أَلَيْسَ مِنكُمْ رَجُلٌ رَّشِيدٌ ؟*
كيف يستوعب المواطن البسيط والعالم من حولنا ما يجري في بلدنا من شطط في الخصومة وحيف في مكيال العدالة ؛ وصخب غوغائي يقدم لنا شخص الرئيس السابق كشيطان رجيم حكم البلاد أكثر من عشر سنوات؟
هب أننا صدقنا ذلك جدلا؛ فكيف تصوتون مرتين في فترتين رئاسيتين لشيطان رجيم؟
وكيف ملأتم المنابر والمواقع والقنوات المحلية والعالمية بتمجيده وبالشهادات التاريخية لفترة حكمه بعظمة الإنجاز فيها؟
كيف تعطونه العهود والمواثيق سرا وعلنا على الوفاء له في السطلة وخارجها ثم تنفضون عنه كأن لم بينكم وبينه لقاء ساعة ؟
قلتم أن الرجل نهب ثروات البلاد كلها
قولوا للرأي العام كيف نهبها ؛ وهل نهبها وحده ؟
ألم تكونوا أركان دولته وأركان حكومته ؟
كيف يصدق عاقل ذلك؟
أتظنون أن بلدنا ليس فيه من يعرف واقع كل واحد منكم المادي قبل 10 سنوات وواقعه اليوم وحجم ثرواته وممتلكاته؟
بلدنا أهله يعرفون بعضهم جيدا ؛ ولاتفوتهم شاردة ولاواردة من أمور النخب الحزبية والإدارية ؛ ومما دار ويدور من صفقات .
وهب أن الجميع عصامي الذمة ؛ لم يعينه الرئيس السابق ولم يشركه في إدارة الدولة إلا لخبرته وعلو كعبه المعرفي ؛ فلم يسكت عن الفساد كل هذه المدة ؟
وهب أن الرئيس الذي كنتم تمجدون جميعا لسنوات طوال كشفتم فجأة عدم أهليته للقيادة بعد أن سلمكم السلطة في اقتراع عام نادر في بلدنا ؛ فكيف تنشرون غسيلكم للعالم بهذه الطريقة الممجوجة عرفا وقانونا ؟
ستقولون أن كل الاجراءات قانونية ودستورية كالعادة ؛ فماهي المواد الدستورية والقانونية التي تمنحكم حق اعتقال شخص دون توجيه تهمة إليه وفي تلك الظروف ؟
وهل الحراسة النظرية تكون هكذا سجنا تحكميا وتعسفيا لاسيما لرئيس سابق يحميه الدستور من المساءلة إلا عن الخيانة العظمى ؟
ستقولون ذلك في حالة ممارسته لمنصبه الرئاسي وهو الآن ليس رئيسا
صحيح ؛ فهل ارتكب بعد خروجه من الرئاسة ما يستوجب توقيفه والتحقيق معه ؟
إن قرارات الرئيس واجتهاداته في الشأن العم أثناء رئاسته لايسمح الدستور بمحكامته عليها .
إذا كان كذلك فالقانون يلزمكم بكشف ذلك وبالتعاطي معه حسب المساطر القانونية الضامنة لحقه ولحق الدفاع عنه بما فيها حقوقه كمشتبه
هل ترك أسباب اعتقاله للمدونين وللتكهنات قرار سليم يترك أكبر ملف يشد الرأي العام للحملات الموجهة للمتهم للإمعان في تشويه محليا ودوليا ؟
هل خطط لانقلاب ؟
ماهي الأدلة ؟
الأسئلة الحائرة كثيرة في ملف اعتقال الرئيس السابق ؛ ويبدو أن الأجوبة غائبة ؛ وذلك بحده يعتبر ثغرة في الملف بحجم انعدام الثقة الشعبية والعالمية فيما يضخ من انواكشوط هذه الأيام عن ملف الرئيس السابق وبعض طواقمه المشمول في ملفات لجنة البرلمان التي هي الاخرى محل تساؤل .
