التحقيق في سيرة وزير سابق (1)*
أنباء انفو- في موريتانيا لا وجود لمنطقة وسطية لدى الرأي العام السياسي؛ فإما ان يشيطنك ويحملك كل أوزار المرحلة او يتخذ منك ملاكا حسب الدعاية الطاغية في كل مرحلة؛
رؤساء ووزراء وأطر من كل مستوى؛ تعرضوا لحملات موجهة من كل نوع، ولأننا في مركزنا الخاص للدراسات والبحوث(مسبار موريتانيا) لنا منهج تحقيقي استقصائي موضوعي مجرد من المؤثرات السياسية لدى الأطراف المتخندقة في خنادق التنابز والشتائم والصراع، فقد قرر المركز إنجاز تحقيقات استقصائية في سير رؤساء ووزراء وأطر سابقين ولا حقين لتقديمهم للرأي العام كماهم، بما لهم وماعليهم؛حتى لا تضيع الحقيقة في زخم الضخ الإعلامي الغوغائي المتفشي ببلادنا.
شخصية العدد الأول من هذه السلسلة
هو الوزير السابق الدكتور الناني ولد اشروقه.
في العام 1964في أوجفت رزقت المرحومه المعلومه بنت الناني بولدها الرابع والأخير من زوجها المرحوم ون ولد اشروقه ،فسمته باسم جده الناني؛ كانت تلك الأسرة الكريمة من بيوتات أولاد بلحي منخرطة في نمط الحياة التقليدي حينها ؛ تنمية وترحال انتجاعا لأطراف آدارار وتكانت ولعصابة .
كان وضع الأسرة الاقتصادي جيدا بمعيار تلك الفترة ؛ إبل وغنم وبقر ؛ لكن سنوات الجفاف التي ضربت موريتانيا عموما عام 1967 قضت على ثروات المنمين وأحلامهم ؛ وازداد الوضع صعوبة بعد وفاة والد الاسرة رحمه الله في نفس العام.
لكن المعلومة رحمها الله لم تكن كالأمهات في حيها ؛ فقد كانت تفكر فيما كان يعد ثورة على نمط حياة مجتمعها؛ وقررت رغم صعوبة الظروف أن تكسر ذلك الدور والتسلسل في دائرة الانتجاع والتنقل في دائرة مفرغة ؛ فولدها الأصغر اليتيم يجب أن لايكون مثل بقية أطفال الحي.
باعت آخر بقية لديها من قطيع الغنم ونزحت إلى اكجوجت لتمكنه من الولوج إلى المدرسة ؛ ولم تبرح أن انتقلت به إلى انواكشوط ليكمل تعليمه الابتدائي ثم الاعدادي والثانوي.
أقامت الأسرة في ( كبت لخنازير ) وهو حي عشوائي كان في نهاية السبعينات يتموقع على حافة كثبان رملية جنوب شرق منطقة سوق مسجد المغرب حاليا.
كانت الظروف المادية للأسرة تزداد صعوبة رغم تمكن أحد الأبناء الكبار من الانخراط في الجيش ؛ لكن ترقيته عرقلت لسبب ما رغم تميزه في كتيبته.
لم يكن الطفل اليتيم رغم صغر سنه يفوته كل ذلك ؛ وكان يحمل في داخله شعورا خاصا بضرورة التميز وبذل المستحيل لتحقيق أعلى الدرجات في كل مراحله التعليمية .
كانت البشارات تتوالى في كل سنة عبر كشف الدرجات الذي يكشف نبوغ ذلك الطالب المميز ؛ حتى توج نفسه وأسرته بتاج التفوق في الترتيب العام في موريتانيا في امتحان الباكولوريا شعبة الرياضيات عام 1986.
وكانت البشرى أجمل حين أبلغ الطالب المميز بحصوله على منحة كاملة في فرنسا .
لم تكن الأسرة تملك مايكفي من المال لتجهيز ابنها بالملابس المناسبة للسفر إلى باريس ؛ فبذل كل جهده لتامين بنطلون وقميص وجوارب ونعل مناسب.
أخيرا تم الحصول على ذلك باستثناء الجوارب ؛ وكان قميص النايلون رديئا ؛ لكنه جميل بما يكفي لطالب فقير في طريقه إلى صناعة حلمه الخاص ؛ وتمت الاجراءات في السفارة الفرنسية في انواكشوط ؛ حيث تسلم الناني كتيبا تمنحه السفارة الفرنسية كدليل للطلاب الذين يحصلون على منح في فرنسا.
