موريتانيا والاحتمالات القادمة صحيفة الخليج-الإمارات*
اقتربت نهاية الشهر الثالث على عودة الحكم العسكري في موريتانيا الذي بدأ يكتشف أنه وقع في ورطة لا هو قادر على العودة عنها ولا هو قادر كما يبدو في الظاهر على الاستمرار فيها، فالضغوط الخارجية أخذت تزداد شيئا فشيئا بعد ما يمكن اعتباره (فترة سماح) للتوصل إلى آلية واضحة لمخرج مشرف من الانقلاب الذي أطاح بالرئيس المدني المنتخب سيدي ولد الشيخ عبدالله أوائل شهر أغسطس الماضي على يد قائد حرسه الجنرال محمد ولد عبدالعزيز بعد أن قام الأول بعزل أربعة من قادة الجيش بينهم رئيس الأركان وقائد حرسه الذي كان يعتبر الرجل القوي في القوات المسلحة فما كان من هذا الأخير إلا أن اعتقل رئيسه ونصب نفسه بدلا عنه.
ومع انتهاء (فترة السماح) أعلن الاتحاد الأوروبي بأنه سيتخذ إجراءات قاسية بحق موريتانيا إن لم تعد الشرعية الدستورية في أقرب وقت ممكن، وكما يبدو فإن الأوروبيين ليسوا مصرين على عودة الرئيس المعزول بقدر ما أنهم يريدون رئيسا منتخبا سواء عاد المعزول أم جرى انتخاب رئيس جديد يمثل تواصلا للعملية الديمقراطية التي بدأت بتسليم قائد الانقلاب السابق الجنرال محمد ولد فال السلطة للمدنيين في مايو من العام الماضي بعد سنوات طويلة من الحكم العسكري.
وفي الحقيقة لولا التأييد الذي لقيه الانقلاب الأخير من معظم أحزاب المعارضة ونسبة كبيرة من أبناء الشعب الموريتاني لما كان للحركة الانقلابية أن تصمد، فهذا التأييد النادر من نوعه جاء لعدة أسباب أبرزها أن الانقلابيين أنفسهم هم الذين ساندوا الرئيس المعزول في حملته الانتخابية وأبدوا حينها تعاطفا واضحا معه انعكس لصالحه في الأوساط الشعبية التي كانت – في حينه – تحمل الكثير من التقدير والاحترام للجنرال محمد ولد فال بسبب إطاحته بالرئيس السابق معاوية ولد الطايع والتزامه بتسليم السلطة للمدنيين وإقامة نظام ديمقراطي، ولذلك كانت مساندة ولد فال ورفاقه للمرشح ولد الشيخ عبدالله بمثابة تزكية له في الأوساط الشعبية.. وإذا كان الجنرال ولد فال ترك السلطة فإن رفاقه استمروا في مواقعهم العسكرية ووجدوا في إقالة الرئيس المنتخب لهم تصرفا غير مقبول فكان ما كان. ومن الأسباب التي جعلت الانقلاب يحصد التأييد الواضح من أحزاب المعارضة وجزء من الائتلاف الحاكم الذي دخل في خلاف مع الرئيس المعزول، ناهيك عن أن الانقلابيين لم يقوموا بحل البرلمان المنتخب وسمحوا له بالانعقاد والتداول كما لو أن شيئا لم يحدث، وهذا الأمر كان بلاشك عملا ذكيا سيسهل عليهم عملية العودة للديمقراطية بانتخاب رئيس جديد، فأحزاب المعارضة إلى جانب مناصريها أسهمت في الواقع في عملية حماية الانقلاب وإضفاء حالة من القبول الداخلي له والصمت والتردد الخارجي عنه، لكنها ومعها قادة الانقلاب يدركون جميعا أن هذا وضع غير قابل للاستمرار وأنه لابد عاجلا أم آجلا من إجراء انتخابات رئاسية جديدة يجري قبلها التوافق على شخصية الرئيس الجديد لضمان عدم تكرار ما حدث.
