مقالات

إلى كل من لم يفهموا بعد *

قيس سعيد ظاهرة سياسية معقدة التشخيص ، ستتكرر حتما في جميع الدول العربية بطريقة أو أخرى و لو بعد حين، لأنها حلّت شفرة عجز الشعوب العربية المحيرة، من دون أن يكون من ورائها عقل مدبر ، ما كان يمكن أن يخلو من قدر من الذاتية و الانتقائية..
لا شك أن المحن و تكالب الدول الغربية ضدهم و ارتباطهم بالإسلام ، بما يشكل من إزعاج لآلهة العلمانية السكرى منذ ولادتها ، جعلت العرب من أكثر الشعوب وعيا و ثقافة و تسيسا و إحساسا بمشاكلهم و إدراكًا لأسبابها ..
و هنا كانت حيرة العالم ؛ فما معنى وعي العرب بأسباب فشلهم و عجزهم عن إيجاد حلول لها؟
لقد جاء الرد واضحا في الحالة التونسية التي أوصلت قيس سعيد إلى الحكم : لا شك أن حدس قيس سعيد لم يخذله حين ترشح بلا مقدمات في تلك الانتخابات التي لم تكلفه أكثر من ثلاث آلاف دولار ، كان أكثرها تبرعات من أشخاص لا يعرفهم .
لكن يخطئ من يعتقد أن قيس سعيد يملك جوابا أو تفسيرا لما حدث لأن الشعب التونسي هو من صنع المعجزة باحتضانه و الرد الوحيد (المشترك) الذي ترك لنا هذا الشعب العظيم هو تصويتهم بهذا الحجم غير المسبوق لرجل لا يعرفون عنه سوى أنه أستاذ جامعي نظيف اليد ، غير متسيس ، يتكلم عن مشاكلهم بحُرقة صنفوها بالصادقة .
في كل بلد عربي اليوم ، نجد كل فرد يهاجم الشعب و الأحزاب و المعارضة و الجيش و الأمن ، متهما الجميع بأبشع النعوت، كأنه الوحيد الذي أدى واجبه الوطني بإخلاص . و حين تبحث عن معنى لما يقوله تستنتج بوضوح غياب حلقة ، لا بد أن تذكرك بقصة انشطار الذرة..
هذا المشترك الغائب المشابه لانشطار الذرة هو القدرة على “القبض على اللحظة”، كما فعل التونسيون في ثورة البوعزيزي و في ترشح قيس سعيد..
نستطيع الآن أن نقول إن تونس أصبحت تمتلك القنبلة الشعبية، بعدما أكدت كل من الحالتين أن الأخرى لم تكن صدفة ..
و كما انطلقت “الثورات” العربية التي أفسدها تحالف الإخوان و المخابرات الغربية، من تونس ، باختلاف نسخها، ستنطلق ثورة الانتخابات منها بعد ظاهرة قيس سعيد و لن تستطيع المخابرات الغربية و لا “الإخوان” هذه المرة إفشالها لأنها تشي بمرحلة نضج (تضعهما في الحسبان)، أكبر من الاثنين..
الثورات العربية القادمة ستكون معارك الانتخابات و أي انتخابات لا تأتي بالأفضل هي نسخة رديئة من الانقلابات العسكرية ذات الواجهة المدنية المغالطة، تماما مثل أصحابها..
المعارك السياسية القادمة ستكون بين وزارات الداخلية و الشارع و ستكون الجيوش فيها محايدة و أحزاب الأنظمة و ولاءاتها أكثر تطرفا و تعنتا من المعارضة ..
و كل المعطيات تؤكد اليوم بصورة واضحة أن الحظوظ في الانتخابات العربية القادمة لن تكون من نصيب رجال الأنظمة و لا رجال الأحزاب و. إنما من نصيب الشخصيات المستقلة و لن يكون الصراع فيها على البرامج و إنما على صدق الإرادات في محاربة الفساد . سيكون أكثر الخاسرين في المراحل القادمة هم من لم يصدقوا بعد أن الزمن تغير و أن العالم أصبح طرفا مباشرا في كل انتخابات قادمة و أن الشعوب فهمت كل أسرار اللعبة..
الدولة الوحيدة في العالم الآمنة اليوم (ديمقراطيا) هي تونس لأن رئيسها المنتخب من دون أي شوائب يتمتع بتبجح بدعم جيش بلده و شبابه و كل فئاته غير المؤدلجة و هذه هي القوة التي تصنع القوة و تبعث الثقة في النفس و تحول الحكم إلى مهمة جماعية يتحمل كل فرد فيها جزء من المسؤولية ..
لقد انتهى و لله الحمد ، زمن السياسة العرجاء و مافيا أحزاب الأنظمة و هدير الجهوية و زئير القبلية و مواء قطط المعارضة السمان ، بعد ما عاشوا كل هذا الزمن على شقاء الشعوب من دون أي وجه حق (“… فاسمعي يا جارة”).

* سيدي علي بلعمش

مواضيع مشابهة

تعليق

  1. أي انتخابات لا تأتي بالأفضل هي نسخة رديئة من الانقلابات العسكرية ذات الواجهة المدنية المغالطة، تماما مثل أصحابها..
    اللهم انا نعوذ بك من فتن النسخ الرديئة ومن فتن الانقلابات العسكرية ومن فتن الواجهات المدنية المغالطة وهذه اشدهم ضررا .
    اشكرك استاذنا المصلح سيدي علي بلعمش

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button