قد يقول قائل أن تساؤلاتي كلها بلامعنى لأن السياسة عندنا لاتخضع لموازين القيم والوقوف عند الالتزام بالعهود والمواثيق والوعود ؛ فهي انتهازية واقتناص فرص مهما كانت بشاعة وسائلها.
فليكن ؛ لكن كل هذا الأداء السياسي المرتبط بالملف لايرقى لأن يكون عملا قانونيا محكما ولا عملا سياسيا حكيما
إن الثغرات في التعاطي مع ملف الرئيس السابق واضحة تماما ؛ وأثر ذلك السلبي على مصداقية مؤسساتنا أوضح؛ أما العالم فلا شك أنه ينظر إلى بلدنا باستغراب تام .
فمتى نخرج من تيه الانتقام والانتقاء في صراع نخبنا الحاكمة ؟
إن من حق الشعب الموريتاني أن يطالب بثرواته وبحقوقه لكن بمساطر قانونية لا يترك فيها الحبل على الغارب للمفسدين في مفاصل الحزب الحاكم والطواقم الوزارية والإدارية؛ ليحمل للرئيس السابق الذي يحصنه الدستور والقانون من المساءلة عن تسيير تقع مسؤوليته على رجال تركوا خارج الحراسة النظرية ليكون الرئيس السابق وحده ضحية اجراءات يشكك الجميع في مشروعيتها ومصداقيتها.
وهل في دستورنا وقوانينا مايمنع كل رئيس سابق أو وزير سابق أو جنرال سابق من ممارسة حقوقه المدنية بما فيها تشكيل حزب أو الانضمام إليه أو خلق قطب سياسي يسهم في تنوع الساحة ؟
صحيح أنه من حق رئيس الجمهورية أن يختار فريق عمله ويقصي من شاء منه ؛ لكن ليس من حقه مصادرة حقوق الآخرين في تشكيل فريق عملهم السياسي المعارض أو الموالي .
إن أخطاء البداية مالم تراجع هي مايشكل لاحقا معول هدمز الهرم السياسي كله ؛ وعلى السيد الرئيس غزواني مراجعة أخطاء البداية قبل الابتعاد عنها في سلم السلطة المخادع ؛الذي ينسي بريقه من تسلقه أنه بلاخط رجعة.
لاخيار للسلطتين التنفيذية والقضائية إلا كشف ملف الرجل بشفافية وتماسك أركان قضاياه وتقديمه لمحكامة عادلة أو الإفراج عنه ومنحه كافة حقوقه دون نقص .
فنحن في موريتانيا سئمنا لعبة الثارات السياسية المملة ؛ وأسطواناتها المستنسخة ؛ في كل فصول مسرياحتها ؛ الحرب على الفساد وتهديد أمن الدولة !
لم يعد العصر يسمح بتلك الألاعيب .
مع أني شخصيا أستبعد تقديم الرجل للمحاكمة لسببين : أولهما أن بناء قضايا متماسكة ضده امر صعب التحقق ؛ وثانيهما أن محاكمة رئيس سابق حكم موريتانيا أكثر من عقد سيفتح ملفات الجميع أمام القضاء وفريق الاتهام وفريق الدفاع والجمهور؛ في سابقة لن تتحمل بلادنا خفاياها وغلافها الزمني الطويل ؛ وسيكثر استدعاء الشهود من كل مستوى .
إن النخب الوطنية الحريصة على موريتانيا مستقرة وقادرة على تجاوز كل العقبات تأمل من الرئيس غزواني أن يتلافى الموقف بحكمة ووعي ؛ فمايجري حاليا ينطبق عليه قول الشاعر العربي :
أوردها سعد وسعد مشتمل
ما هكذا ياسعد تورد الإبل
سلم الله بلادنا من كل شر
*عبد الله ولد بونا