يقظة “الهوية” بالسنغال خطر على المنطقة!/سيدي عالي ولد محمد محمود
سعت الأحزاب السياسية بتوجهاتها الإيديولوجية الموروثة عن المستعمر الفرنسي بالسنغال، فرض نفسها “كواقع” بديل عن البنى الاجتماعية والو لاءات الدينية، كمؤثرات ضرورية لضبط النسق الاجتماعي في المجتمع السنغالي، الذي ضن عليها ببنية عضوية كفيلة بتجاوز الركود النخبوي، الذي سارت على نسقه الحياة السياسية للدولة والمجتمع السنغاليين منذ الاستقلال، إلى آخر أشكال الخرف، الذي أصبح دالا ومدلولا “لخطاب” الرئيس الحالي عبد الله واد.
فرغم “الإيديولوجيات” التي قالت بها النخبة، وأورثها المستعمر، لايزال الولاء، على أعلى مستوى في هرم الدولة السنغالية للجماعة العرقية، هو سيد الموقف، عبر الإثارة المستمرة للمشاعر القومية الضيقة، كلما عجزت الدولة عن مواجهة تراكمات الوضع الاقتصادي ومصاعبه، مما يعيق مسيرة الوعي السياسي بمفهوميه الطبقي والاجتماعي طبقا لخطط الأحزاب “الوطنية” والتحليل النخبوي لمسيرة المجتمع بالسنغال.
فبعد الفشل الكبير الذي حاق بمشروع “الحزب الديمقراطي السنغالي” الحاكم، ذو النفس الغربي والتركيبة العرقية، عاد من جديد حزب الرئيس “واد” بتبني استراتيجيات تتناول الأمور من زاوية الإثارة العرقية، وتعبئة أتباعه على إجادة لغة المشاحنات العرقية بقالب المصطلحات التأويلية للأحزاب المعاصرة، متجاوزا الحدود الجغرافية للدولة السنغالية، في محاولة يائسة للتأثير على جماعات يفترض استخدامها لنفس اللغة، والتقاليد.. وحتى العادات الغذائية.
وقد تجسد هذا التطاول الإيديولوجي، تحت ضغط حصيلة الفساد وسوء التسيير التي يزخر بها سجل الدولة السنغالية الحديثة، تجسد عبر محاولات تصدير الأزمة الحالية التي يعيشها السنغال خارج حدوده، بمحاولته تدبير عملية اغتيال الرئيس الغيني وقلب نظام الحكم “بكوناكري”، وأخيرا تحريك عناصر متطرفة معروفة بالولاء لنفس الإيديولوجيا العرقية، ضد إحصاء السكان الجاري بموريتانيا، عبر مسيرات ببعض العواصم الغربية، وأحداث شغب دموية بالجنوب الموريتاني والعاصمة نواكشوط.
فمثلما نشأت الصراعات الاجتماعية وتسارعت التحولات الاقتصادية لتستوعبها مفاهيم جديدة، برزت معالم الخطاب العرقي النتن، الذي يستغل بؤر التوتر الاجتماعي بوقود الاستمالة العاطفية، لتطفوا على السطح النتائج التجسيدية، موجهة في أشكال من العنف البربري، آخذة أشكالا خطيرة في مثل مجتمعات الساحل، المرتهنة بالجهل والفقر.. وحضور المرجعية الوثنية، كوسيلة للتحرر من ضوابط الدين والمودة، الذين أسسا لماض مشترك من الحياة الجماعية قوامها المصالح المشتركة والاحترام المتبادل.
يسعى “الحزب الديمقراطي السنغالي” إلى التأكيد على إرث ثقافي مشترك، وهوية “زنجية/وثنية”، منذ 1974، فعلى الرغم من الثقافة الفرنسية لمؤسسه، عبد الله واد، فقد دعا إلى تأكيد القومية العرقية، كسيف مشهور في وجه الأقليات والمهاجرين ودول الجوار التي تعود إليها أصولهم.
وترجع جذور هذا المنهج الذي ارتفع دخانه إبان الستينات من القرن الماضي على يد المثقفين الذين درسوا في جامعات الغرب.
فمنذ أن صاغ شاعر جزر الهند الغربية “إيمي سيزار” “الزنوجة” عام 1939 وجد تجاوبا كبيرا بين أوساط النخبة الإفريقية، ذات الثقافة الفرنسية، ولم تكن موجهة كتعبير شعوبي ضد أعراق غير سوداء في إفريقيا أو غيرها بقد رما كانت تعبيرا عن مفهوم وطني له نطاق واسع من التراث، وحماس الأخذ بتقرير المصير السياسي.
لقد اتخذ هذا النسق الفكري طابعا إيديولوجيا، بعد تبنيه من طرف الساسة الذين تأثروا به إبان مرحلة البحث عن ثقافة منسجمة تحقق الوحدة الثقافية من أجل الاستقلال السياسي.
لقد اتخذ عبد الله واد وأتباعه “الزنجية” مطية لإثارة أحقاد ليس ضد عرب الشمال فحسب، بل ضد وحدة إفريقيا وتجانس شعوبها.
لقد كانت هذه الظروف الإيديولوجية التي مر بها العقل السياسي السنغالي سببا مباشرا في خلق عداوة “لعدو” يوهمونه في تآمر دائم، يعلقون عليه معالم فشلهم في تحقيق المشروع/الدولة، دون أن يكلفوا أنفسهم عناء البحث عن مرتكزات حقيقية للبقاء غير الطرح القومي الضيق، الذي يعتبر عامل خذلان للتوجه التنموي للدول أيا كانت.. إن النخبة السابحة في فلك “واد” شرعت في تدمير السنغال، وتمزيق نسيجه الاجتماعي، فبدل مواجهة الانهزامية وسوء التسيير، تحاول الإساءة إلى الموريتانيين في أرضهم بعد ما أعلنت منذ 22 عاما حربا على الجاليات المقيمة على الأراضي السنغالية “كمغذين” لأرواح وبطون السنغاليين منذ عهد المرابطين المخلص للشعوب الإفريقية من ظلام الوثنية وحتمية الاقتتال العرقي!
آن الأوان بأن يفقه المثقف الإفريقي عموما أن مختلف القوميات التي تسكن القارة السمراء محكوم عليها بالعيش في سلم تمليه المصالح الاقتصادية، قبل الماضي الحضاري، والحاضر الديني.