الجنرال عزيز حصن الرئيس سيدي من المحاكمة
بقلم : محمد سيدي ولد عبد الرحمن*
في صباح يوم السادس من أغشت سنة 2008 عين السيد سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله رئيس الجمهورية الإسلامية الموريتانية ضباطا جددا في قيادات الجيش، استبدل رئيس أركانه الخاصة الجنرال محمد ولد عبد العزيز فبادر، المعزول، باعتقال الرئيس الذي انتخبه الموريتانيون إثر اقتراع شهد القاصي والداني بنزاهته، ألغى الضابط أوامر الرئيس وغاب على السلطة، وفي اليوم الموالي صرح لقناة الجزيرة بأن ما حدث لم يكن انقلابا وإنما ردة فعل وأضاف أنه حاول ثني الرئيس العنيد عن قرار العزل فأبى.
انقسم المواطنون بين مندد بالإنقلاب باعتباره كفرا بالدستور وتلاعبا بالإرادة الشعبية وإهدارا للمكاسب الديمقراطية ومصفق له باعتباره تصحيحا لانحراف مؤسسة الرئاسة وانتصارا للدولة الموريتانية من رئيس أراد أن يستبد بالأمر.
التأم البرلمانيون الموالون للعسكر بناء على مرسوم نشاز من الجنرال وانتخبوا أعضاء محكمة العدل السامية وحددوا رئيسها ونوابه.. توقع البعض في الداخل والخارج بأن رئيس الجمهورية سيحاسب ولن يمثل أمام محكمة عسكرية كما كان مألوفا في مثل هذه الظروف وإنما سيحال لمحكمة العدل السامية التي وإن نشأت في حكم العسكر إلا أنها لم تتشكل من ضباط عسكريين..
وفي الأيام الأخيرة تناقلت وكالات الأنباء عرض المجلس الأعلى للدولة للإتحاد الإفريقي أن يجنب رئيس الجمهورية شر المحاكمة مقابل تسوية تكفل إبقاء الضباط في القصر الرئاسي لحين الإشراف على استفتاء دستوري وعلى انتخابات شفافة ونزيهة أخرى.
وسأبرز في هذا المقال المختصر أن واقعة الإنقلاب التي قادها الجنرال عزيز وإن قسمت المواطنين الموريتانيين منذ السادس أغشت 2008 وأوقفت الدولة الموريتانية في قفص الإتهام الدولي، إلا أنها حصنت الرئيس سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله من إمكانية المتابعة أمام محكمة العدل السامية وأستند في هذا الإستنتاج على الأسس القانونية التالية:
1. أنه بالرجوع للمادة 93 من دستور الجمهورية الإسلامية الموريتانية والمادة 19 من القانون النظامي رقم 021/2008 الصادر بتاريخ 30 ابريل 2008 المتعلق بمحكمة العدل السامية نتبين أن اختصاص هذه المحكمة منحصر في محاكمة رئيس الجمهورية الحاكم بالفعل والذي حرص المشرع الدستوري على استقلاليته لدرجة أنه لم يجز اتهامه إلا في حالة واحدة هي ارتكاب الخيانة العظمى (المادة 93 من الدستور) وبحكم الطبيعة السياسية لتشكيلة محكمة العدل السامية فإنه لا اختصاص لها في متابعة الرؤساء السابقين ولا اللاحقين ولا في تطبيق النصوص الجنائية على المتهمين لأنها أنشئت في الأصل لمواجهة شخص محصن لا تطاله يد محاكم القانون العام واقتضت المصلحة العامة مد الحصانة لتشمل أعضاء حكومته. فمحكمة العدل السامية ليست جزءا من النظام القضائي وإنما هي هيئة سياسية لا تملك أن تنزل بالرئيس عقوبة جنائية، فعلى افتراض أن رئيس الجمهورية ارتكب جريمة قتل عمد أثناء ممارسته لمهامه فليس للنيابة العامة اتهامه كما لا يحق لذوي الضحية مقاضاته أمام محكمة العدل السامية أو غيرها بل يتوجب على النيابة والمتضررين انتظار انتهاء فترة رئاسته -التي ينقطع أثناءها أمد التقادم- ويمهل القانون الفرنسي الرئيس شهرا بعد العزل قبل أن يسوغ اقتياده أمام محاكم القانون العام.
2. أن الخيانة العظمى غير مقررة كجريمة في القانون الجنائي الموريتاني، فهي مغايرة – بطبيعتها وبالأشخاص الذين يمكن أن يساءلوا بمقتضاها- لجريمة الخيانة المنصوص عليها في المادة 67 من قانون العقوبات وعملا بمبدأ شرعية الجرائم والعقوبات وبقاعدة “لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص” يتوجب البحث عن طريقة لمحاسبة الشخص الذي يعهد إليه بتمثيل الدولة والقيام على مصالحها، فيما إذا ارتكب خيانة عظمى لا يمكن استمراره في الحكم بعدها فإذا ما تحقق ذلك وأحيل الملف لمحكمة العدل السامية وخلصت هذه الهيئة إلى أن الرئيس ارتكب الخيانة العظمى بالفعل فإن غاية ما يمكن أن تصدره هذه المحكمة في حق الرئيس هو العزل وهذا ما يستنبط، في غياب النصوص الوطنية، من المادة 68 من دستور الجمهورية الفرنسية التي تنص على أن الرئيس يمكن أن يعزل من طرف المحكمة السامية في حالة الخيانة العظمى. ومما لا جدال فيه أن السيد سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله عزل عن رئاسة الجمهورية الإسلامية الموريتانية منذ السادس من أغشت 2008 إثر مسطرة عسكرية غضت الطرف عن كل النصوص الشرعية ووفرت مداد محكمة العدل السامية.
3. أن المساطر القانونية النافذة في الجمهورية الإسلامية الموريتانية تجيز للمتهم الذي يدان بأخطر الأفعال الإجرامية أن يستفيد من الطعون (حيث تقبل قرارات محاكم الجنايات- المختصة في أخطر التهم- الطعن بالإستئناف طبقا للمادة 456 من قانون المرافعات الجنائية ويحق الطعن بالنقض في كافة القرارات النهائية طبقا للمادة 529 من قانون المرافعات الجنائية) وبالنظر إلى أن قرارات محكمة العدل السامية غير قابلة لأي طعن اللهم إلا طلب المراجعة الذي يرجع فيه لنفس الهيئة فإن من شأن القول باختصاص هذه المحكمة في إنزال العقوبات الجنائية أن ينال من حقوق المتهمين لأن ذلك يحرمهم من إمكانية الدفاع عن أنفسهم دفاعا لا يكتمل إلا بتخويلهم حق استئناف وتعقيب القرارات الصادرة في حقهم.
إننا نتبين من الأسس أعلاه أن الإنقلاب وإن هدد المصالح العليا للدولة الموريتانية وأوقف وتيرة نموها الإجتماعي إلا أنه حصن، ربما عن غير قصد، السيد سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله، رئيس الجمهورية من المتابعة أمام محكمة العدل السامية ويجوز للبعض أن يتساءل عما إذا كان الجنرال محمد ولد عبد العزيز مشمولا بالحصانة الرئاسية المقررة في الدستور وقوانين الجمهورية أم أن الحصانة مقتصرة على رئيس الجمهورية ؟
* محام
mohsiab@yahoo.fr