الاتحاد المغاربي الجديد/ عبد الرحمن شلقم*
أنباء انفو- الاتحاد المغاربي، التجمع الجغرافي الذي يضم كلاً من موريتانيا والمغرب والجزائر وتونس وليبيا صنع في معمل متعدد المواد والأيدي والرؤوس. ولد ذلك الجسم في سنة 1987 بمدينة مراكش المغربية بتوقيع زعماء رحل أغلبهم عن الحياة وغادر من غادر كرسي الحكم. الزمن الذي كان فيه المهد قد مضى، وما بقي منه غمرته هبَّات وتحولات. الدول الخمس التي شكلت ذلك الكيان جمعتها الجغرافيا والتاريخ والدين واللغة وخيوط الأمل وموجات التحديات.
رحل الصانعون وبقي المصنوع يعاني الوهن وغابت عنه الحركة. التطورات الواسعة والعميقة التي شهدتها وتشهدها دول الاتحاد هل ستعيد قوته بعقول جديدة تقوده إلى تجسيد الأهداف التي تحقق ما كان حلما وبقي مجرد رجرجة أمل؟ بعد قيام الاتحاد كُتب له نشيد يقول:
حلم جدي، حلم أمي وأبي
حلم من ماتوا وحلم الحقبِ
حلم من ماتوا وحلم الحقبِ
فانشروا رايتَه خفاقةً
وارفعوها فوقَ هام السحبِ
بعد مرور قرابة ثلاثة عقود على إعلان الاتحاد بقي الحلم حلما وتعثرت الحركة على مساحة الواقع. الكيان المغاربي يبلغ عدد سكانه قرابة المائة مليون نسمة ومساحته أكثر من ستة ملايين كلم مربع وعاصمته الرباط المغربية. بعد الإعلان عن قيامه هللت أفريقيا للوليد الجديد الذي سيكون دافعاً سياسياً واقتصادياً للقارة بأكملها، واندفعت الصحافة الأوروبية تحلل وتنشر المقالات حول الآثار السياسية لقيام الكيان المغاربي المجاور لأوروبا وخاصة جنوبها. الدول الخمس الأعضاء في الاتحاد المغاربي تربطها شراكة اقتصادية واسعة مع دول جنوب المتوسط الأوروبية، إضافة إلى الامتدادات الثقافية واللغوية ووجود جالية مغاربية كبيرة بدول مثل فرنسا وإسبانيا والبرتغال وترتبط في مجموعة خمسة + خمسة.
أقام الاتحاد مؤسسات متعددة على رأسها مجلس الرئاسة المكون من قادة دوله الخمس، والأمانة العامة، ومجلس الشورى، والهيئة القضائية، والأكاديمية المغاربية للعلوم، وجامعة المغرب العربي، ومصرف المغرب العربي للاستثمار والتجارة الخارجية. كان من بين الأهداف المعلنة للاتحاد، فتح الحدود بين الدول الخمس لمنح حرية التنقل للأفراد والسلع ورؤوس الأموال فيما بينها، وفي الميدان الثقافي: إقامة تعاون يرمي إلى تنمية التعليم على جميع مستوياته والحفاظ على القيم الروحية المستمدة من تعاليم الإسلام وصيانة الهوية القومية. لكن الحلم ظل حلما أما حركة ماكينة الكيان فقد تراجعت بل وتوقفت في كثير من المسارات.
السؤال: أين الخلل في هذا الجسم التكاملي الإقليمي؟
منذ البداية كانت عوامل التعطيل أكثر من محركات التفعيل، الأنظمة في الدول الخمس مختلفة إلى حد كبير، فموريتانيا جمهورية إسلامية كما يعلن إسمها الرسمي، تداول على حكمها عسكريون عبر انقلابات لم تغب عن البلاد عبر عقود، أما المغرب فهو مملكة تحكمها أسرة يمتد تاريخها إلى مئات السنين، وشاركت في مقاومة الاستعمار الفرنسي والإسباني، أنجبت علماء على مر التاريخ منذ الحقبة الأندلسية وإلى اليوم، ولا يفصلها عن اليابسة الأوروبية سوى كيلومترات قليلة، ولها علاقات مع أوروبا الغربية في جميع المجالات، وهي أول دولة اعترفت باستقلال الولايات المتحدة، ولم ترتبط بعلاقات خاصة مع الكتلة الشيوعية.
