اختيار ولد الشيخ أحمد مبعوثا إلى ليبيا.. متى يحسم الصراع الدولي؟!
أنباء انفو- صعوبة شديدة تواجه الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، في تسمية مبعوثه إلى ليبيا، منذ استقالة غسان سلامة، قبل أكثر من شهرين، وذلك بسبب الصراع الدولي المحتدم حول الشخصية التي ستتولى إدارة ملف ساخن تجاوز مجرد نزاع داخلي على السلطة.
أسماء عديدة تم تداولها في أروقة الأمم المتحدة لخلافة الدبلوماسي اللبناني سلامة، الذي رمى المنشفة لأسباب وصفها بالصحية، بعد أن كان قريبا من التوصل إلى اتفاق جديد، قبل أن ينسف اللواء المتقاعد خليفة حفتر مؤتمر غدامس، قبيل انعقاده بعشرة أيام، بهجومه على العاصمة الليبية طرابلس في 4 أبريل 2019.
ورغم أن مؤتمر برلين، المنعقد في يناي الماضي بألمانيا شكل دَفعة للأمم المتحدة ومبعوثها إلى ليبيا، خاصة مع بداية اجتماعات مجموعة 5+5 العسكرية (5 ضباط من قوات الوفاق الليبية و5 عسكريين تابعين لحفتر)، إلا أن فشل وقف إطلاق النار بسبب انتهاكات مليشيات حفتر المستمرة، وغياب دعم دولي قوي للأمم المتحدة، دفع سلامة إلى مغادرة منصبه بعد عامين ونصف من تعيينه.
أول الأسماء التي تم طرحها لخلافة سلامة كان السلوفاكي ميروسلاف لايجاك، الرئيس السابق للجمعية العامة للأمم المتحدة، لكن الاتحاد الأوروبي سبق غوتيريش، وعين لايجاك، مبعوثاً خاصاً للحوار بين صربيا وكوسوفو، بحسب موقع إذاعة “مونت كارلو” الفرنسية.
كما تم طرح اسم وزير الخارجية التونسي السابق خميس الجهيناوي، لخلافة سلامة، خاصة وأنه مُطلع بشكل جيد على تفاصيل الأزمة الليبية، بحكم أن بلاده من أكثر الدول المتأثرة بالأوضاع في جارتها الشرقية، لكن اسمه توارى، إعلاميا على الأقل، لحساب أسماء أخرى.
وبعد عشرة أيام من استقالة مبعوث الأمم المتحدة إلى ليبيا، عيّن غوتيريش، نائبة سلامة، الأمريكية ستيفاني ويليامز، التي تجيد اللغة العربية، قائمة بأعمال البعثة الأممية هناك، إلى حين تعيين مبعوث جديد، رغم أنها كانت من الأسماء المطروحة لخلافة سلامة، لكنها لم تحظ بالتأييد الدولي الكافي، بحسب مصادر إعلامية.
** واشنطن تنسف “إجماع” حول لعمامرة
وقع اختيار غوتيريش على وزير الخارجية الجزائري السابق رمطان لعمامرة، الذي يملك خبرة في تسوية النزاعات الدولية، خاصة في إفريقيا.
وأبدى لعمامرة موافقته في 7 مارس الماضي على طلب غوتيريش، أي بعد 5 أيام فقط من استقالة سلامة، حسبما كشف الدبلوماسي الجزائري عن ذلك فيما بعد.
وبالتوازي مع سعي غوتيريش إقناع الدول الأعضاء في مجلس الأمن بدعم مرشحه الجزائري، جرى طرح اسم وزير الداخلية الأردني السابق سمير حباشنة، كبديل لسلامة، بحسم ما أعلنت عنه قناة “فرانس 24” الفرنسية (حكومية).
ظهر فجأة اسمان يتنافسان لخلافة اللبناني سلامة، ينتميان إلى دولتين عربيتين لهما رؤيتهما المختلفة بشأن حل الأزمة الليبية.
فلعمامرة، مدعوم من الأمين العام الأممي بحكم خبرته الدبلوماسية، وفهمه لخلفيات الأزمة الليبية، كما يقف الاتحاد الإفريقي بمؤسساته خلفه خاصة مجلس الأمن والسلم الإفريقي (أقوى مؤسسة في الاتحاد الإفريقي بعد مفوضية الاتحاد) الذي يرأسه الجزائري إسماعيل شرقي.
ناهيك عن الدعم الروسي والصيني التقليدي للجزائر ومرشحيها، أما فرنسا وإن كانت على خلاف مع الجزائر حول الملف الليبي، إلا أنها عادة ما تميل إلى مرشحين يجيدون لغتها.
كما أن حكومة الوفاق الوطني الليبي تفضل المرشح الجزائري لمواقفه المتوازنة والداعمة لشرعيتها عندما كان وزيرا للخارجية.