بعيد الوصول لفرنسا ؛ كان الناني مشدوها بكل مايرى من حوله ؛ نقطة تجمع للطلاب الممنوحين من دول افريقية كثيرة ؛ ومشاهد حضرية مختلفة تماما عما ألفه في أوجفت وبواديها واكجوجت وكبت لخنازير.
كان عليه أن ينتقل في القطار مع صحبته من الطلاب إلى جامعته في مدينة أخرى ؛ وكان البرد قارسا ؛ وقد أخذ الجوع منه ؛ فاشترى خبزا وصعد القطار ليبدأ بتناول خبزه مع رفاقه ؛ وفوجئ براكب سوداني صحبة زوجته يسأله من أين أنتم ؟ فأجابه الناني نحن من موريتانيا ؛ فرد عليه السوداني ألستم مسلمين ؛ كيف تأكلون لحم الخنزير ؛ ونبههم لوجود قطعة من لحم الخنزير في قلب كل الخبز الذي يباع بفرنسا غالبا .
بدأ الناني ورفاقه يحاولون تقيأ ما ابتلعوا من لحم الخنزير مع قطع الخبز في مشهد يلفت الانتباه.
وصلوا محطة مدينتهم ؛ وفي طريقهم إلى الجامعة لاحظ الناني بائع لباس بزي الطيارين ينادي على بدلة طيار جميلة مناسبة للطقس فاشتراها منه بأغلب ما كان يحمل معه من مال يسير، فهو لم يحمل معه ثيابا مناسبة لبرد الموسم القارس في فرنسا؛ ورغم ان البائع الإيطالي خدعه في سعر الجاكيت إلا انها ساعدته كثيرا في اتقاء موسم البرد القارس.
لم يطل الوقت حتى بدأ نبوغ الناني يبرز لأساتذته بالجامعة ؛ وكان سريع البديهة مجيدا في حل كل التمارين ؛ وقد تحسن مستواه اللغوي كثيرا
كان وضع الأسرة المادي عامل قلق دائم لديه ؛ وكان يجيد تسيير منحته المالية بحيث يدخر منها ويحول ماتيسر للوالدة ؛ ويبحث عن طرق لزيادة دخله وهو طالب.
لم يمض الوقت طويلا حتى صار مدرسا متعاونا يتقاضى راتبا أضافه لمنحته ؛ مما عزز وضعه المادي كثيرا.
عاد للوطن في أول إجازة بسيارته الفارهة وبملبغ مالي معتبر حينها.
وتتالت السنوات لتنفتح للرجل آفاق أوسع، ولينال دكتوراه في مجالات تقنية عصرية وليوسع مداركه المعرفية.
عام 1988 حصل بتفوق على شهادة الدروس العامة من جامعة بيرنيان بفرنسا.
ثَم شهادة الليصانص من جامعة اورليان
ثم المتريز في مجال الالكترونيات عام 1990من نفس الجامعة
وواصل الطالب المميز نهمه العلمي ليحصل عام 1991على دبلوم في الدراسات المعمقة في الآلية المعلوماتية والصناعية من جامعة بوردو؛ ثم دبلوم في الدراسات العليا المتخصصة في مجال الإدارة والمنظمات والمؤسسات في المجال العمومي عام 1995؛ ثم في يوليو من نفس العام توج مساره العلمي بدكتوراه في مجال الآلية.
كان تعزيز الدخل جنبا إلى جنب مع رفع المستوى العلمي نظريا وتطبيقيا نصب عينه؛ فعمل مهندسا باحثا من 91الى 93بفرنسا ثم ملحقا مؤقتا للتعليم في المعهد الجامعي والتقني بجامعة بوردو.
عام 1996عاد للوطن كاستاذ بكلية التقنيات والعلوم بجامعة انواكشوط؛وتنقل بين وظائف علمية فيها، من 97الى2001منسق شعبة التعليم في كلية العلوم والتقنيات ومستشارا مكلفا بالدراسات لدى رئيس الجامعة من 99حتى 2001.
لم تكن عودة الدكتور الناني إلا بدافع وطني؛ فقد كانت لديه فرص عمل بدخل ممتاز في فرنسا؛ لكن شعوره بحاجة بلده له؛ وامتنانه لدولته التي حرصت على تأمين افضل ظروف تعليم له؛ و حاجة وطنه لخبرة كخبرته؛ كل ذلك دفعه للاستقرار في بلده متنقلا بين وظائف علمية ومناصب خدم من خلالها الوطن في كل مراحل عمله حتى العام 2020حين كان ضمن ممن عزلوا من الوزارة بتعديل وزاري تم في أوج إثارة ملفات اللجنة البرلمانية المتعلقة بما قيل إنه فساد حدث بالعشرية.
