مقالات

من كرسي الحكم إلى سرير المحكمة/ سعيد البيلال

كان مشهدا لا يصدق ذاك الذي شهدناه بأم أعيننا يوم أمس، الرئيس المصري المخلوع – بقوة الثورة- الذي امتطى صهوة كرسي الحكم بأرض الكنانة لأزيد من ثلاثة عقود يدلف قفص الاتهام بقاعة المحكمة على سرير متحرك، من كان يتصور أن حاكما عربيا مستبدا تربع على عرش أكبر دولة بوليسية عربية ومشرقية يمكن أن تكون نهايته كهذه…؟ أن تنحدر به الأقدار إلى هذا المستوى..؟ أن يساق مهانا إلى أكاديمية الشرطة التي كان ينفش فيها ريشه زهوا واحتفالا بعيد جهازه الأمني القمعي يناير الماضي تاريخ تفجر الثورة المصرية التي أسقطته وهاهي تحاكمه على جرائمه وشرطته بنفس المكان بغير احتفال ولا زهو…!! وأن تبث أطوار محاكمته المذلة على الهواء مباشرة بواسطة نفس التلفزيون المصري الذي لطالما كان جهازه الدعائي الذي يهش به ويعتم به ويضلل به.
من كان يظن أن يظهر الفرعون أمام الجميع ذليلا، مريضا وخانعا وهو الذي كانت هيبته تسبقه كالسيف وكارزميته تؤثث له أجواء الرهبة.. ! حقيقة إن الله يمهل ولا يهمل.
كان مشهدا تاريخيا بلا شك، وكان حلما لطالما راود الكثيرين وهاهو يتحقق على أرض الأكاديمية، من منا لم يسمع الثوار المصريين بالسويس يوم 25 يناير يهتفون الشعب يريد إسقاط النظام وفعلوها…ومن منا لم يسمعهم في الإسكندرية بعد ذلك بأيام حين هتفوا الشعب يريد محاكمة الرئيس وهاهم يفعلوها… إنها عظمة الشعب المصري الذي إذا قال كلمته وفى بها وإن فجر ثورته حقق أهدافها عن طريق المواكبة والتحصين، تلك الثورة التي لم تعد مصرية فقط بل أضحت تشكل قدوة ونبراس ودليل وصمام أمان لبقية الشعوب العربية التواقة للحرية والتحرر من الاستبداد والطواغيت، وهاهي بهذه المحاكمة التاريخية تهدي الثوار في اليمن وسوريا وليبيا وبقية الأقطار العربية المنتفضة أسباب الصمود ومحفزات الاستمرارية وقوة الدفع للمستقبل.
كان منظرا دراماتيكيا ذاك الذي بثته وسائل إعلام العالم يوم أمس، رئيس كان يحكم أمة كاملة بأرض الله الواسعة لم يجده له من سند سوى ولديه – مثله مثل كل الآباء- بقفص لا تتجاوز مساحته المترين أو الثلاث، ولديه اللذين كانا يحجبانه بجسديهما عن الأعين المتلصصة والشامتة والكاميرات المنقبة عن كل فرصة لنقل صورة أبيهم الطريح من على سرير الاتهام الذي أريد له أن يكون شفيعا له في وقت الحساب.
أترى محامو الرئيس المحكوم أرادوا استرداد العطف بجلبه طريحا في فراشه..؟ أو ظنوا أن تمدده على سريره لثلاث ساعات كافيا لمحو آثار اغتصابه لكرسي السلطة لثلاثين سنة..؟
لا أظن البتة…لقد فات الأوان.. وعلى حد قول الرئيس اليمني المنبوذ : لقد فاته القطار…!
إنها رسالة عاجلة لكل الرؤساء والملوك المستبدين… سارعوا إلى التنحي عن كرسي الحكم قبل أن تستبدلوه بكرسي أو سرير بالمحكمة…!!

بقلم: سعيد البيلال
كاتب مغاربي

مواضيع مشابهة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button