ثالث الأسباب التي أدت إلى نوع من التأييد الداخلي للانقلاب أو على الأقل عدم حدوث أي ردود فعل شعبية قوية ضده تمثلت في السلوكيات والتصرفات التي أبداها الرئيس المعزول أثناء فترة حكمه القصيرة والتي حرص خلالها على إعطاء بعض أفراد عائلته وخاصة زوجته شيئاً من النفوذ السياسي الذي اعتبره الكثير أمرا استفزازيا تعرض بسببه للكثير من الانتقادات من معارضيه مهدت بشكل أو بآخر لقبول فكرة الإطاحة به من رئاسة البلاد وعلى كل حال فمهما كانت الأسباب التي أعطت بعض القبول الداخلي للانقلاب فإن المعالجات كان ينبغي أن تأخذ منحى آخر غير الخروج على الشرعية الدستورية، وبالمقابل فقد كان على الرئيس المنتخب أن يكون أكثر حصافة في إدارة خلافاته فهو يعلم أكثر من غيره فضل قادة الجيش عليه من ناحية، ومن ناحية أخرى هو يعلم أيضاً أن مفاصل القوة الحقيقية في البلاد كانت لازالت بأيديهم في حينها كما هي بأيديهم الآن وكما يبدو فإن الكثير من الساسة المعارضين في الدول ذات الديمقراطيات الناشئة لا يجيدون فهم واقعهم جيدا من خلال محاولاتهم حرق المراحل وتجاوز الواقع المفروض، وهو أمر ملموس سواء وهم يعارضون أو وهم يشاركون في الحكم أو عندما تتهيأ لهم الظروف للانفراد بالحكم كما حدث في العديد من التجارب التي لن يكون آخرها ما جرى في موريتانيا البلد العربي الذي حاول أن يقدم نموذجا جديدا في المنطقة!
ورغم ذلك كله فالجميع يدركون أن الوضع الحالي لن يستمر، وأن انتخابات رئاسية ستجرى بعد أن يجد قادة الانقلاب المخرج الذي يحفظ ماء وجوههم من خلال استمرارهم في مواقعهم القيادية في الجيش وعدم التعرض لهم مستقبلا، ولذلك ستتجه الأطراف المؤثرة في مقاليد القوى للبحث عن حلول تؤدي للنتيجة المطلوبة قد يكون أحدها – على سبيل المثال – التوافق على تقديم قائد الانقلاب السابق الجنرال المتقاعد “محمد ولد فال” كمرشح مدني للرئاسة بعد أن ترك صفوف الجيش وأثبت مصداقيته بالتخلي عن السلطة وتسليمها للمدنيين، فهو بالتأكيد سيكون مقبولا شعبيا وسيشكل ضمانة لقادة الجيش ولن يكون محل رفض من قبل الأحزاب السياسية. وقد يكون ترشيح قائد الانقلاب الحالي لرئاسة البلاد مخرجا آخر رغم أنه قد لن يكون محل رضا كالجنرال “ولد فال”، وقد يتوصل المعنيون بالقرار اليوم داخل موريتانيا إلى خيارات أخرى تأتي برئيس مدني يرضي الجيش والقوى الفاعلة ويرضي الدول المجاورة وكذلك دول الغرب التي أبدت مؤخرا من خلال الاتحاد الأوروبي تهديدات صارمة بإمكانية فرض عقوبات ضد موريتانيا في حال لم تعد الأوضاع الدستورية، وليس من المتوقع بحال من الأحوال أن يتجه قادة الانقلاب للصدام مع المجتمع الدولي فالأوضاع الاقتصادية الموريتانية لا تحتمل أي عزلة دولية أو عقوبات أممية.
* نصر طه مصطفى – ضحيفة الخليج ، الإمارات