أخبارأخبار عاجلةعربيمقالات

النظام الرئاسي المطلق وسلبياته*

لو ألقينا نظرة فاحصة على مصطلح النظام الرئاسي بمفهومه العام ؛ لوجدنا أن منصب الوزير الأول فيه محدود الصلاحايات ؛ وقد لايعدو أن يكون حلقة وصل بين الرئيس والحكومة ؛ فالرئيس الفعلي للحكومة هو الرئيس ؛ وإن فصلت المواد الدستورية والمراسيم المرجعية في ذلك بعض الخصوصيات الشكلية للوزير الأول كما في المادة المقتبسة التالية :

طبقا للمادة 42 من الدستور يحدد الوزير الأول سياسة الحكومة تحت إشراف رئيس الجمهورية ، كما يوزع كذلك المهام بين الوزراء، ويدير وينسق عمل الحكومة.
 
أما بخصوص صلاحياته في التوقيع فقد نصت المادة 33 من الدستور على أنه ” توقع المراسيم ذات الصبغة التنظيمية عند الاقتضاء من طرف الوزير الأول والوزراء المكلفين بتنفيذها. ولكن بالرجوع للمرسوم رقم: 057-2007 الصادر بتاريخ 06 سبتمبر2007 المنظم لمجلس الوزراء وصلاحيات الوزير الأول والوزراء، يمكن التمييز بين توقيع الوزير الأول بصفة منفردة، (أولا)، وتوقيعه  بصفة مشتركة ( ثانيا).
 
أولا: التوقيع المنفرد:
 
أتاح المرسوم رقم: 057-2007 الصادر بتاريخ 06 سبتمبر2007 المنظم لمجلس الوزراء وصلاحيات الوزير الأول والوزراء في حالة عدة التوقيع للوزير الأول بصفة منفردة وهي:
 
التوقيع على الصفقات العمومية، وكل العقود والوثائق المقدمة له للمصادقة بموجب التشريعات والنظم المعمول بها، ويمكنه في غياب مقتضيات تشريعية مخالفة تفويض التوقيع فيها إلى الوزراء.
 
 التوقيع على المراسيم ذات الطابع التنظيمي المصادق عليها في مجلس الوزراء.
 
التوقيع على المراسيم المتعلقة بصلاحيات الوزراء وتنظيم الإدارات بالقطاعات الوزارية، ويمكن أن يفوضها للوزراء.
 
التوقيع على مراسيم إنابة الوزراء.
 
وبغض النظر عن المواضيع التي أعطى فيها للوزير الأول صلاحية التوقيع المنفرد فيها، ومدى إحاطتها بجوانب العمل الحكومي، والذي يبقى المسؤول عنه، أمام البرلمان،  فإن الملاحظ أن المرسوم أعلاه أتاح للوزير الأول  إمكانية تفويض التوقيع فيها للوزراء، باستثناء مراسيم الإنابة، وهي مسألة مبررة لأنها تتميز بتنسيق عمل الحكومة.
 
ثانيا : التوقيع المشترك:
 
أما في ما يخص التوقيع المشترك، فقد أتاح أيضا المرسوم رقم: 057-2007 الصادر بتاريخ 06 سبتمبر2007 المنظم لمجلس الوزراء وصلاحيات الوزير الأول التوقيع للوزير الأول بصفة مشتركة مع رئيس الجمهورية  والوزراء في حالتين وهما:
 
 التوقيع على مراسيم تعيين وإقالة الوزراء، بالإضافة إلى توقيع رئيس الجمهورية.
 
التوقيع إلى جانب رئيس الجمهورية على المراسيم التنظيمية، في حالة طلب منه ذلك.
 
وأضاف المرسوم أعلاه أن الوزير الأول يحدد تحت سلطة رئيس الجمهورية سياسة الحكومة ويوجه وينسق عملها، ولهذا الغرض يترأس الاجتماعات الوزارية المصغرة . كما أضاف أنه يمارس السلطة التنظيمية بواسطة مرسوم أو مقرر أو تعليمات، أو تعميم، إما بمقتضى ترتيبات تشريعية أو تنظيمية أو بمقتضى تفويض من طرف رئيس الجمهورية.
 
