنسيين في النيجر من جهة أخرى أعاد الاهتمام الدولي بالساحل، وكشف عن مخاطر حقيقية تتهدد الاستقرار والامن فيه.

تعهد الرئيس الفرنسي بمعاقبة قتلة جيرمانو، وتعهدت القاعدة بعمليات جديدة ضد فرنسا انتقاما لما أسمته بالغدر،نفذ التنظيم تهديده باختطافه لخمس فرنسيين وإفريقيين يعملون لدا الشركة الفرنسية الرائدة في المجال النووي وأحد أهم القلاع الاقتصادية الفرنسية في المنطقة.

اختارت فرنسا في البداية التصعيد، فأرسلت قوات ومعدات إلى النيجر بهدف التدخل العسكري، لكن التصعيد ما لبث أن خف، لتعلن حكومة ساركوزي استعدادها للتفاوض وسماع مطالب المختطفين.

ما هي أسباب التراجع الفرنسي، فيتو جزائري، تحذير أمريكي، أم خوف من تورط في حرب محلية قد لا تنتهي بما يشتهيه ساركوزي؟

لم تكن الجزائر راضية عن التدخل العسكري الفرنسي إلى جانب القوات الموريتانية في شمال مالي، والتدخل الفرنسي سيكون بداية لتدخل أمريكي كان منتظرا منذ سنوات ولم يجد المبررات المقنعة للتحول لوجود حقيقي، بعد أن اقتصر في العشر سنوات الأخيرة على خبراء عسكريين ومخبريين وأقمار لرصد كل صغيرة وكبيرة عن المنطقة وكانت الولايات المتحدة قد أكدت أن تنظيم القاعدة فى المغرب الإسلامى يشكل “تهديدا للمنطقة بشكل رئيسى”، وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية فيليب كراولى، إن الولايات المتحدة تبادلت المعلومات الاستخباراية مع فرنسا وموريتانيا.

وأضاف: “رأينا مع مرور الزمن أن التهديد استهدف بعض الدول الأوروبية. بالتأكيد هذا التهديد قد يطال الولايات المتحدة أيضا”، وتابع “تبادلنا معلومات فى إطار التعاون الأمنى والاستخباراتى مع هاتين الدولتين لأننا نرى فيه (التنظيم) تهديدا مشتركا”.

فرنسا تحبذ التفاوض لإطلاق سراح مختطفيها، لكنها تراقب الوضع عن قرب ترصدا لفرصة قد تتيح لها تحرير مختطفيها وتسجيل انتصار ،هي في أمس الحاجة إليه .

– موقع هسبرس المغربي

مواضيع مشابهة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button