كانت ثروة الناني لحظة استقراره بالوطن تناهز 50مليون اوقية قديمة، وهو رقم ضخم في تلك الفترة؛ حققه من ادخارات تراكمت من منحته ومن رواتبه من العمل في فرنسا، ولازال يحتفظ بإيصالات الإيداع والحوالات من الجامعات والمعاهد الفرنسية التي كان قد تعاقد معها مؤقتا، حيث اشترى قطعا أرضية بالعاصمة وابتنى بيتا من دخله ذلك قبل أن يعين في مهام محلية بموريتانيا.
وقد زرته ضمن خطتي لإنجاز هذا التحقيق، وسرني مدى تجاوبه معي، واستمتعت إليه لمدة ساعتين كان يقطع فيها حديثنا بالذهاب إلى مكتبه الخاص ببيته ليحضر لي نسخا من ارشيف دخله في فرنسا.؛ إيصالات ومستندات حوالات بالفرنك الفرنسي.
كانت موريتانيا بحاجة ماسة لإنجاز قواعد بيانات رقمية متعددة في مجالات اساسية؛ وبحاجة لتطوير المعاملات المالية والمصرفية؛ وتعد لحالتها المدنية المرجعية، وكان الدكتور الناني ولد اشروقه حاضرا في كل التفاصيل عبر مناصب قيادية في هيئات تعاقدت مع البنك المركزي ليتم اعداد قواعد البيانات الدقيقة وينجز نظام السحب الآلي.
وبدأت التحولات السياسية المتوالية 2005،و2007 و2008و2009تلقي بظلالها السياسية على البلد وتحاول سحب الدكتور الناني من مركزه التكنوقراطي إلي التحالفات السياسية الظرفية حينها؛ ليعمل مدير ديوان للوزير الأول عام 2007.
كان الدكتور الناني يترك بصمته المتخصصة في كل قطاع يقوده؛ وكان ينجز بنية معيارية عصرية لايسع من يتولى مهامه بعده الا ان يخضع لها؛ ويعاود طلب الدكتور الناني لاستبيان ما قد يشكل عليه منها.
كان لتعيينه وزيرا للصيد مرتين أثر كبير في وضع استراتيجية معيارية وتنظيمية يقر الجميع بدورها الكبير في الحد من التسيب الذي كان يطبع ذلك القطاع الحيوي لبلادنا.
عمل من موقع المنسق الوطني لمشروع المعاملات الالكترونية مع البنك المركزي عام 2005 ثم مديرا عاما للتجمع المصرفي جيمتل حتى 2009 ثم مديرا عاما لوكالة ترقية النفاذ الشامل إلى الخدمات القاعدية حتى 2010 كما عمل مديرا لسلطة التنظيم.
ثم وزيرا للصيد البحري من عام 2014 حتى 2018.
وتستحق تلك المرحلة وقفة دقيقة .
لقد كان قطاع الثروة البحرية بحاجة ماسة لوضع قواعد بيانات يتم على أساسها وضع معايير ثابتة تشكل قوانين التعاطي معه .
كان النفاذ إلى ثروتنا البحرية يشترط فقط امتلاك قارب أو سفينة صيد ؛ دون مراعاة لتأثير ذلك على تنوع ثروتنا وحاجة الأمر لضوابط دقيقية.
كان صيد الاخطبوط مثلا يواجه تحديات جدية ؛ فالمتواجد منه في مياهنا الاقليمية يشكل ثروة وطنية محددوة؛ تقدر عام 2014 بثلاين ألف طن فقط ؛ وهي ثروة وطنية لأن الاخطبوط الموريتاني مقيم لايتنقل ولايهاجر ؛ ولأنه يتكاثر ويضمحل في دورة زمنية هي سنة واحدة ؛ وكان لابد من وضع نظام لصيده يحدد الكميات في كل حصة صيد والأحجام المسموح بصيدها ؛ ويحدد سقف أذونات صيده ؛ وقد نجحت خطة الوزير الناني في رفع تلك الثروة الثمينه من 30 ألف طن سنويا إلى 42 ألف طن.
