ثغرات فاضحة فى رواية حادث تفجير الشاحنات الجزائرية ..فى صحراء موريتانيا الرمال والشائعات لاتتوقف عن الحركة !!
أنباء انفو- كتب صحفي مرموق ذات يوم، إن شيئين في الصحراء الموريتانية لا يتوقفان عن التحرك: الشائعات والرمال !!.
الجديد هو أن الشائعات أصبحت سلاحا فتاكا لتهييج أنفس سكان هذه الصحراء، تستخدمه التنظيمات المسلحة، وترعاه أنظمة سياسية، وربما يكون وسيلة لإشعال الحروب.
مساء الاثنين الماضي، راجت شائعة بين الموريتانيين مفادها أن الجيش الملكي المغربي اخترق الحدود الموريتانية الشمالية، ليقصف شاحنتين جزائريتين كانتا في طريقهما إلى نواكشوط.
كان “الخبر” خطيرا، ولا يمنح سامعه فرصة للتشكيك، فالمغرب يهاجم الجزائر فوق أراضٍ موريتانية !!
في الوقت ذاته، كان مسؤولون في جبهة البوليساريو يعززون من قوة الشائعة في تصريحات للإعلام الموريتاني، فيبالغون في التضخيم والتهويل، وينشرون عبر مواقع التواصل الاجتماعي مقاطع صوتية لمجهولين يحذرون فيها الشاحنات الجزائرية من دخول الأراضي الموريتانية، وآخرون يصفون بشيء من “الدقة الخادعة” مشاهد موت الجزائريين.
بعد ساعات من انتشار الشائعة، تدخل الجيش الموريتاني لتفكيكها، فنشر بيانا صحفيا قال فيه بشكل واضح وصريح: “تنفي مديرية الاتصال والعلاقات العامة بقيادة الأركان العامة للجيوش حدوث أي هجوم داخل التراب الوطني”.
ولكن الجيش الموريتاني أرسل إشارة مبطنة لمن يقف وراء الشائعة، حين ختم بيانه بالدعوة إلى “الحذر في التعامل مع المصادر الإخبارية المشبوهة”.
لقد أطفأ الجيش الموريتاني ما يليه من الحريق !
ولكن سؤالا بقي عالقا: لماذا حاولت جبهة البوليساريو إخفاء مكان وجود الشاحنتين الجزائريتين ؟ ولماذا تفادت الرئاسة الجزائرية أي حديث عن هذا المكان ؟
لقد احتاجت الرئاسة الجزائرية ثلاثة أيام لتقديم رواية حول ما جرى، فأصدرت بيانها زوال الأربعاء، ولكنها بدل أن تزيل اللبس، عززت الشكوك.
لقد أحجمت الرواية الرسمية الجزائرية عن تحديد مكان الشاحنتين، مكتفية بالإشارة إلى أن الحادث وقع “بين نواكشوط وورقلة”، وهي مسافة تزيد على 3500 كيلومتر، من أقصى شرق الجزائر إلى أقصى غرب موريتانيا.. من الواضح أن الرئاسة لا تريد الاقتراب من هذا المكان !
اتضح فيما بعد أن الشاحنتين كانتا في “بئر لحلو”، وهو مركز عسكري لجبهة البوليساريو ، يقع خارج الجدار المغربي، وتسميه بـ “الناحية العسكرية الخامسة”.
هذا المركز العسكري يبعد عشرات الكيلومترات عن الحدود الموريتانية، وبالتالي فإن وجود شاحنات “تجارية” جزائرية فيه يطرح إشكالات عديدة، حاولت الرئاسة الجزائرية تفاديها بتجاهل المكان.
يزداد الحرج الجزائري، حين نعرف أنه منذ تدشين المعبر الحدودي البري بين الجزائر وموريتانيا، عام 2018، وتسيير رحلات تجارية محتكرة من طرف المجمّع العمومي للنقل البري واللوجستيك “لوجيترانس”، وهي شركة مملوكة للدولة الجزائرية، تتعاون في المهمة مع الوكالة الوطنية لترقية التجارة الخارجية “ألجكس”، وهي وكالة عمومية جزائرية.
إذا هي رحلات تنظمها جهات حكومية جزائرية، ما بين تندوف في الجزائر، وازويرات في موريتانيا، وهو طريق “استراتيجي” يمتد على مسافة 900 كيلومتر، حدده البلدان أثناء توقيع اتفاقية المعبر (2017)، وعلى الرغم من أنه طريق غير معبد ووعر، إلا أن خروج أي شاحنة عنه للتوغل في المناطق الرمادية، يشكل حرجا كبيرا للجزائر.
لقد حاولت الرئاسة الجزائرية أن تخرج من هذا الحرج، بالقول إن الشاحنات كانت تقوم بما سمته “حركة مبادلات تجارية عادية بين شعوب المنطقة”، ولكن وجودها في “بئر لحلو” بعيدا عن طريق تيندوف – ازويرات الرسمي، يضعف الحجة التجارية.. فماذا كانت تحمل هذه الشاحنات ؟
لا أحد يجيب عن طبيعة حمولة هذه الشاحنات !
من جهة أخرى، تتحدث الرواية التي قدمتها الرئاسة الجزائرية عن “قصف” جوي عبر “سلاح متطور”، في إشارة إلى الطائرات المسيرة التي بحوزة الجيش المغربي، ولكن الصور التي تداولتها الصحافة الجزائرية، لا أثر فيها لأي “قصف”.
ثم إن الصور تظهر شاحنتين محترقتين بالكامل، لقد كانت آثار الحريق الهائل واضحة للعيان، ولكن الأكثر لفتا للانتباه هو هيكل الشاحنتين السليم، فلم تنقلب أي واحدة منهما، رغم قوة الحريق، والمسافة التي تفصلهما بالكاد تصل عدة مترات فقط، أي أنهما كانتا متوقفتين حين اشتعلتا.. فمن أشعلهما وكيف ؟
إن وجود هذه الشاحنات في مناطق جبهة البوليساريو، جعل أفراد الجبهة هم الأقرب إلى الحدث، والمصدر الأول لأغلب المعطيات، ولكنهم منذ البداية تلاعبوا بالمعلومات، حين أخفوا المكان وحاولوا توريط المغرب في حادث ملابساته لا تزال غامضة، وربما تكون عناصر من الجبهة متورطة فيه.
عدا إشعال الحرب في المنطقة، ماذا تريد جبهة البوليساريو؟ هل تريد مثلا إعطاء حجة “أمنية” لإغلاق المعبر البري بين الجزائر وموريتانيا، الذي فشل بسبب التكاليف الباهظة لنقل البضائع، فتنقذ ماء وجه سلطات الجزائر، وتحيي طُرق التهريب التي اعتادت عليها منذ عقود.
من الواضح أن الرئاسة الجزائرية، التي انتظرت ثلاثة أيام قبل أن تقدم روايتها، تعجلت كثيرا حين اعتمدت على معلومات جبهة البوليساريو المليئة بالثغرات والنواقص، والتي تسعى بشكل واضح لإشعال فتيل حرب لن يكون بمقدور أحد أن يوقفها حين تندلع.
ويبدو أن جبهة البوليساريو ليست لديها رواية ولا رؤية، إنما هي مأمورة ومأجورة، في حرب ستدار من الجزائر.
– أحمد كلي بدي