الدكتاتوريات: ملة واحد ونهايات متشابهة
“الجمعة: فيه تقوم فيه الساعة، وفيه خلق آدم، وفيه سقط الطاغيتان”
أمس في القيروان، واليوم في أسوان. جمعتان ويا لهما من جمعتين! اختلف الاسمان، وتشابهت النهايتان…
لم يستفد الأخير من تجربة الأول،…لم يدرك أن الشعوب التي استنزفت دموعها طيلة عقود لم تعد في أعينها دموع… أعينها ليس لها “رصيد”. لم يفهم أنه حين تحين “الساعة” لا تجدي مسيلات الدموع… لأن عبقرية الجلادين لا تتفتق عن الأساليب الأنجع… لا شك أن الكل اليوم منشغل بالتفكير في التكيف مع الوضع الجديد…بعد أن عجز “العقلاء جدا” عن تحليل الصورة. لم يفهموا قول الناصحين: “ما بدأ في تونس لن ينتهي في تونس”.
ألم يقل وزير الخارجية بنبرته البيروقراطية التي تذكرنا بسلاطين القرون الوسطى، والكبرياء على طريقة فرسان الحروب الصليبية: “انتقال ثورة تونس لمصر كلام فارغ”، قبل أن يضيف: “اما هؤلاء الذين يتصورون أوهاما ويضعون الكثير من الزيت فوق اللا شيء فالزيت سيؤدي لاتساخ ملابسهم، وهناك إعلام يسعى لإرهاب وتحطيم المجتمعات العربية وللأسف كلها فضائيات غربية.”.
لم يفهموا أن لِاستباق المطالب ولجس النبض آجالا، إن تجاوزتها كانت كالدواء منتهي الصلاحية.. لم يدركوا أن حجب التظاهر إنما يكون بالعمل الجاد على حجب أسبابه، وأن محاربة العنف لا تكون إلا بالقضاء على مسبباته… ولعل أهم ذلك فهم الشباب وتجاوز أساليب الماضي (في الحكم أو في المعارضة…) الذين قد يصبحان بغير ذلك وجهين لعملة واحدة “منتهية الصلاحية”… شباب اليوم كشكول من العقليات والثقافات والأساليب.
أمس، حمل المتظاهرون صور المناضل (شي غافارا) في تونس، وردد المتظاهرون كلماته اليوم في مصر: “الثورة كالدراجة، إذا توقفت سقطت” … ومن أمريكا يمرون بك إلى الهند مرددين مع المهاتما غاندي: «في البداية يتجاهلونك.. ثم يستهزئون بك.. ثم يحاربونك.. ثم تنتصر”.
فهل قدر حكامنا أن يستدعوا الطبيب في الوقت الضائع، أن يتنازلوا في الوقت الضائع، أن يفهموا في الوقت الضائع؛ أم أنهم لا يحبون إلا آخر الدواء “الكي”، لأنهم جربوا الكي غير العلاجي مع شعوبهم طيلة حكمهم… وإلى متى لا يدركون، هم و/أو المحيطون بهم، أن الاستجابة للشعوب أمر طبيعي، ومكرمة إسلامية وفضيلة إنسانية، وليست تنازلا (تنازل عن ما ذا؟ عما لا يملكون، أليس الحكم للشعب)؟ ومتى تدرك الأجيال القديمة أنها لم أصبحت متأخرة جدا، وبعيدة جدا، ومتخلفة جدا وعاجزة جدا عن فهم شباب اليوم وحتى عن متابعته؟ متى تحين ذواتها وعقلياتها وأساليبها؟
إن حجب المواقع وإيقافها لن يحجب أصوات الناس ولن يوقف الهبة…ذلك أن القضية ليست افتراضية، كما يريد بعض المهونين أن يصورها…
إنها أنفلونزا الحرية … إنه مرض الدكتاتوريات المتصدعة.
إنها ليست الفيس بوك … إنه الفقر بوك … الشعب بوك … الظلم بوك … الفساد بوك….
إنه غضب-بوك وقودُه الظلم والاستبداد، والقهر والفساد، والآذان الصماء عن مطالب الإصلاح، والاعتماد على الفاسدين العاجزين، وتهميش الكفاءات وتكميم الأفواه، وامتهان الكرامة، والعجز عن التحليل والاستشراف، والبعد عن الإنصاف…
وفي انتظار صحوة ضمير مستقاة من الدرسين تجعل القادة يخططون لرحيل هادئ يخفف عليهم السكرات وعلى الشعوب المعاناة، لا بد من تحية الجيشين التونسي والمصري الذين فهما واجبهما حق الفهم، وتقيدا به خير التقيد؛ ثم التقدير لشعبي تونس، في مغربنا العربي، ومصر، في مشرقنا العربي على نضالهما السلمي الواعي من أجل الكرامة.
الأستاذ: محمد عبد الرحمن ولد محمد الدنبجه