كما تضمنت خطته تقسيم منطقة الصيد إلى مربعات محددة محكومة بضوابط معينة ؛ مع تفعيل القوة البحرية المشرفة على تطبيق تلك القوانين.
وشهد صيد (لانكوست ) تنظيما معياريا كذلك.
ولقد توسعت مدونة الصيد البحري في عهده لتغطي كافة الثغرات السلبية وتسهل الولوج إلى هذا القطاع وتعزز حمايته.
ولعل جانبا كبيرا من الرأي العام يفوته أن الاتفاقيات التي كانت مدار جدل مع شركات صيد أجنبية ؛ خاصة هوندونج تمت قبل تعيينه وزيرا للصيد ؛ وتم تمريرها للأسف عبر مسطرة دستورية قانونية معروفة .
ورغم اختلاف الموريتانيين في زاوية التقييم لوزراء العشرية إلا أن الوزير السابق الدكتور الناني ولد اشروقة أنجز أعمالا مهمة جدا في ذلك القطاع تشكل مرجعية علمية واقتصادية راسخة لكل عمل حكومي جاد يستهدف تطوير ذلك القطاع ؛ وقد أدى مهامه الوزارية ضمن صلاحياته القانونية ؛ وهناك ما تتركز فيه الصلاحيات للرئيس حصريا .
انتقل الدكتور الناني في تعديل وزاري لوازرة الإسكان عام 2018 ولم يمكث فيها طويلا ؛ ورغم ذلك فقد باشر وضع خطط مرجعية لتلك الوزارة ذات التعقيدات الكثيرة ؛ فقد عرف القطاع العقاري بانواكشوط خصوصا وبالوطن عموما ارتباكا شديدا وتداخلا في الصلاحيات والنزاعات الكثيرة على ملكيات الأراضي لأسباب كثيرة منها الفساد والتزوير الشائع في شهادات الملكلية ؛ ومنها تنقل الحكامة في هذا القطاع بين الحاكم والوالي ولادي ووزارة الاسكان ووزارة المالية ؛ دون تنسيق دقيق في ذلك ؛ فلكل جهة خرائطها وتعديلاتها ؛ وللمواطنين طرقهم في التملك غير القانوني .
وحسب عارفين بشأن تلك الوزارة فإن الوزير الدكتور الناني ؛ كان رغم انشغاله بإصلاح الوزارة يمضي أغلب وقته في قضاء حاجات قصاده من كل حدب وصوب ؛ وقد وصفوه بالكرم والتواضع.
عاد الدكتور الناني لقلعته في وزارة الصيد بعد الانتخابات الرئاسية 2019 ليخرج بتعديل جديد بعد أقل من عام.
وحسب مصادر ثقة فإن ملف الرجل خال من شبهة الفساد تماما.
ولا يمكن أن نختم هذا التحقيق دون الحديث عن الرجل ودوره السياسي الذي تعاظم منذ 2007 ليصل قمة أدائه في الانتخابات الرئاسية 2019.
إذ يبدو جليا أن الدكتور الناني حفظ العهد القديم لعلاقة أهله بالأرض ؛ فأسس نواة حضور سياسي على خط حركتهم القديم ؛ فهو حاضر سياسيا في أوجفت وآدرار كما هو حاضر في أجمل بقعة تربط بين لعصابة وتكانت ولبراكنه هي مدينة الغايره بطبيعتها الخلابة.
وقد وسع شبكته السياسية الوطنية لتغطي كثيرا من ولايات الوطن ؛ وانوكشوط على وجه الخصوص.
تجربة سياسية غنية جرب فيها عقد السياسة في أعماق الوطن وفي العاصمة ؛ ويرجح مراقبون أنه عبأ أكثر من 70 ألف صوت في حملته الشخصية للرئيس غزواني خلال انتخابات 2019؛ مع ما قدمه كأحد أهم قيادات الحملة الرسمية.
ارتبط الدكتور الناني بصداقة واحترام مع الصف الأول القيادي في الدولة بما في ذلك الرئيس السابق السيد محمد ولد عبد العزيز والرئيس الحالي فخامة الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني ؛ كما أن له شبكة واسعة من العلاقات الجدية مع النخبة .
متحدث ممتاز متمكن من ايصال فكرته بلغة سهلة
جدي وعملي
متواضع وسريع البديهة.
خبرة وطنية لايمكن الاستغناء عنها.
ويرجح أن يعود للحكومة في مرحلة قريبة ليخدم الوطن إن شاء الله .
*مركز مسبار موريتانيا
رئيس المركز
عبد الله ولدبونا