الجمهورية الجزائرية هي قارة واسعة تمتد إلى داخل الصحراء الكبرى، ولها ثروة هائلة من النفط والغاز عاشت حقبة طويلة تحت الاحتلال الفرنسي الذي قاومته في معارك عنيفة دفعت فيها أكثر من مليون شهيد، وبعد الاستقلال ارتبطت بعلاقات وطيدة مع الكتلة الشرقية مع الحفاظ بعلاقة اقتصادية مع الغرب، أما تونس فلها كيانها المتميز عن غيره من شركائه في الاتحاد، حيث تأسست فيها دولة وطنية منذ بداية القرن الثامن عشر، وأصدرت أول دستور في العالم العربي ولم تخضع للاستعمار الفرنسي مباشرة، بل بقيت لها مؤسساتها وعلى رأسها “الباي” زعيم البلاد، وباتفاقية باردو كانت البلاد تحت الوصاية ولم تضمها فرنسا عكس ما كان مع الجزائر، وبعد الاستقلال قادها الراحل الحبيب بورقيبة الذي أسس دولة مدنية متطورة ثقافيا واجتماعياً.
أما ليبيا فكان تاريخها له خاصيته؛ حيث بقيت الولاية الأخيرة التابعة للسلطان العثماني قبل أن يغزوها الإيطاليون، وبعد وصول الفاشيست إلى السلطة قاموا بضمها إلى إيطاليا، وبعد الاستقلال قامت المملكة الليبية المتحدة، وتحولت إلى نظام جديد هو الجماهيرية في عهد الراحل معمر القذافي وتبنت الاشتراكية، وارتبطت بعلاقات خاصة مع الكتلة الشرقية ولم تتوقف عن العمل على تحقيق الوحدة العربية ودخولها في خلافات مع عدد من الدول العربية من بينها الدول التي شكلت الاتحاد المغاربي.
هكذا كانت الأطراف التي تكون منها جسد الكيان الجديد،ما جمعها كان الحلم ولم تغب نتوءات الواقع عن الجسد الجديد.
كانت تونس أكثر الدول حماساً وحرصاً على نجاح الاتحاد، وهي الدولة الوحيدة من بين أعضاء الاتحاد التي وضعت في دستورها (الجمهورية التونسية جزء من المغرب العربي، تعمل على تحقيق وحدته وتتخذ جميع التدابير لتجسيمها). اليوم بعد التطورات السياسية التي شهدتها بلدان المغرب العربي حيث صارت المغرب مملكة دستورية، واعتلى كرسي الرئاسة في موريتانيا رجل منتخب في تداول سلمي على السلطة، وتشهد الجزائر تحولاً تأسيسياً بعد الهبة الشعبية ومغادرة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة لقصر الرئاسة، وأعلن عن انتخابات رئاسية في نهاية هذا العام، وما يجري على الأرض الليبية من تغيرات نأمل في أن تنتهي قريباً بولادة دولة جديدة تقوم على أسس دستورية وقانونية. هل ستعيد الخاتمة النهائية لهذه التطورات في جميع البلدان الأعضاء في كيان الاتحاد المغاربي حياة جديدة تدرك إكراهات الزمن الجديد والتحولات التي يعيشها العالم؟ .
هناك تحدي التنمية والعولمة والإرهاب الذي يهدد دول الاتحاد من الجنوب، وكذلك العملاق الجار الاتحاد الأوروبي، الذي هو الشريك الأول والأساسي للاتحاد. لقد تغيرت الرؤوس التي كانت تقود دول الاتحاد، وحملت معها الخلافات والحساسيات والتنافس على الزعامة، وارتفع صوت الناس وبرزت قوة الشباب وتغيرت المفاهيم بما يعني تغير الأهداف وطبيعة الحركة. اتحاد مغاربي جديد يلوح في الأفق ولو أن التوقيت محكوم بمخرجات حركية لم تصل إلى مداها بعد.
*وزير خارجية ليبيا ومندوبها الأسبق لدى الأمم المتحدة- صحيفة الشرق الأوسط (لندن).