بالمقابل، يحظى المرشح الأردني بتأييد محور الإمارات ومصر والسعودية المدعوم أمريكيا، والمؤيد لحفتر، خاصة أن عمان متهمة -بحسب تقارير أممية وإعلامية- بتزويد جنرال الشرق الليبي بمدرعات وطائرات بدون طيار صينية الصنع، وهذه آخر صفة يتمناها المجتمع الدولي في مبعوث أممي يشترط أن يكون غير منحاز لأي طرف.
حظي مرشح غوتيريش بشبه إجماع داخل مجلس الأمن، خاصة من الكتلة الإفريقية والعربية (جنوب إفريقيا والنيجر وتونس) والكتلة الأوروبية (بريطانيا، وفرنسا وألمانيا وبلجيكا وإستونيا) والكتلة الآسيوية (الصين وفيتنام وإندونيسيا)، فضلا عن الدعم الروسي، بالإضافة إلى الدومينيكان وسانت فنسنت وجزر غرينادين، في القارة الأمريكية (منطقة الكاريبي).
لم يكن هذا “الإجماع” ليرضي واشنطن، فاستعملت نفوذها وامتلاكها لحق النقض (الفيتو) لإجهاضه، دون إبداء أسباب لذلك، ولكن الواضح أنها والمحور العربي الذي تقوده الإمارات، لن يقبلوا بشخصية خارج دائرة نفوذهم وتأثيرهم.
كما أن التنافس الأمريكي الروسي في ليبيا من المرجح أن يكون أحد أسباب اعتراض واشنطن على لعمامرة، خاصة وأن الجزائر من أكبر الدول المستوردة للسلاح من روسيا التي يزداد نفوذها في ليبيا.
ناهيك أن محور “الإمارات ومصر والسعودية”، لم ينس الدور الذي لعبته الجزائر في إجهاض محاولاتهم إصدار قرار باسم الجامعة العربية، في يناير 2015، يسمح لهم بتسليح مليشيات حفتر بشكل رسمي.
أسباب دفعت لعمامرة، في 17 أبريل الماضي، لسحب قبوله بالترشح لمنصب مبعوث أممي إلى ليبيا، قائلا إن “المشاورات التي يقوم بها غوتيريش (منذ 7 مارس)، لا تحظى بإجماع مجلس الأمن وغيره من الفاعلين، وهو إجماع ضروري لإنجاح مهمة السلم والمصالحة الوطنية في ليبيا”.
** ترجيح مرشح من شمال إفريقيا
الاتحاد الإفريقي يدعو إلى أن يكون المبعوث الأممي من القارة الإفريقية، والجامعة العربية تشترط أن يكون عربيا، مما يرجح أن يكون المبعوث القادم من شمال إفريقيا.
وهذا ما ذهبت إليه روسيا التي شجعت الأمم المتحدة على اختيار مبعوث أممي من شمال إفريقيا، وقالت المتحدثة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا، إن “الخيار الأفضل في هذه الظروف، نظرا لموقع ليبيا الجغرافي وانتمائها إلى الأمة العربية، يكمن في اختيار ممثل ذي مصداقية عن أي من دول شمال إفريقيا”.
واعتبرت أن ذلك “سيتيح انخراطا أكبر في عملية التسوية الليبية من قبل الاتحاد الإفريقي، وجامعة الدول العربية، اللذين لم تتم الاستفادة بعد من قدرتهما على التوسط بين طرفي النزاع”.
وأول اسم طرح بعد انسحاب لعمامرة، كان وزير خارجية موريتانيا إسماعيل ولد الشيخ، الذي سبق له وأن شغل منصب نائب للمبعوث الأممي في ليبيا ثم مبعوثا أمميا في اليمن، لكن نواكشوط نفت استقالته من منصبه لعدم وجود شيء رسمي.
ورغم أن موريتانيا ليست منخرطة بشكل كبير في الأزمة الليبية، إلا أن النفوذ الإماراتي والسعودي تزايد بها خلال الأعوام الأخيرة بدليل مقاطعتها لقطر في 2016، تضامنا مع محور الإمارات، لكنها اصطفت مع دول المغرب العربي المعترفة بشرعية حكومة الوفاق الليبية.
يبقى الإجماع على ولد الشيخ، أو غيره من المرشحين، أكبر عائق أمام اختيار مبعوث أممي جديد إلى ليبيا، رغم أن الأزمة الحالية لا تحتمل مزيدا من التأخير، وهو ما أكد عليه غوتيريش الخميس الماضي، قائلا: “حان الوقت بالفعل”، وأقرّ بأن الأمم المتحدة تواجه “بعض الصعوبات في الحصول على شخص يمكنه نيل الإجماع الضروري من الجميع”.
-أنباء – متابعات