ولد بولخير:ما دامت هناك مواقف معارضة لعودة الرئيس وإكماله مأموريته ، فلابد إذن من حل وسط
فى مقابلة طويلة مع وكالة أنباء “رويترز” الفرنسية ، نشرت الثلاثاء ، أفاض رئيس الجمعية الوطنية السيد مسعود ولد بولخير فى الدفاع عن مواقفه الجديدة التى تضمنتها مبادرته التى وصفها أحد المحللين فى موقع “أنباء” بالوسطية واتهم فيها ولد بولخير بالدخول من خلال عناصر فى حزبه على خط قادة المجلس العسكري الحاكم ، موقع “أنباء” ونظرا لأهمية المقابلة وما تضمنته من تصريحات تعد تراجعا جليا فى موقف ولد بولخير النضالي وتقاعسا خطيرا فى مواجهة المجلس العسكري ، ، يقوم بإعادة نشر نص المقابلة كاملا .
نص المقابلة:
سؤال: السيد مسعود ولد بولخير، لقد قرأ البعض في مبادرتكم لحل الأزمة السياسية في موريتانيا نوعا من النازل عن مواقفكم السابقة تجاه من تصفونهم العسكريين الانقلابيين، فهل الأمر كذالك بالنسبة لكم؟ جواب: بالفعل هناك تنازل، لأني أرى شخصيا بأن من يريد جمع الأطراف حول مخرج – على اختلاف آرائهم- يجب أن يجد لكل طرف على حدة ما يطمئنه، ويثبت له أن الآخر ترك شيئا، وبالتالي لابد من التنازل عن المواقف الأصلية، فأنا كنت ممن يعتبرون أن المخرج الوحيد هو عودة رئيس الجمهورية إلى وظيفته، وإلى عمله وأن يكمل مأموريته حتى النهاية ولكن ما دامت هناك مواقف معارضة لهذا الموقف فلا بد من إيجاد حل وسط، يأخذ في الاعتبار وجهات نظر جميع الأطراف، ولذا اخترت أن أتنازل فعلا بطلب وفاق مع رئيس الجمهورية شخصيا،غير مجبر عليه، وما تلقاء نفسه في سبيل الوطن ويقارب المواطنين، وهذه الفكرة بالنسبة لي جديدة، ويمكن لأصحاب النوايا الطيبة أن يجدوا فيها ما يجرهم إلى أن يتنازلوا هم أيضا ويقبلوا بتقليص الفترة الانتقالية المحضرة للعودة للشرعية إلى أقصى ما يكون، وبذلك نضمن العودة للشرعية بعودة الرئيس لفترة محددة تمكن من تقليص المدة التي كان العسكريون يقترحونها ويقترحها بعض الموريتانيين، فعام ونصف مدة طويلة، بل إن فترة العام أيضا طويلة بالمقارنة مع شهر أو اثنين أو ثلاثة أو خمسة وأربعين يوما. سؤال : هل ستسمحون للعسكر بالترشح للانتخابات الرئاسية القادمة؟ جواب: لا، أنا أرى في عودة رئيس الجمهورية إلى مزاولة عمله عامل حسم في قضية العسكر، وبالتالي إبعادهم، كبرهان أساسي على فشل الانقلابات، وعندما يبدو للعسكريين أن كل الانقلابات لم تنجح فلن يتجرؤوا على القيام بها مستقبلا، أما عن قضية ترشحهم للوظائف الرئاسية فهو أمر حسمه الدستور الموريتاني الذي ينص على أن العسكري لا يجوز له الترشح للوظائف السياسية ما دام في الخدمة، فإذا استقال، وعاد إلى الحياة المدنية، فهذا من حقه، وأنا شخصيا لا أرى أي حرج في ترشح كل العسكريين، فالمهم أن لا يصلوا إلى السلطة عبر بنادقهم ودباباتهم. سؤال: جل الأطراف المناوئة للانقلاب ثمنت المبادرة ووصفتها جهات من الطرف الآخر بالجيدة، معتبرة أنه كان على رئيس البرلمان أن ينتظر الأيام التشاورية المزمعة لطرحها على مائدة التشاور، لماذا لا تنتظرون بطرحها أيام التشاور المنتظرة؟ جواب: أي أيام تشاور تقصد؟! أنا على كل حال لست معنيا بتلك الأيام ولن أدخلها.. إنها أيام تشاورية منظمة من طرف العسكريين، وأنا لم أعترف بسلطة العسكر، لذا لن أنصاع للمشاركة في تشاور أو حوار تحت لواء أو مظلة العسكريين، إذن اخترت أن أطرح للموريتانيين اقتراحا من تلقاء نفسي وأرجو أن يرى الجميع في مبادرتي كل الخير لأن ذلك ما أردته شخصيا من وراء طرحها، فما قدمته هو لمصلحة البلد، لا مصلحة زيد أم عمرو. سؤال: تلك الأيام التشاورية تم التوافق عليها في إجماع كتل البرلمان خلال الدورة الاستثنائية الأخيرة للبرلمان ماذا يعني ذلك بالنسبة لكم؟ جواب:لا يعني ذلك بالنسبة لي أي شيء، إنما تم الإجماع عليه أو بالأحرى الموافقة عليه تم خلال دورة استثنائية غير شرعية، دورة استثنائية تمت الدعوة لها من طرف الجنرال محمد ولد عبد العزيز، وحق الدعوة للدورة الاستثنائية حكر على رئيس الجمهورية المنتخب، وكنت أعلنت موقفي من هذه الدورة، وما نتج عنها غير شرعي ولست ملزما به. سؤال: رأي حزب تكتل القوى الديمقراطية أكبر أحزاب المعارضة أن مبادرتكم الشخصية لحل الأزمة تؤكد أن أقرب المقربين للرئيس المعزول أصبح يقر بعدم أهليته للرئاسة، وأنه لم يعد رجل المرحلة ما تعليقكم؟ جواب: على كل حال هو تعليق لا يشغل بالي، لأنه صادر من شخص معروف بعدم وعيه، وعدم اتخاذه للمواقف السياسية الحقيقية واللازمة، والمتماشية مع الحق، ولن أقحم نفسي في سجال مع المتكلمين بهذه المنهجية، فأنا لم أطعن في قدرة رئيس الجمهورية المنتحب سيدي ولد الشيخ عبد الله، فلو كان نعت مسؤول بعدم جدارته يعني طلب تنحيه لما بقي رئيس حزب تكتل القوى الديمقراطية رئيسا له، ولما بقي الكثير من الرؤساء الآخرين، لأن لكل منهم أخطاؤه وبعضهم – مثل رئيس التكتل- أخطاؤه فادحة وظاهرة للجميع، أما التشكيك في سيدي ولد الشيخ عبد الله وقدرته فمصدره مناوؤوه ومعادوه الذين اختاروا أن يزيحوه بالقوة، وأنا أقيمه بأنه مقتدر، لأنه كان ماض في بناء ديمقراطي حقيقي، تسجد في حرية الرأي وخلو السجون من حملة الرأي، وفي عودة المبعدين الموريتانيين، وسن قانون محاربة الاسترقاق في البلد، بالإضافة إلى إعطاء كل ذي حق حقه، ومنح الفرصة للرأي والرأي الآخر عبر وسائل الإعلام الحكومية (التلفزيون والإذاعة الوطنيتين) وهذا ما كنا نطمح له ويعبر عن قناعة الرئيس بالديمقراطية ومضيه في بناء صرحها، أما أن ينجح في الانتخابات على حساب مترشح آخر أو مترشحين آخرين فهذا لا يقلل من شأنه، وأما أن لا يعين في الوقت المناسب مسؤولا ما في مكان ما فهذا لا يبرر ما يقال عنه من قبيل عدم جدارته بتسيير شؤون الدولة. سؤال: ماذا عن ردود الفعل المحلية والدولية على مبادرتكم لحل الأزمة؟ جواب: على كل حال ما بلغني من صدى المبادرة إيجابي بالكامل، ولم أسمع بأي رد غير مؤيد للمبادرة، إلا من طرف العسكريين ومحيطهم، أما الرأي الحر وأصحاب النوايا الحسنة والخارج فقد قيموا – كلا من موقعه – هذه المبادرة واعتبروها فرصة للخروج من الأزمة، فهل يوفق العسكريون والآخرون في تبنيها من أجل الخروج من الأزمة؟ فذلك شأن آخر، ويقتضى التوقيف وهو ما تتفاوت فيه الأطراف.. سؤال : ربط البعض مبادرتكم بالمبادرة الفرنسية، واعتبر كلتا المبادرتين متطابقتين ومتشابهتين إلى حد كبير، برأيكم أي المقترحين أقتبس من الآخر؟ جواب: لست على أي علم بمبادرة فرنسية، وما أعرفه أن الفرنسيين والأفارقة يشجعون إيجاد حل داخلي للأزمة، وليست لديهم اقتراحات أو مبادرات، هذا ما بلغني والله تعالى أعلم، وإذا كانت فرنسا لديها مبادرة فليست بالتنسيق معي، ولم أستشر فيها ولا علم لي بها. سؤال: بعض دول الجوار سايرت النظام الجديد في نواكشوط، وأبدت تقبلا للحكام العسكريين، ما مدى تأثركم بمواقف تلك الدول؟ جواب: على كل حال نحن ديمقراطيون، والمواقف سواء من الدول أو الجماعات أو الأفراد نحترمها.. فلكل موقفه، قد لا يليق بنا بعضها وقد يصادف بعضها هوى في نفوسنا، فهذه سنة الحياة، فالسؤال المطروح سيكون عن مدى صمودنا نحن أمام هذه المواقف التي تحيط بنا، ونحن نؤكد تشبثنا بالديمقراطية وبالدستور والقوانين، ونعتقد أن ذلك هو الدرع الحامي لنا من الأطماع الداخلية والخارجية، والتي تلعب على وتيرة القبلية والجهوية والعرقية، وترى بأن مجتمعنا مجتمع هش، وأن بلدنا غير قوي، نحن نكافح كل ذلك بتشبثنا بالقانون، وهذا ما جعلني شخصيا أقتنع بأن خروج بلادنا من هذه الأزمة يمر حتما بالرجوع إلى النظام الدستوري. سؤال:هل تلقيتم عرضا للحل من طرف العسكر ضمن الأمور غير المعلنة؟. جواب: لا، إطلاقا. سؤال: العسكر يعتبر عودة الرئيس المعزول سيدي ولد الشيخ عبد الله خطا أحمرا.. هل تخشون على حياة الرئيس في معتقله؟ جواب: خط أحمر بالنسبة لمن؟ عموما أنا لست ممن يرون في الظروف الحالية تهديدا لأمن أو حياة الرئيس بأي شكل من الأشكال، ومع عدم اتفاقي مع العسكر فيما قاموا به فلن انحط إلى مستوى رميهم بإمكانية المس من أمن أو حياة رئيس الجمهورية لا قدر الله، وكونهم يعتبرون عودته خطا أحمرا لا رجعة فيه، فربما ذلك تكتيكهم وتلك إستراتيجيتهم، وفي المقابل قلنا نحن أيضا بأن الخط الأحمر هو عدم اعتبار الحل في عودة الرئيس، ولا حل خارج هذا الإطار، فمن يريد الحل عليه أن يقبل بعودة الرئيس، ولكن هذا ليس على حساب العسكريين ولا حتى على حساب المدنيين، فمن الغباء أن يتوهم البعض أن سعينا لعودة الرئيس نهدف من ورائه إلى تمكينه من تصفية حساباته مع مناوئيه، هذا أمر غير وارد ولا يمكن أن يكون هدفا وطنيا تحت أي ظرف، نريد مصالحة لا غالب فيها ولا مغلوب، ولكي لا نفقد مصداقية حصلنا عليها في الفترة الأخيرة. سؤال: هل يتعرض الرافضون للانقلاب لنوع من تصفية الحسابات؟ جواب: بالطبع لاحظنا ذلك قبل حدوث الانقلاب، فعلى المستوى البرلماني تمت تصفية كل من لم يساير تحرك حجب الثقة عن الحكومة الماضية، وتم عزله من المسؤوليات، وقلت ساعتها بأن الأمر غير مقبول، ولكن تم تدبير الأمر بأكثرية برلمانية، والآن نلاحظ مسلسل الإقالات من الوظائف العمومية، وتعيين مقربين من النواب الموالين، ومقربين من حزب تكتل القوي الديمقراطية، وهذا ما يفهم منه السعي لإفساد الإدارة، وبالتالي إفساد الدولة لأن الضامن الأساسي لهذه الدولة هو الإدارة، واستمراريتها بموظفين مقتدرين ذوى خبرة، وإذا كانت هذه الإدارة عرضة للأهواء، وكل من وصل إلى مستوى المسؤولية يعمد إلى عزل هذا وتعيين ذلك لأنه قريب له أو مساند له، ففي ذلك هدم للدولة مع الأسف، هذا يحدث في فترة كنا نحسب أننا بدأنا فيها التخلص من هذا النهج المعيق. سؤال إذن ما السبيل لإقناع العسكر بالتراجع عن مواقفهم؟ هل تراهنون على الضغوط الخارجية مثلا؟ جواب: المسألة كما أسلفت مسألة توفيق، فالخالق تبارك وتعالى يوفق البعض في تجنب أمور تبرز معها حكمته وصلاحه وجدارته، وهناك العكس، آمل أن يوفق العسكريون ويتفهموا ما فيه مصلحة البلد، لكي يكون الحل وطنيا، تجنبا لتدخل أي كان في الشأن الوطني، وهذا هو الطريق الذي نفضل أن تسير الأمور وفقه، أما عن التدخل الخارجي وما يمكن تحقيقه عن طريقه، فواقع بلادنا كان – حتى مأمورية سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله – مرهونا برأي الخارج، فنحن كنا نُطهد ونُقتل ونُسجن، ولا تخف علينا وطأة التعسف إلا إذا كان ثمة تدخل خارجي، لأن الأنظمة لا تعير اعتبارا إلا لجهات خارجية لها كلمتها، و اليوم فإن المجموعة الدولية تعارض الانقلابات، ويسعى الاتحاد الإفريقي لإيجاد علاج يستأصل الانقلابات في القارة، ووُقعت اتفاقيات عديدة في هذا الشأن، وقُطعت أشواط لتشييد سد منيع أمام الانقلابات، وكانت موريتانيا الدولة الوحيدة التي صادق برلمانها على حظر الانقلابات، ونفس البرلمانيين هم الذين ساندوا الانقلاب الأخير، نحن لا نريد العقوبات ضد بلدنا ولم نطالب بها، ولكن المنظمة القارية قننت موضوع الانقلابات، وربطته بمضاعفات خطيرة، ولها اتفاق بهذا الشأن مع الأوروبيين، ونعتقد جميعا أن العقوبات خطيرة فعلا على موريتانيا، ونأمل أن يوفق العسكريون لحلول تجنب البلد تلك العقوبات، وإذا لم نجد مخرجا فستُطبق تلك العقوبات على بلدنا عاجلا أم آجلا، لهذا نناشد في العسكريين روح الوطنية وروح الحكمة بأن يتعاملوا معنا لإيجاد مخرج يجنب بلدنا ما نحن في غنى عنه، وبذلك يخلد التاريخ أسماءهم في حالة تفاديهم لأغلاطهم، وبالتالي يمكنهم أن يخرجوا مبجلين مكرمين وعظماء ولا نرجو لهم العكس. سؤال: هل خسرت موريتانيا الكثير جراء هذا الانقلاب؟ جواب: أنا لا أرجو أن تكون بلادنا قد خسرت الكثير، لأن الخسارة الحقيقية ستكون بارزة للعيان عندما لا نجد حلا للأزمة الراهنة، وإذا لم نجد حلا – لا قدر الله- سنخسر السمعة الطيبة التي كنا نحظى بها على المستوى الدولي والقاري، لأن تجربتنا الديمقراطية كانت نموذجا فريدا من نوعه، مما جلب لنا كثيرا من الخيرات والتعاطف الدولي، وهذا ما بدأنا نخسره، كنا من خلال تجربتنا ومن خلال تقييم المجتمع الدولي لها في حالة انتعاش داخلي واستعادة للثقة بالنفس وبديمقراطيتنا وبنهجها السلمي، تجسد ذالك في المداولات داخل البرلمان، وفي فصل حقيقي للسلطات، وباختيارنا بدأنا نعيش الديمقراطية كما تمارس تقريبا في فرنسا أو في أمريكا، وكنا فخورين بذلك، في جو من التفاؤل والاطمئنان في بلدنا، وكنا حاضرين في أذهان الآخرين إيجابا، ويعلم الله أنني التقيت بأناس في بلدي لا يفهمون في السياسة، وبعضهم قادم من الريف قالوا لي: “هذا الانقلاب مخجل لنا، بماذا سنفتخر على جيراننا وعلى العالم؟” هذا لسان حال الناس بعد عام ونصف من إشادة العالم بما تحقق.. هذا كله بدأنا نفقده خاصة مع حالة الإحباط الخطيرة، التي قد تكفينا فترة قصيرة للخروج منها. سؤال: ما هي أسوأ السيناريوهات المحتملة في حال تصاعد الأزمة السياسية في بلدكم؟ جواب: أسوؤها بنظري هو رجوعنا للحكم الدكتاتوري الأحادي العسكري، ولن أقبل أن تجروني لما لا أريد الخوض فيه، لعل غيري مستعد أكثر مني للحديث عن تلك الأمور، وأنا لا أرى أسوأ من الحكم الأحادي والديكتاتورية العمياء وتصفية الحسابات، وأرجو أن يحفظنا الله. سؤال: هناك من يرى بأن البلد أصبح لقمة سائغة لناشطين سلفيين، وأنهم وجدوا في الفترة الأخيرة فرصا سانحة لنشاطات دموية، منها ما هو موجه للأجانب في موريتانيا، هل تراخى أمن الرئيس المعزول معهم كما يقول الحكام العسكريون اليوم؟ جواب:لا أوافق هذا الرأي، أعرف أن موريتانيا مع الأسف بدأت تعرف الإرهاب منذ زمن ويمكن القول بأن المعاملة معه في البداية لم تكن معاملة حازمة، ربما لنقص في المعلومات، وربما لأن بيئتنا مغايرة تماما لهذا النوع من الأفكار، والواضح أن المسألة بدأت تُزخم بالتزامن مع التفكير في الإطاحة بالرئيس ولد الشيخ عبد الله، واعتبر مناوؤوه أنه هو من سهل المسائل، بل وصفوه بالمتراخي في الأمر، وأنه لم يعط الأوامر لسلطات الأمن بالتصدي للإرهابيين، والواقع أن كل هذا مردود عليه، فهو معني بالسياسة العامة بالأساس، والشرطة والجيش يجب أن لا ينتظرا تعليمات شخصية من رئيس الجمهورية، فالمسؤولية عن أمن البلد تتعلق بهم، بما في ذلك تحصين الحدود من المجرمين والمهربين وكل الأعداء، والرئيس منح كل الصلاحيات للمسؤولين في كل القطاعات، وكلُ عهد له بمهمته، في تكليف واضح، إيمانا من الرئيس بفصل السلطات، فالتنفيذي ينفذ، والتشريعي يشرع، والقضائي يقضي، سمعنا من يقول بأن الرئيس كان وراء أطلاق سراح السلفيين، في الوقت الذي أطلقهم القضاء، ولم نعلم ولم يُقدم لنا أمر من الرئيس للقاضي بإطلاق سراح أحد أو توقيف أحد، وإذا كان الأمر كذلك فهي حجة ضد القاضي غير الملزم برغبات السلطة التنفيذية، ورئيس الجمهورية غير مسؤول عن عمل القضاء، وحتى ما أشيع من انفلات أمني فالعسكريون هم أصحاب المسؤولية الأولى عنه، بما فيهم الجنرال محمد ولد عبد العزيز، الذي يحكم البلد اليوم، وقائد الأركان ومدير الأمن وقائدي الدرك والحرس الذين يساندونه، فهم المسؤولون أولا، فما هو موجود من المال يأخذونه بأنفسهم أو يعطي لهم، وعليهم توظيفه توظيفا صحيحا، مما يمكن من محاربة هبوط طائرات المخدرات وعنف السلفيين، كل هذه الأمور حُملت مسؤوليتها لرئيس الجمهورية، لتشويه سمعته وإضعافه، لأنه من غير المعقول أن يحدث كل هذا بمحض الصدفة، وستؤكد الأيام أن كثيرا مما نسب لعهد سيدي ولد الشيخ عبد الله تم تدبيره من طرف المحيطين به أو من غيرهم، والواضح لدينا أن تسويق قضية الإرهاب للخارج هدفه الأساسي هو تعاطف الغرب مع الانقلابيين، لكن علينا أن ننظر في ظرف فرار سفليين معدودين على أصابع اليد الواحدة من قبضة الأمن، وفي ظروف ملاحقاتهم، وتحديد المسؤولية، ومكامن الضعف، وتحميل كل مسؤوليته بدل إلقاء اللائمة على رئيس الجمهورية،وليس من المسؤول أن يؤدي بنا حب السلطة أو بغض شخص مسؤول إلى اتهام بعضنا بعضا بدعم الإرهاب، هذا غير مسؤول ولا يخدم مصلحة البلد في شيء، والواقع أن هذه الحيل لم تعد تنطلي لا على الغرب ولا على الشرق، ولا على الموريتانيين. سؤال: هل ستصعدون في أساليب الاحتجاج الديمقراطية فعلا كما ألمح إلى ذالك بعض المناوئين للانقلاب؟ جواب: طبعا وأعتقد أني تطرقت لهذه النقطة وإن كنت شخصيا لا زلت أمنع نفسي من جملة من الأمور المشروعة، وتعلمون أني أتحاشى في حتى الساعة الخروج في المظاهرات والظهور في المهرجانات، لأني أحب التميز لكي أكون مسموع الرأي، ومع ذلك أقول لكم إنني منحاز جدا للشرعية وأنصح العسكر بأن لا يصعبوا الأمور بمنع المظاهرات والاحتجاجات، وإذا كان لديهم ما يقدمونه من دليل على شعبيتهم ولو باستخدام وسائل الدولة وشراء الذمم، وسيجدون من يصلح لهذا النهج فليفعلوا، لكن رفض نشاطات المناوئين للانقلاب غير مقبول، وإذا أقدم العسكر على قمع الناس لأنهم عبروا عن شعورهم بالظلم، فذلك يؤدي حتما إلى مزيد من التظاهر، وقد تنقلب تلك المظاهرات السلمية إلى مظاهرات غير سلمية لا قدر الله، مما يؤدي إلى تعرض البلد للبلبلة والشغب، ونحن لا نتمنى مع أن هناك مرحلة قد لا نتمكن فيها جميعا من السيطرة على أي شيء. هل تقبلون وصفكم بـ”حكيم الساسة الموريتانيين” كما يلقبكم البعض اليوم؟ جواب: الحكيم هو الله تبارك وتعالى، والحكمة له، وما يمكن قوله هو أنني أتعهد أمام الله وأما الكل بأنني لن أسعى في أمر لا يخدم مصلحة البلد، بعيدا عن الأطماع والطموحات الشخصية كما أتعهد بالدفاع عن كلمة الحق مادامت تعني المجتمع، قد أسكت عندما يتعلق الأمر بأمر غير عام، أو بشأن خاص بفرد أو مجموعة أفراد، لكن الأمر العام بحاجة إلى رأي كل واحد منا دون خوف أو طمع، وإذا كان ذلك ما تعنيه الحكمة فإنني سائر في هذا النهج. سؤال: السيد مسعود ولد بولخير، لقد قرأ البعض في مبادرتكم لحل الأزمة السياسية في موريتانيا نوعا من النازل عن مواقفكم السابقة تجاه من تصفونهم العسكريين الانقلابيين، فهل الأمر كذالك بالنسبة لكم؟ جواب: بالفعل هناك تنازل، لأني أرى شخصيا بأن من يريد جمع الأطراف حول مخرج – على اختلاف آرائهم- يجب أن يجد لكل طرف على حدة ما يطمئنه، ويثبت له أن الآخر ترك شيئا، وبالتالي لابد من التنازل عن المواقف الأصلية، فأنا كنت ممن يعتبرون أن المخرج الوحيد هو عودة رئيس الجمهورية إلى وظيفته، وإلى عمله وأن يكمل مأموريته حتى النهاية ولكن ما دامت هناك مواقف معارضة لهذا الموقف فلا بد من إيجاد حل وسط، يأخذ في الاعتبار وجهات نظر جميع الأطراف، ولذا اخترت أن أتنازل فعلا بطلب وفاق مع رئيس الجمهورية شخصيا،غير مجبر عليه، وما تلقاء نفسه في سبيل الوطن ويقارب المواطنين، وهذه الفكرة بالنسبة لي جديدة، ويمكن لأصحاب النوايا الطيبة أن يجدوا فيها ما يجرهم إلى أن يتنازلوا هم أيضا ويقبلوا بتقليص الفترة الانتقالية المحضرة للعودة للشرعية إلى أقصى ما يكون، وبذلك نضمن العودة للشرعية بعودة الرئيس لفترة محددة تمكن من تقليص المدة التي كان العسكريون يقترحونها ويقترحها بعض الموريتانيين، فعام ونصف مدة طويلة، بل إن فترة العام أيضا طويلة بالمقارنة مع شهر أو اثنين أو ثلاثة أو خمسة وأربعين يوما. سؤال : هل ستسمحون للعسكر بالترشح للانتخابات الرئاسية القادمة؟ جواب: لا، أنا أرى في عودة رئيس الجمهورية إلى مزاولة عمله عامل حسم في قضية العسكر، وبالتالي إبعادهم، كبرهان أساسي على فشل الانقلابات، وعندما يبدو للعسكريين أن كل الانقلابات لم تنجح فلن يتجرؤوا على القيام بها مستقبلا، أما عن قضية ترشحهم للوظائف الرئاسية فهو أمر حسمه الدستور الموريتاني الذي ينص على أن العسكري لا يجوز له الترشح للوظائف السياسية ما دام في الخدمة، فإذا استقال، وعاد إلى الحياة المدنية، فهذا من حقه، وأنا شخصيا لا أرى أي حرج في ترشح كل العسكريين، فالمهم أن لا يصلوا إلى السلطة عبر بنادقهم ودباباتهم. سؤال: جل الأطراف المناوئة للانقلاب ثمنت المبادرة ووصفتها جهات من الطرف الآخر بالجيدة، معتبرة أنه كان على رئيس البرلمان أن ينتظر الأيام التشاورية المزمعة لطرحها على مائدة التشاور، لماذا لا تنتظرون بطرحها أيام التشاور المنتظرة؟ جواب: أي أيام تشاور تقصد؟! أنا على كل حال لست معنيا بتلك الأيام ولن أدخلها.. إنها أيام تشاورية منظمة من طرف العسكريين، وأنا لم أعترف بسلطة العسكر، لذا لن أنصاع للمشاركة في تشاور أو حوار تحت لواء أو مظلة العسكريين، إذن اخترت أن أطرح للموريتانيين اقتراحا من تلقاء نفسي وأرجو أن يرى الجميع في مبادرتي كل الخير لأن ذلك ما أردته شخصيا من وراء طرحها، فما قدمته هو لمصلحة البلد، لا مصلحة زيد أم عمرو. سؤال: تلك الأيام التشاورية تم التوافق عليها في إجماع كتل البرلمان خلال الدورة الاستثنائية الأخيرة للبرلمان ماذا يعني ذلك بالنسبة لكم؟ جواب:لا يعني ذلك بالنسبة لي أي شيء، إنما تم الإجماع عليه أو بالأحرى الموافقة عليه تم خلال دورة استثنائية غير شرعية، دورة استثنائية تمت الدعوة لها من طرف الجنرال محمد ولد عبد العزيز، وحق الدعوة للدورة الاستثنائية حكر على رئيس الجمهورية المنتخب، وكنت أعلنت موقفي من هذه الدورة، وما نتج عنها غير شرعي ولست ملزما به. سؤال: رأي حزب تكتل القوى الديمقراطية أكبر أحزاب المعارضة أن مبادرتكم الشخصية لحل الأزمة تؤكد أن أقرب المقربين للرئيس المعزول أصبح يقر بعدم أهليته للرئاسة، وأنه لم يعد رجل المرحلة ما تعليقكم؟ جواب: على كل حال هو تعليق لا يشغل بالي، لأنه صادر من شخص معروف بعدم وعيه، وعدم اتخاذه للمواقف السياسية الحقيقية واللازمة، والمتماشية مع الحق، ولن أقحم نفسي في سجال مع المتكلمين بهذه المنهجية، فأنا لم أطعن في قدرة رئيس الجمهورية المنتحب سيدي ولد الشيخ عبد الله، فلو كان نعت مسؤول بعدم جدارته يعني طلب تنحيه لما بقي رئيس حزب تكتل القوى الديمقراطية رئيسا له، ولما بقي الكثير من الرؤساء الآخرين، لأن لكل منهم أخطاؤه وبعضهم – مثل رئيس التكتل- أخطاؤه فادحة وظاهرة للجميع، أما التشكيك في سيدي ولد الشيخ عبد الله وقدرته فمصدره مناوؤوه ومعادوه الذين اختاروا أن يزيحوه بالقوة، وأنا أقيمه بأنه مقتدر، لأنه كان ماض في بناء ديمقراطي حقيقي، تسجد في حرية الرأي وخلو السجون من حملة الرأي، وفي عودة المبعدين الموريتانيين، وسن قانون محاربة الاسترقاق في البلد، بالإضافة إلى إعطاء كل ذي حق حقه، ومنح الفرصة للرأي والرأي الآخر عبر وسائل الإعلام الحكومية (التلفزيون والإذاعة الوطنيتين) وهذا ما كنا نطمح له ويعبر عن قناعة الرئيس بالديمقراطية ومضيه في بناء صرحها، أما أن ينجح في الانتخابات على حساب مترشح آخر أو مترشحين آخرين فهذا لا يقلل من شأنه، وأما أن لا يعين في الوقت المناسب مسؤولا ما في مكان ما فهذا لا يبرر ما يقال عنه من قبيل عدم جدارته بتسيير شؤون الدولة. سؤال: ماذا عن ردود الفعل المحلية والدولية على مبادرتكم لحل الأزمة؟ جواب: على كل حال ما بلغني من صدى المبادرة إيجابي بالكامل، ولم أسمع بأي رد غير مؤيد للمبادرة، إلا من طرف العسكريين ومحيطهم، أما الرأي الحر وأصحاب النوايا الحسنة والخارج فقد قيموا – كلا من موقعه – هذه المبادرة واعتبروها فرصة للخروج من الأزمة، فهل يوفق العسكريون والآخرون في تبنيها من أجل الخروج من الأزمة؟ فذلك شأن آخر، ويقتضى التوقيف وهو ما تتفاوت فيه الأطراف.. سؤال : ربط البعض مبادرتكم بالمبادرة الفرنسية، واعتبر كلتا المبادرتين متطابقتين ومتشابهتين إلى حد كبير، برأيكم أي المقترحين أقتبس من الآخر؟ جواب: لست على أي علم بمبادرة فرنسية، وما أعرفه أن الفرنسيين والأفارقة يشجعون إيجاد حل داخلي للأزمة، وليست لديهم اقتراحات أو مبادرات، هذا ما بلغني والله تعالى أعلم، وإذا كانت فرنسا لديها مبادرة فليست بالتنسيق معي، ولم أستشر فيها ولا علم لي بها. سؤال: بعض دول الجوار سايرت النظام الجديد في نواكشوط، وأبدت تقبلا للحكام العسكريين، ما مدى تأثركم بمواقف تلك الدول؟ جواب: على كل حال نحن ديمقراطيون، والمواقف سواء من الدول أو الجماعات أو الأفراد نحترمها.. فلكل موقفه، قد لا يليق بنا بعضها وقد يصادف بعضها هوى في نفوسنا، فهذه سنة الحياة، فالسؤال المطروح سيكون عن مدى صمودنا نحن أمام هذه المواقف التي تحيط بنا، ونحن نؤكد تشبثنا بالديمقراطية وبالدستور والقوانين، ونعتقد أن ذلك هو الدرع الحامي لنا من الأطماع الداخلية والخارجية، والتي تلعب على وتيرة القبلية والجهوية والعرقية، وترى بأن مجتمعنا مجتمع هش، وأن بلدنا غير قوي، نحن نكافح كل ذلك بتشبثنا بالقانون، وهذا ما جعلني شخصيا أقتنع بأن خروج بلادنا من هذه الأزمة يمر حتما بالرجوع إلى النظام الدستوري. سؤال:هل تلقيتم عرضا للحل من طرف العسكر ضمن الأمور غير المعلنة؟. جواب: لا، إطلاقا. سؤال: العسكر يعتبر عودة الرئيس المعزول سيدي ولد الشيخ عبد الله خطا أحمرا.. هل تخشون على حياة الرئيس في معتقله؟ جواب: خط أحمر بالنسبة لمن؟ عموما أنا لست ممن يرون في الظروف الحالية تهديدا لأمن أو حياة الرئيس بأي شكل من الأشكال، ومع عدم اتفاقي مع العسكر فيما قاموا به فلن انحط إلى مستوى رميهم بإمكانية المس من أمن أو حياة رئيس الجمهورية لا قدر الله، وكونهم يعتبرون عودته خطا أحمرا لا رجعة فيه، فربما ذلك تكتيكهم وتلك إستراتيجيتهم، وفي المقابل قلنا نحن أيضا بأن الخط الأحمر هو عدم اعتبار الحل في عودة الرئيس، ولا حل خارج هذا الإطار، فمن يريد الحل عليه أن يقبل بعودة الرئيس، ولكن هذا ليس على حساب العسكريين ولا حتى على حساب المدنيين، فمن الغباء أن يتوهم البعض أن سعينا لعودة الرئيس نهدف من ورائه إلى تمكينه من تصفية حساباته مع مناوئيه، هذا أمر غير وارد ولا يمكن أن يكون هدفا وطنيا تحت أي ظرف، نريد مصالحة لا غالب فيها ولا مغلوب، ولكي لا نفقد مصداقية حصلنا عليها في الفترة الأخيرة. سؤال: هل يتعرض الرافضون للانقلاب لنوع من تصفية الحسابات؟ جواب: بالطبع لاحظنا ذلك قبل حدوث الانقلاب، فعلى المستوى البرلماني تمت تصفية كل من لم يساير تحرك حجب الثقة عن الحكومة الماضية، وتم عزله من المسؤوليات، وقلت ساعتها بأن الأمر غير مقبول، ولكن تم تدبير الأمر بأكثرية برلمانية، والآن نلاحظ مسلسل الإقالات من الوظائف العمومية، وتعيين مقربين من النواب الموالين، ومقربين من حزب تكتل القوي الديمقراطية، وهذا ما يفهم منه السعي لإفساد الإدارة، وبالتالي إفساد الدولة لأن الضامن الأساسي لهذه الدولة هو الإدارة، واستمراريتها بموظفين مقتدرين ذوى خبرة، وإذا كانت هذه الإدارة عرضة للأهواء، وكل من وصل إلى مستوى المسؤولية يعمد إلى عزل هذا وتعيين ذلك لأنه قريب له أو مساند له، ففي ذلك هدم للدولة مع الأسف، هذا يحدث في فترة كنا نحسب أننا بدأنا فيها التخلص من هذا النهج المعيق. سؤال إذن ما السبيل لإقناع العسكر بالتراجع عن مواقفهم؟ هل تراهنون على الضغوط الخارجية مثلا؟ جواب: المسألة كما أسلفت مسألة توفيق، فالخالق تبارك وتعالى يوفق البعض في تجنب أمور تبرز معها حكمته وصلاحه وجدارته، وهناك العكس، آمل أن يوفق العسكريون ويتفهموا ما فيه مصلحة البلد، لكي يكون الحل وطنيا، تجنبا لتدخل أي كان في الشأن الوطني، وهذا هو الطريق الذي نفضل أن تسير الأمور وفقه، أما عن التدخل الخارجي وما يمكن تحقيقه عن طريقه، فواقع بلادنا كان – حتى مأمورية سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله – مرهونا برأي الخارج، فنحن كنا نُطهد ونُقتل ونُسجن، ولا تخف علينا وطأة التعسف إلا إذا كان ثمة تدخل خارجي، لأن الأنظمة لا تعير اعتبارا إلا لجهات خارجية لها كلمتها، و اليوم فإن المجموعة الدولية تعارض الانقلابات، ويسعى الاتحاد الإفريقي لإيجاد علاج يستأصل الانقلابات في القارة، ووُقعت اتفاقيات عديدة في هذا الشأن، وقُطعت أشواط لتشييد سد منيع أمام الانقلابات، وكانت موريتانيا الدولة الوحيدة التي صادق برلمانها على حظر الانقلابات، ونفس البرلمانيين هم الذين ساندوا الانقلاب الأخير، نحن لا نريد العقوبات ضد بلدنا ولم نطالب بها، ولكن المنظمة القارية قننت موضوع الانقلابات، وربطته بمضاعفات خطيرة، ولها اتفاق بهذا الشأن مع الأوروبيين، ونعتقد جميعا أن العقوبات خطيرة فعلا على موريتانيا، ونأمل أن يوفق العسكريون لحلول تجنب البلد تلك العقوبات، وإذا لم نجد مخرجا فستُطبق تلك العقوبات على بلدنا عاجلا أم آجلا، لهذا نناشد في العسكريين روح الوطنية وروح الحكمة بأن يتعاملوا معنا لإيجاد مخرج يجنب بلدنا ما نحن في غنى عنه، وبذلك يخلد التاريخ أسماءهم في حالة تفاديهم لأغلاطهم، وبالتالي يمكنهم أن يخرجوا مبجلين مكرمين وعظماء ولا نرجو لهم العكس. سؤال: هل خسرت موريتانيا الكثير جراء هذا الانقلاب؟ جواب: أنا لا أرجو أن تكون بلادنا قد خسرت الكثير، لأن الخسارة الحقيقية ستكون بارزة للعيان عندما لا نجد حلا للأزمة الراهنة، وإذا لم نجد حلا – لا قدر الله- سنخسر السمعة الطيبة التي كنا نحظى بها على المستوى الدولي والقاري، لأن تجربتنا الديمقراطية كانت نموذجا فريدا من نوعه، مما جلب لنا كثيرا من الخيرات والتعاطف الدولي، وهذا ما بدأنا نخسره، كنا من خلال تجربتنا ومن خلال تقييم المجتمع الدولي لها في حالة انتعاش داخلي واستعادة للثقة بالنفس وبديمقراطيتنا وبنهجها السلمي، تجسد ذالك في المداولات داخل البرلمان، وفي فصل حقيقي للسلطات، وباختيارنا بدأنا نعيش الديمقراطية كما تمارس تقريبا في فرنسا أو في أمريكا، وكنا فخورين بذلك، في جو من التفاؤل والاطمئنان في بلدنا، وكنا حاضرين في أذهان الآخرين إيجابا، ويعلم الله أنني التقيت بأناس في بلدي لا يفهمون في السياسة، وبعضهم قادم من الريف قالوا لي: “هذا الانقلاب مخجل لنا، بماذا سنفتخر على جيراننا وعلى العالم؟” هذا لسان حال الناس بعد عام ونصف من إشادة العالم بما تحقق.. هذا كله بدأنا نفقده خاصة مع حالة الإحباط الخطيرة، التي قد تكفينا فترة قصيرة للخروج منها. سؤال: ما هي أسوأ السيناريوهات المحتملة في حال تصاعد الأزمة السياسية في بلدكم؟ جواب: أسوؤها بنظري هو رجوعنا للحكم الدكتاتوري الأحادي العسكري، ولن أقبل أن تجروني لما لا أريد الخوض فيه، لعل غيري مستعد أكثر مني للحديث عن تلك الأمور، وأنا لا أرى أسوأ من الحكم الأحادي والديكتاتورية العمياء وتصفية الحسابات، وأرجو أن يحفظنا الله. سؤال: هناك من يرى بأن البلد أصبح لقمة سائغة لناشطين سلفيين، وأنهم وجدوا في الفترة الأخيرة فرصا سانحة لنشاطات دموية، منها ما هو موجه للأجانب في موريتانيا، هل تراخى أمن الرئيس المعزول معهم كما يقول الحكام العسكريون اليوم؟ جواب:لا أوافق هذا الرأي، أعرف أن موريتانيا مع الأسف بدأت تعرف الإرهاب منذ زمن ويمكن القول بأن المعاملة معه في البداية لم تكن معاملة حازمة، ربما لنقص في المعلومات، وربما لأن بيئتنا مغايرة تماما لهذا النوع من الأفكار، والواضح أن المسألة بدأت تُزخم بالتزامن مع التفكير في الإطاحة بالرئيس ولد الشيخ عبد الله، واعتبر مناوؤوه أنه هو من سهل المسائل، بل وصفوه بالمتراخي في الأمر، وأنه لم يعط الأوامر لسلطات الأمن بالتصدي للإرهابيين، والواقع أن كل هذا مردود عليه، فهو معني بالسياسة العامة بالأساس، والشرطة والجيش يجب أن لا ينتظرا تعليمات شخصية من رئيس الجمهورية، فالمسؤولية عن أمن البلد تتعلق بهم، بما في ذلك تحصين الحدود من المجرمين والمهربين وكل الأعداء، والرئيس منح كل الصلاحيات للمسؤولين في كل القطاعات، وكلُ عهد له بمهمته، في تكليف واضح، إيمانا من الرئيس بفصل السلطات، فالتنفيذي ينفذ، والتشريعي يشرع، والقضائي يقضي، سمعنا من يقول بأن الرئيس كان وراء أطلاق سراح السلفيين، في الوقت الذي أطلقهم القضاء، ولم نعلم ولم يُقدم لنا أمر من الرئيس للقاضي بإطلاق سراح أحد أو توقيف أحد، وإذا كان الأمر كذلك فهي حجة ضد القاضي غير الملزم برغبات السلطة التنفيذية، ورئيس الجمهورية غير مسؤول عن عمل القضاء، وحتى ما أشيع من انفلات أمني فالعسكريون هم أصحاب المسؤولية الأولى عنه، بما فيهم الجنرال محمد ولد عبد العزيز، الذي يحكم البلد اليوم، وقائد الأركان ومدير الأمن وقائدي الدرك والحرس الذين يساندونه، فهم المسؤولون أولا، فما هو موجود من المال يأخذونه بأنفسهم أو يعطي لهم، وعليهم توظيفه توظيفا صحيحا، مما يمكن من محاربة هبوط طائرات المخدرات وعنف السلفيين، كل هذه الأمور حُملت مسؤوليتها لرئيس الجمهورية، لتشويه سمعته وإضعافه، لأنه من غير المعقول أن يحدث كل هذا بمحض الصدفة، وستؤكد الأيام أن كثيرا مما نسب لعهد سيدي ولد الشيخ عبد الله تم تدبيره من طرف المحيطين به أو من غيرهم، والواضح لدينا أن تسويق قضية الإرهاب للخارج هدفه الأساسي هو تعاطف الغرب مع الانقلابيين، لكن علينا أن ننظر في ظرف فرار سفليين معدودين على أصابع اليد الواحدة من قبضة الأمن، وفي ظروف ملاحقاتهم، وتحديد المسؤولية، ومكامن الضعف، وتحميل كل مسؤوليته بدل إلقاء اللائمة على رئيس الجمهورية،وليس من المسؤول أن يؤدي بنا حب السلطة أو بغض شخص مسؤول إلى اتهام بعضنا بعضا بدعم الإرهاب، هذا غير مسؤول ولا يخدم مصلحة البلد في شيء، والواقع أن هذه الحيل لم تعد تنطلي لا على الغرب ولا على الشرق، ولا على الموريتانيين. سؤال: هل ستصعدون في أساليب الاحتجاج الديمقراطية فعلا كما ألمح إلى ذالك بعض المناوئين للانقلاب؟ جواب: طبعا وأعتقد أني تطرقت لهذه النقطة وإن كنت شخصيا لا زلت أمنع نفسي من جملة من الأمور المشروعة، وتعلمون أني أتحاشى في حتى الساعة الخروج في المظاهرات والظهور في المهرجانات، لأني أحب التميز لكي أكون مسموع الرأي، ومع ذلك أقول لكم إنني منحاز جدا للشرعية وأنصح العسكر بأن لا يصعبوا الأمور بمنع المظاهرات والاحتجاجات، وإذا كان لديهم ما يقدمونه من دليل على شعبيتهم ولو باستخدام وسائل الدولة وشراء الذمم، وسيجدون من يصلح لهذا النهج فليفعلوا، لكن رفض نشاطات المناوئين للانقلاب غير مقبول، وإذا أقدم العسكر على قمع الناس لأنهم عبروا عن شعورهم بالظلم، فذلك يؤدي حتما إلى مزيد من التظاهر، وقد تنقلب تلك المظاهرات السلمية إلى مظاهرات غير سلمية لا قدر الله، مما يؤدي إلى تعرض البلد للبلبلة والشغب، ونحن لا نتمنى مع أن هناك مرحلة قد لا نتمكن فيها جميعا من السيطرة على أي شيء. هل تقبلون وصفكم بـ”حكيم الساسة الموريتانيين” كما يلقبكم البعض اليوم؟ جواب: الحكيم هو الله تبارك وتعالى، والحكمة له، وما يمكن قوله هو أنني أتعهد أمام الله وأما الكل بأنني لن أسعى في أمر لا يخدم مصلحة البلد، بعيدا عن الأطماع والطموحات الشخصية كما أتعهد بالدفاع عن كلمة الحق مادامت تعني المجتمع، قد أسكت عندما يتعلق الأمر بأمر غير عام، أو بشأن خاص بفرد أو مجموعة أفراد، لكن الأمر العام بحاجة إلى رأي كل واحد منا دون خوف أو طمع، وإذا كان ذلك ما تعنيه الحكمة فإنني سائر في هذا النهج.