والملاحظ أن المرسوم استخدم تارة مصطلح الوزير الأول، وتارة أخرى مصطلح رئيس الوزراء، فهل لذلك مدلولا أراد المرسوم الإشارة  إليه بشكل ضمني؟ أم أنه تعايش مصطلحين في ذهن صائغي المرسوم فتسربت إلى نصوصه. رغم أن المرسوم رقم: 158-2007 الصادر بتاريخ 06 سبتمبر 2007 المنظم لمصالح الوزير الأول  لم يتطرق لمصطلح رئيس الوزراء.
انتهى الاقتباس.
ويمنح النظام الرئاسي كامل الصلاحيات للرئيس في تعيين الحكومة أو قبول اورفض من يرشحهم الوزير الأول لعضوية حكومته ؛ فالوزير الأول حقيقة بلاصلاحيات مطلقة في النظام الرئاسي.
إن تركيز السلطة في يد الرئيس على حساب الوزير الأول وحكومته وعلى البرلمان يجعل كامل الصلاحيات والمسؤولية على عاتق الرئيس .
لكن ذلك لايعفي الوزير الأول وأعضاء الحكومة من وجوب تطبيق القوانين الحاكمة لما يختصون به من صلاحيات تسيير وإدارة ؛ ويشكل ذلك نوعا من التحصين القانوني للرئيس ؛ فعدم تقيد الوزير الأول وأعضاء الحكومة ؛ والمؤسسات التابعة للحكومة بالمساطر القانونية الملزمة في أداء مهامهم بحجة أوامر هاتفية أو مباشرة من الرئيس لايشكل حجة قانونية تمنع مساءلتهم ؛ ولا تشكل حجة قانونية تدين الرئيس السابق مثلا .

ولا أتحدث هنا عن الوضع الراهن المتعلق باللجنة البرلمانية وملفاتها المحالة للقضاء ؛ وإن كان هذا ينطبق نوعا ما على جوانب من محتوى تقرير اللجنة.

إن الرؤساء عندنا لا تمكن محاسبتهم إلا على ما تعلق بحنث يمينهم بصيانة سيادة البلاد ؛ ويكون نقض ذلك اليمين خيانة عظمى .

ولا يتيح القانون محاسبتهم على التسيير لأنه منوط بحكومة وبهيكل إداري مفصل ؛ وقد يسهل توجيه تهم لأي رئيس سابق او حالي عبر الإعلام الموجه سياسيا ؛ لكن ذلك سيكون بالغ الصعوبة عبر المساطر القضائية المعتادة ؛ فالتعقيد القانوني لذلك عميق.

ثم إن القانون عندنا لاينص على منع مساهمة أبناء عم الرئيس أو فردا من أسرته في مناقصات قانونية أو مزادات تنظمها جهات رسمية .

وكلما تم من مزادات ومناقصات تتعلق بعقارات الدولة ؛ تمت عبر مسطرة قانونية .

ولعل الأيام القادمة ستكشف للرأي العام جوانب قانونية لها من هو أعلم بها من أهل الاختصاص.

وفي بلدنا يبرز نظام رئاسي لا يفصل بين السلطات حقيقة ؛ فالسلطة التنفيذية هي المهيمنة غالبا على السلطتين التشريعية والقضائية ؛ مما يحد من تجسيد النموذج الرئاسي المعتاد الذي يعتمد الفصل بين السلطات لخلق توازن يضمن سيادة الدستور والقانون.

ولعل أول خطوات الإصلاح السياسي الأنسب لموريتانيا هي تعديل دستوري يعزز السلطتين القضائية والتشريعية ليكون الرئيس بصلاحيات محدودة تعنى بمهام محددة ؛ ويكون الوزير الأول رئيس وزراء محاسب أمام البرلمان هو وحكومته ؛ حسب مسطرة دقيقة ؛ وللبرلمان حق حجب الثقة عن الحكومة ؛ وقبول أورفض تعيين رئيسها وأعضائها .

إن تغول سلطات الرئيس في النظام الرئاسي تلغي كل أثر للديمقراطية على المناصب الانتخابية ؛ وتشكل مانعا معنويا لاستقلال القضاء والبرلمان ؛ وتفتح باب الصراع السلبي على السلطة ؛ على مصراعيه.

بلدنا بحاجة ماسة لإلغاء النظام الرئاسي المطلق.

* عبد الله بن بونا

مواضيع مشابهة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button